على رغم اختلاف النظم والعهود، إلا أننا نستطيع أن نجد تماثلاً بين ما يجرى اليوم في العلاقات الأميركية – الروسية، وبين ما حصل خلال العهد السوفياتي. فعندما شرع ريتشارد نيكسون وهنري كيسينجر في بناء علاقات «الوفاق» مع الاتحاد السوفياتي في أوائل سبعينات القرن الماضي، انعقدت أربع قمم في موسكو وواشنطن، صدر عنها نطاق عريض من الاتفاقيات في مجالات العلاقات الثنائية، وفي جوهرها اتفاقيات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، سالت، فضلاً عن مبادئ السلوك في الأزمات الإقليمية والدولية. غير أن هذا التحول من المواجهة إلى الحوار والتفاوض، وُوجه بمقاومة من قوى سياسية أميركية تملكتها عقلية الحرب الباردة والنظر إلى الاتحاد السوفياتي كخصم يجب احتواؤه، تمهيداً لزوال نظامه. ونجحت هذه القوى في أن تستصدر من الكونغرس الأميركي ما عرف بقانون جاكسون فينك الذي يقضي بعدم منح الاتحاد السوفياتي حق الدولة الأولى بالرعاية، وهو ما كان قد تمَّ الاتفاق عليه في مؤتمرات القمة.
واشترط القانون أن يسمح الاتحاد السوفياتي لليهود بالهجرة لإسرائيل، وهو الشرط الذي رفضته موسكو. وكان ذلك من بدايات تراجع ما تحقق في مفهوم «الوفاق»، حتى انهار تماماً في عهد رونالد ريغان وسط ترحيب شامل من قوى اليمين الأميركي، وإن كان عدد من المؤرخين والسياسيين مثل جورج كينان، قد عبَّروا عن خشيتهم من تجدد الحرب الباردة، وانطلاق سباق التسلح.
في هذه الخلفية التاريخية تماثل مع ما نجحت فيه قوى أميركية تتربص بروسيا، مستغلة التحقيقات التي تجرى حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، في وأد اتجاه ترامب منذ حملته الانتخابية إلى التعاون مع موسكو. ترامب كان قد وصف معارضي ذلك الاتجاه بالحمقى. أما فلاديمير بوتين، فبات يرى أن تدني مستوى العلاقات الأميركية – الروسية يرجع إلى السياسة الداخلية الأميركية. ومن المفارقات أن يتفق هذا مع اتهام دونالد ترامب الكونغرس الأميركي بأنه المسؤول عن تدهور العلاقات الأميركية – الروسية. في بداية ولايته، نصح خبراء أميركيون ترامب بأن اتباع استراتيجية متشددة مع موسكو سوف يولد استجابة استفزازية من بوتين ويعيق مجالات تعاون تحتاج لها وشنطن (فوريين افيرز آذار/مارس – نيسان/أبريل 2017). فهل ستترك العلاقات الأميركية – الروسية لتجاذبات السياسة الداخلية الأميركية؟ أم سيفوز إدراك أن الولايات المتحدة تحتاج إلى التعاون مع روسيا في قضايا رئيسية: الأزمة السورية ومحاربة «داعش»، والأزمة المتصاعدة مع كوريا الشمالية، وإيران، فضلاً عن الملف الحافل حول قضايا التسلح؟ ونتصور أن ريكس تليرسون يدرك هذه الاعتبارات ويحاول وقف التدهور في العلاقات، وأن بوتين من البداية كان يتطلع إلى علاقات إيجابية مع ترامب وإدارته.
السيد أمين شلبي
صحيفة الحياة اللندنية