برلين – أنهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حلم الأتراك في عضوية الاتحاد الأوروبي، وذلك في ختام سجال طويل استعمل فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطابا شعبويا تحريضيا ضد برلين، معولا على حلم الألمان وسعة صدورهم، وأن الأمر لن يخرج عن دائرة المناكفة. لكن ميركل فاجأته بالموقف الصادم.
وأعلنت المستشارة الألمانية أنها تريد الدخول في نقاش حول وقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكدة أنها لا تؤمن بإمكانية حصول هذا الانضمام.
وقالت ميركل خلال مناظرة تلفزيونية مع زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتس خصمها في الانتخابات التشريعية المقررة في 24 سبتمبر، إنه “من الواضح أنه لا يجب أن تصبح تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي”.
ورأت مصادر أوروبية أن إعلان المستشارة الألمانية عن عزمها العمل مع الشركاء الأوروبيين على وقف مفاوضات دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يخرج المزاج الأوروبي الحقيقي في هذا الصدد إلى العلن بعد أن كان موقف الدول الأوروبية مواربا رماديا في شأن مبدأ عضوية تركيا داخل النادي الأوروبي.
وقالت المفوضية الأوروبية إن أفعال السلطات التركية تجعل انضمام أنقرة لعضوية الاتحاد الأوروبي مستحيلا وذلك بعد أن دعت المستشارة الألمانية إلى إنهاء محادثات الانضمام.
وقال متحدث باسم المفوضية في إفادة صحافية مقتبسا تصريحات أدلى بها رئيس المفوضية جان كلود يونكر قبل دعوة ميركل إلى وقف المحادثات “تركيا تتخذ خطوات ضخمة تبعدها عن أوروبا وهذا يجعل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مستحيلا”.
وقالت ميركل إنها تريد “مناقشة هذا الأمر” مع شركائها في الاتحاد الأوروبي “لنرى إذا كان بالإمكان التوصل إلى موقف مشترك إزاء هذه النقطة وإذا كان بإمكاننا وقف مفاوضات الانضمام”.
وتابعت “أنا لا أرى أن الانضمام قادم، ولم أؤمن يوما بأنه يمكن أن يحدث”، مضيفة أن المسألة تكمن في معرفة من “سيغلق الباب” أولا، تركيا أو الاتحاد الأوروبي.
ويعتبر دبلوماسيون في بروكسل أن المواقف التي أثارها أردوغان في السنوات الأخيرة حيال دول الاتحاد الأوروبي كشفت عن حالة تناقض بين توق أنقرة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومهاجمة الرئيس التركي لبلدان أوروبية ووصفها بالفاشية والنازية والمعادية للمسلمين.
وفرضت ألمانيا عقوبات اقتصادية على تركيا إثر الاعتقالات التي قامت بها أنقرة بعد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، إلا أن برلين تجنبت المطالبة بوقف مفاوضات الانضمام.
وباعتمادها هذه النبرة الحادة تجاه أنقرة سحبت ميركل البساط من تحت قدمي زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وكان شولتس وعد بإنهاء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إذا ما انتخب مستشارا.
ويرى خبراء في شؤون العلاقات الأوروبية التركية أن موقف ميركل أكبر من كونه مزايدة لحصد عدد أكبر من أصوات الناخبين الألمان، لافتين إلى أن ألمانيا لا يمكنها أن تستمر بالسكوت على إهانات أردوغان وخطابه الاستعلائي تجاه ألمانيا وأوروبا ككل.
واتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ساسة في ألمانيا، الاثنين، بالانغماس في الشعبوية.
وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان على تويتر “نأمل أن تنتهي الأجواء الصعبة التي جعلت من العلاقات بين تركيا وألمانيا ضحية لهذا الأفق السياسي الضيق”.
ويلفت مراقبون أتراك إلى أن الخصومة مع أوروبا باتت مادة لتعبئة الكتلة الناخبة التركية كما كان واضحا أثناء الحملة التي خاضها أردوغان وحزبه في الاستفتاء الأخير حول الإصلاحات الدستورية، لكنها انقلبت إلى أزمة حقيقية من الصعب على أنقرة تطويقها.
ويلاحظ هؤلاء أن الخصومة الأوروبية مع تركيا باتت أيضا في المقابل مادة داخل حملات الانتخابات داخل البلدان الأوروبية كما هو حاصل هذه الأيام في ألمانيا.
وتجري مفاوضات صعبة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا منذ العام 2005 إلا أنها باتت شبه متوقفة منذ أشهر عدة بسبب التطورات الأخيرة في تركيا بعيد الانقلاب الفاشل صيف 2016. ولوقف هذه المفاوضات لا بد من قرار إجماعي من قبل دول الاتحاد الأوروبي.
وأشار المتحدث باسم الرئيس التركي إلى أن منح بلاده ورئيسها الحيز الأكبر من برنامج سياسي انتخابي بين ميركل وشولتس ليس صدفة، مؤكدا أن خضوع السياسة العامة الألمانية لتيارات شعبوية وإقصائية وعدائية، يؤجج التمييز والعنصرية فقط.
وأضاف “ألا تدرك ألمانيا التي فتحت أحضانها بشكل علني لمنظمات إرهابية مثل بي كا كا وغولن أنها تدافع عن الإرهابيين والانقلابيين وليس عن الديمقراطية”.
وتابع “ليست هناك أهمية كبيرة لفوز أي حزب في الانتخابات الألمانية، لأن العقلية التي ستفوز في الانتخابات واضحة من الآن”.
وكان أردوغان دعا قبل أسابيع الأتراك المجنسين في ألمانيا إلى عدم منح أصواتهم لتحالف حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الحاكم.
وتقول مراجع سياسية تركية معارضة إن أنقرة فقدت من خلال موقف ميركل موقفا أوروبيا وازنا لصالح تركيا، وإن السياسة الخارجية التي ينتهجها أردوغان تذهب بتركيا إلى المزيد من العزلة، لا سيما مع دول الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر متنفسا اقتصاديا ضروريا للنمو في تركيا.
ويضيف هؤلاء أن أنقرة تفقد علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة وترتبط بعلاقات غير صلبة مع روسيا وتمر علاقاتها مع دول الجوار بوهن، وأن غلق باب دخولها إلى الاتحاد الأوروبي سيعني أن مرحلة حكم أردوغان لم تحمل لتركيا غير الأزمات، وهو ما يتناقض مع خطابه الدعائي.
العرب اللندنية