إسطنبول ـ «القدس العربي»: تشهد تركيا منذ أكثر من 40 عاماً حرباً عسكرية دموية بين الدولة والمتمردين الأكراد خلفت أكثر من 50 ألف قتيل من الجانبين، لكن البعض الآخر يرى أن جوهر الصراع يتحول تدريجياً إلى «حرب ديموغرافية» ستظهر وتبرز تدريجياً خلال السنوات والعقود المقبلة.
ومن أصل 79 مليون مواطن يحملون جنسية الجمهورية التركية، يقول الأكراد إنهم يمثلون قرابة 25٪ من مواطني الدولة، ومع عدم وجود إحصائيات رسمية تتوقع جهات مقربة من الدولة ومراكز بحثية أن نسبة المواطنين من أصول كردية في تركيا يمثلون نحو 15 إلى 20٪ حسب دراسات متفاوتة.
لكن هذه النسب تبدو أنها لن تبقى على هذا الحال خلال السنوات والعقود المقبلة، لا سيما وأن الأكراد الذين يعيشون بشكل أساسي في جنوب وشرقي البلاد ما زالوا يتزوجون في سن مبكر وينجبون الأطفال بمستويات عالية جداً، على العكس من الأتراك الذين يعيشون في المدن والمحافظات الكبرى ويعيشون إلى طرز الحياة الأوروبي حيث يتزوجون في سن متأخر وينجبون الأطفال بمعدلات متدنية.
ويطالب المتمردون الأكراد بإقامة دولة مستقلة «كردستان» في جنوب شرق تركيا، في حين تقول شريحة أخرى من أكراد تركيا إنهم يريدون الحصول على حقوق أكبر والعيش في كنف الدول التركية، في المقابل تقول الحكومة التركية إنها تمنح حقوقاً متساوية لجميع المواطنين من كافة الأعراق دون تمييز ولن تسمح «مهما كلف الأمر» بتقسيم البلاد.
وفي المناطق القروية والجبلية والنائية والزراعية جنوبي وشرق البلاد ما زال يعيش هناك النسبة الأكبر من المواطنين الأتراك من أصول كردية ويتزوج أبنائهم في أعمار صغيرة بينما يلجأ كثير من الرجال إلى الزواج من أكثر من واحدة تجاوزاً للقانون التركي الذي يمنع ذلك لكنه غير مطبق بشكل كبير في تلك المناطق، وبالتالي يتمتع الأكراد بمعدلات إنجاب عالية تصل في كثر من الأحيان إلى إنجاب 10 أبناء وأكثر.
في المقابل، تعيش النسبة الأكبر من المواطنين من أصول تركية في المدن والمحافظات الكبرى التي تأخذ الطابع الغربي بشكل كبير وبالتالي يلجئون إلى الزواج في سن أكبر ويكتفون بنسب ضئيلة جداً من الإنجاب، لا يتجاوز الطفل أو الاثنين أو الثلاثة في حالات نادرة، بينما ما زالت نسبة أقل من الأتراك يعيشون في القرى يقومون بالإنجاب بنسب أعلى.
وخلال السنوات الأخيرة، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً المواطنين الأتراك بشكل عام إلى إنجاب ثلاثة أطفال على الأقل لإبقاء الشعب التركي يتمتع بروح الشباب وحتى لا يشيخ كما حصل في العديد من الدول الأوروبية، لكن مراقبون يرون أن السبب الرئيسي لهذه الدعوة متعلق برغبة أردوغان في رفع نسبة الإنجاب عند الأتراك لعدم حصول اختلال أكبر مستقبلاً بين نسب المواطنين من أصول تركية وكردية.
وتواجه دعوات أردوغان المتكررة معارضة من قبل شريحة من الأتراك تعتبر أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد لا تسمح لهم بإنجاب أكثر من طفل وأن الدولة لا تقدم الرعاية والدعم الكافي لهم لتحمل أعباء تربية عدد أكبر من الأطفال، لكن أردوغان لجأ لاحقاً إلى الأسلوب الديني معتبراً أن «الأسرة المسلمة لا يمكن أن تفكر في إتباع أساليب منع الحمل».
ويذهب معارضون لا سيما من الأكراد إلى اعتبار أن مساعي أردوغان لمنح أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الجنسية التركية تأتي في إطار «المعركة الديموغرافية» مع الأكراد، كون اللاجئين السوريين سيكونون في جميع الأحوال عقب تجنيسهم أقرب للأتراك منهم إلى الأكراد في البلاد.
ومنذ أشهر بدأت الحكومة التركية فعلياً بتجنيس أعداد غير محددة من اللاجئين السوريين ممن تنطبق عليهم الشروط حالياً من حيث الحصول على إقامة عمل لمن يعيشون في تركيا منذ عدة سنوات، وبينما ركزت تصريحات الحكومة على أن من سينالون الجنسية التركية هم من «الكفاءات» يقول معارضون أن خطط أردوغان ستشمل تدريجياً منح الجنسية لقرابة 3 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا.
وبشكل عام تبلغ معدلات الإنجاب في تركيا 2.17 طفلا لكل امرأة، ويواجه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم من 15 عاما في البلاد انتقادات متزايدة من مؤسسات حقوق المرأة بسبب ما أسموه فرض قيود مشددة على «الحق في الإجهاض واستخدام حبوب منع الحمل»، حيث تقدم أردوغان الأب لأربع أطفال بمقترحات لفرض قيود على الحق في الإجهاض.
وتنفيذاً لرؤية أردوغان عملت الحكومات التركية الأخيرة على تقديم تسهيلات متعددة للشباب الأتراك من أجل الزواج، وتسهيلات أخرى للعائلات لزيادة الإنجاب، حيث حصلت أكثر من مليون عائلة تركية على مساعدة/ مكافأة «المولود الجديد، لتشجيع العائلات التركية على الإنجاب، بحيث يتم منح كل عائلة تركية مكافأة مالية متصاعدة مع كل طفل جديد للعائلة، لكن المعارضون يسخرون من قيمة هذه المساعدة المتدنية.
كما فتحت الحكومة التركية، العام الماضي، باب تقديم الطلبات من أجل فتح «حسابات زواج» في البنوك التركية، وذلك في إطار برنامجها لتشجيع الشباب على الزواج، حيث توفر الدولة ما نسبته 20٪ من مجموع مدخرات الشاب أو الشابة ضمن حساب الزواج المصرفي. كما قررت الحكومة منح الأمهات بعد انتهاء إجازة الأمومة فرصة العمل بشكل جزئي لمدة شهرين بعد المولود الأول، ولمدة 4 أشهر بعد المولود الثاني، ولمدة 6 أشهر بعد المولود الثالث، بالإضافة إلى قرارات تتعلق بدعم حضانات الأطفال ومراكز العناية بهم.
القدس العربي