عندما خربش مجموعة من الأولاد المراهقين عبارة “يسقط النظام” على جدار مدرستهم، فإنهم قدحوا بذلك مسحوق البارود الذي أشعل أوار الحرب الأهلية في سورية. ومنذ تعرضهم للتعذيب على أيدي عناصر أمن الدولة في آذار (مارس) 2011، أصبحت مدينة هؤلاء الأولاد، درعا، مرادفاً للثورة من أجل الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. ولكن درعا ربما تتحول لتكون المكان نفسه الذي تموت فيه أحلام الإطاحة بالنظام في نهاية المطاف.
صمتت أصوات البنادق في المدينة الممزقة والمحاصرة ظهر يوم 9 تموز (يوليو)، عندما دخل اتفاق وقف إطلاق النار الجديد الذي توسطت فيه روسيا والولايات المتحدة حيز التنفيذ. والهدنة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب وفلاديمير بوتين بعد لقائهما الأول، هي الأحدث في سلسلة من المحاولات الفاشلة التي بذلتها القوتان لإنهاء أكثر من ست سنوات من العنف، والذي ربما أودى بحياة 400.000 شخص. وفي حال نجاحه إذا تمكن من الصمود، قد يفتح الاتفاق الباب أمام تعميق التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نوع من السلام، وإنما بكلفة ما يمكن أن يكون تقسيماً دائماً لسورية إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها قوى أجنبية مختلفة، وهو ما سيترك الأسد، وفق جميع الاحتمالات، مع السيادة على الغرب الساحلي المأهول بكثافة من البلاد.
من غير الواضح ما إذا كان وقف إطلاق النار الجديد سيعمل هذه المرة. وقد أنتجت أشهر من الاجتماعات السرية بين المسؤولين الأميركيين والروس والأردنيين في عمان صفقة تفتقر إلى أدوات الصمود. وقالت روسيا إنها ستقوم بنشر قوات لمراقبة منطقة وقف إطلاق النار التي تغطي ثلاث مناطق جنوبية تتاخم الحدود السورية مع إسرائيل والأردن. وقال دبلوماسيون أميركيون أن تشكيل أي قوة برية ما يزال مدار بحث. وقد صمد وقف إطلاق النار حتى الآن، ولكنه قد ينهار بسرعة مثل الاتفاقات السابقة مع غياب وسائل لإنفاذه. وفي ظل الهرولة إلى إبرامه من أجل إعطاء الرئيسين، الأميركي والروسي، شيئاً للإعلان عنه في أول اجتماع يعقد بينهما، يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار جاء متعجلاً وسابقاً لأوانه.
مع ذلك، فإن جغرافية المنطقة التي يشملها وقف إطلاق النار وتكوينها قد يساعدانها هذه المرة. فالمنطقة -التي تشمل درعا، ومحافظة القنيطرة وأجزاء من محافظة السويداء- هي أصغر من المناطق التي كانت تغطيها اتفاقيات وقف إطلاق النار في الماضي. وهناك أيضاً عدد أقل من المتطرفين لإفساد الهدنة، وعدد أقل من فصائل الثوار التي ينبغي الضغط عليها للالتزام به. كما أن الثوار في الجنوب أقل شراسة: فالأردن يسيطر على أولئك الذين يقاتلون الجيش السوري والميليشيات المدعومة من إيران، والذين يسعون للدخول إلى مناطق قريبة من حدوده.
جاء وقف إطلاق النار نتيجة لخطط روسية لخفض كثافة الحرب. ومنذ كانون الثاني (يناير) قادت موسكو محادثات مع تركيا وإيران اللتين تدعمان الجانبين المتعارضين في النزاع لإقامة أربع “مناطق لتخفيف التوتر” حيث يتوقف الثوار والنظام عن قتل بعضهم بعضا. والهدف من ذلك هو جعل كل واحد من الأطراف يخضع لرقابة قوة أجنبية مختلفة.
ويشكل اندفاع الولايات المتحدة إلى إبرام صفقة مع روسيا في الجنوب، أول منطقة يتم ترسيمها، في جزء منه اختباراً لإخلاص موسكو.
يجلس الرئيس الأسد مستريحاً في دمشق. وإذا ما صمد وقف إطلاق النار، فإنه سيفعل ذلك جزئياً لأن الرئيس السوري ومؤيديه الايرانيين يرون فيه فرصة لترسيخ مكاسبهم، وطرد الثوار من أجزاء أخرى من البلاد، والتسابق مع القوات المدعومة من الولايات المتحدة للسيطرة على الأراضي الغنية بالنفط، التي ما يزال “داعش” يحتلها في الشرق. ويقول ريكس تيلرسون، وزير خارجية أميركا، إن أميركا “لا ترى أي دور لعائلة الأسد على المدى الطويل”. لكن إزالة الديكتاتور الذي تعهد مراراً باستعادة كل شبر من الأراضي المفقودة خلال الحرب، سيكون مستحيلاً من دون موافقة إيران وروسيا.
إذا كان ثمة شيء ظلّ ثابتاً في مقاربة أميركا للصراع السوري على مدار العام الماضي، فهو إيمانها بروسيا لجلب القتال إلى نهايته وإبقاء إيران تحت السيطرة. ويعتقد السيد تيلرسون أن الأطراف المتحاربة أصبحت “متعبة” و”ضجرة” من الصراع. وسوف تُظهر الأسابيع المقبلة مدى خيالية هذه القراءة.
صحيفة الغد الأردنية