بغداد – استغل زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، تظاهرة للآلاف من أنصاره في بغداد، كانت مخصصة للتنديد بقانون للانتخابات في العراق، كي يدشن مواجهة مباشرة مع قيادات قوات الحشد الشعبي الموالين لإيران، في موقف اعتبره مراقبون خطوة أولى من الصدر لتنفيذ قائمة مطالب السعودية، والتي وعد بدراستها والتفاعل معها.
وتجمع الآلاف من أنصار الصدر وحلفائهم من المدنيين، في بغداد وعدد من محافظات العراق، مساء الجمعة، للتظاهر ضد قانون انتخابات مجالس المحافظات الذي أقره البرلمان العراقي مؤخرا.
ومع أن كتلة الأحرار، التابعة للتيار الصدري، هي من بين الأطراف التي يخدمها القانون الانتخابي، الذي يسهل للكتل الكبيرة الاستحواذ على غالبية المقاعد في المجالس المحلية، إلا أنها وقفت ضد تمريره في البرلمان، بتوجيه مباشر من الصدر.
وقال الصدر، في كلمة بثتها شاشات عملاقة في ساحات التظاهر ببغداد والمحافظات، “أعزّي الشعب العظيم بإقرار قانون الانتخابات، من قبل القوى السياسية المهيمنة”.
وأضاف أن هذا القانون “يعد بمثابة موت لطموحات الشعب وتطلعاته للإصلاح”، معتبرا أن “هذا القانون يمثل حاضنة لحيتان الفساد الذين يصلون إلى السلطة ويسرقون قوت الشعب”.
وكان ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، قاد جهودا نيابية، أثمرت عن لحظة توافق نادرة، لتمرير هذا القانون.
لكن الجزء المثير من خطاب الصدر، وفقا لمراقبين، هو الموجه نحو “المطالبة بحصر السلاح في يد الدولة”، وإبعاد “العناصر غير المنضبطة عن الحشد الشعبي”.
أنصار الصدر يقولون إن محاولة الربط بين الوجود الشيعي في العراق ومستقبل الحشد الشعبي، هو محاولة لاستغلال مشاعر البسطاء
وطالب الصدر بدمج “العناصر المنضبطة من الحشد الشعبي المجاهد ضمن القوات المسلحة الرسمية، وإلا فبجعل زمام أمر الحشد المقر بقانون تحت إمرة الدولة حصرا، لا غير، وبشروط صارمة”.
وشدد زعيم التيار الصدري، على ضرورة “سحب السلاح بصورة أبوية من الجميع، سواء في ذلك الفصائل أو غيرها”، في إشارة واضحة إلى الفصائل الموالية لإيران.
واعتبر حلفاء إيران في بغداد، بيان الصدر، “دعوة إلى تفكيك قوة عقائدية تعمل على حماية المذهب الشيعي في العراق”، في إشارة إلى الحشد الشعبي، فيما ذهب آخرون إلى أن “الصدر بدأ بتنفيذ قائمة المطالب السعودية، وأولها حل الحشد الشعبي”.
وكان الصدر زار السعودية، الأحد الماضي، والتقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وقرئت الزيارة على أنها اختراق سعودي لافت للمشهد العراقي، وأن الشيعة بدأوا بالانفتاح على العمق العربي والتحرر من قبضة إيران ولو بشكل تدريجي.
ويقول أنصار الصدر إن “محاولة الربط بين الوجود الشيعي في العراق ومستقبل الحشد الشعبي، هو محاولة لاستغلال مشاعر البسطاء”.
ويحذر هؤلاء من أن “تضحيات مقاتلي الحشد، يجري استغلالها سياسيا، وتوظيفها في الانتخابات، من قبل أطراف موالية لإيران”.
ووفقا لمصادر “العرب” في بغداد، فإن “السيطرة على قوات الحشد الشعبي، ومنع استخدامها في التنافس السياسي استعدادا لانتخابات 2018، هو طلب تقدمت به أطراف سياسية عراقية عديدة إلى رئيس الوزراء العراقي”.
ويقر الصدر بأن العبادي يواجه “تركة ثقيلة من سلفه” رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وتقول المصادر إن “العبادي يدرس فعليا مجموعة من الخيارات، لضمان تحييد الحشد الشعبي في الانتخابات”، بناء على طلبات تلقاها من أطراف سياسية، شيعية وسنية، تتعلق بهذا الملف، وإن تصريحاته بالأمس كان هدفها تجنب حملة إعلامية وسياسية لأنصار إيران أكثر منها معبرة عن موقف رئيس الحكومة.
العبادي والصدر يتبادلان الثناء خلال خطبهما، ما يسلط الضوء على التنسيق بين الطرفين، في إطار ما يعرف بالمحور (الشيعي العروبي المعتدل)
وقال العبادي في تصريحات مقتضبة أمس إن “الحشد الشعبي تحت قيادة المرجعية والدولة وهو للعراق ولن يحل”.
واعتبر مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” أنه من الواضح أن العبادي يبحث عن مباركة المرجعية الشيعية في النجف لتنفيذ خياراته ضد الحشد، والتي قد يكون من بينها حل الميليشيا كليا، كما يقترح الصدر، أو تحويلها إلى تشكيل قتالي خاص، على غرار جهاز مكافحة الإرهاب، يرتبط برئيس الوزراء حصرا.
ويخطط زعماء معظم الفصائل الموالية لإيران داخل الحشد الشعبي، لخوض الانتخابات القادمة.
ومع الشكوك الكبيرة في قدرة الحكومة على احتواء هذه الفصائل، يبرز الثقل الكبير الذي يلعبه الصدر، بقاعدته الجماهيرية، والجناح المسلح الذي يتبعه وهو سرايا السلام، الذي بقي خارج مؤسسة الحشد الشعبي.
ومن المنتظر أن يشكل الصدر غطاء لأي قرار حكومي يتعلق بمستقبل الحشد الشعبي.
ويتبادل العبادي والصدر الثناء خلال خطبهما، ما يسلط الضوء على التنسيق بين الطرفين، في إطار ما يعرف بالمحور “الشيعي العروبي المعتدل”.
وكان العبادي أشاد بدور “زعماء سياسيين في تطوير علاقات العراق مع محيطه العربي”، في إشارة واضحة إلى زيارة الصدر إلى السعودية، قبل أن يرد الصدر واصفا العبادي بأنه “رجل دولة”.
ويتوقع المراقبون في بغداد أن تقود الأشهر القليلة القادمة إلى المزيد من الفرز داخل الأوساط الشيعية العراقية بين تيارين سياسيين، سيتنافسان بقوة على منصب رئيس الوزراء.
ووفقا لهذه التوقعات، وخارطة الحراك الحالي، فإن التيار الأول الذي يوصف بأنه “تيار الاعتدال العروبي”، يضم العبادي والصدر، فضلا عن زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم. ويمتلك هذا التيار علاقات متوازنة مع إيران، لكنه لم يكن تحت عباءتها، في مقابل علاقات سريعة التطور مع الدول العربية، ومن بينها السعودية ومصر والأردن.
ويجمع التيار الثاني، المالكي وجميع قادة الفصائل الشيعية المسلحة التي تؤمن بولاية الفقيه. ويعتمد هذا التيار على النفوذ الإيراني الكبير في العراق لضمان مصالحه السياسية والانتخابية، لكنه يخشى أن تؤدي شعبية المرجع الديني الأعلى، علي السيستاني، في الأوساط الشيعية العراقية، إلى ترجيح كفة التيار الأول.
العرب اللندنية