دمشق – أعربت دمشق عن استعدادها للتفاوض مع الأكراد بشأن طرحهم إنشاء إدارة ذاتية في شمال سوريا، في خطوة تطرح تساؤلات كثيرة خاصة وأنها تزامنت مع استفتاء إقليم كردستان العراق حول الاستقلال والذي أعلنت معارضتها له.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن السوريين الأكراد “يريدون شكلا من أشكال الإدارة الذاتية ضمن حدود الجمهورية العربية السورية.. وهذا الموضوع قابل للتفاوض والحوار”. وأضاف “عندما ننتهي من القضاء على داعش يمكن أن نجلس مع أبنائنا الأكراد ونتفاهم على صيغة للمستقبل”.
وهذه المرة الأولى التي يبدي فيها مسؤول سوري كبير انفتاحه على نقاش بشأن مسألة الإدارة الذاتية للأكراد، الذين أعلنوا بعد اندلاع النزاع السوري إقامة نظام فيدرالي في مناطق سيطرتهم بشمال البلاد وشمال شرقها.
ويرى البعض أن تصريحات المعلم تهدف إلى احتواء أكراد سوريا الذين يسلكون نهج إقليم كردستان العراق، بتشكيل إقليم حكم ذاتي تمهيدا لانفصال لم تحن لحظته بعد، رغم أن الأكراد وعلى رأسهم الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ينفون أن تكون لهم نزعة انفصالية وأنهم يريدون فقط حكما ذاتيا ضمن الدولة السورية.
وتعليقا على الاستفتاء الذي أجراه أكراد العراق الاثنين والذي وصل التصويت فيه بنعم إلى 90 بالمئة، اعتبر المعلم “أن في العراق استفتاء للانفصال وهذا الشيء مرفوض من قبلنا رفضا قاطعا.. نحن مع وحدة العراق”.
وعمت شوارع القامشلي في شمال شرق سوريا الاحتفالات بهذا الانفصال، الأمر الذي يعكس في واقع الأمر تجاوز طموح أكراد سوريا إقامة حكم ذاتي.
ابراهيم ابراهيم: هناك نظام فيدرالي أصبح واقعا في سوريا وعلى النظام التعامل معه
ويرى مراقبون أن إقليم الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا وشمال شرقها بات على أرض الواقع، وأن النظام السوري مدرك جيدا لهذا المعطى وبالتالي دعوته إلى التفاوض حول المسألة ليست سوى مسعى لاحتواء الأكراد وأيضا محاولة لاستفزاز الجانب التركي الأعلى صوتا من ضمن الرافضين للطموح الكردي، باعتباره يحتضن النسبة الأكبر من الأكراد في المنطقة، وقد يقود ما يحصل في سوريا والعراق إلى تشجيعهم على تصعيد حملتهم الانفصالية.
ويقول المحلل السياسي الكردي إبراهيم إبراهيم في تصريحات لـ“العرب”، “اليوم هناك نظام فيدرالي ديمقراطي أصبح واقعا على الأرض في سوريا وعلى النظام التعامل معه إذا كان فعلا يريد حلا”.
ويعد الأكراد أقلية في سوريا لا تتجاوز 15 بالمئة من مجمل سكان البلاد قبل اندلاع النزاع في العام 2011، وعانوا على مر عقود من التهميش. لكنهم بعد اندلاع النزاع في العام 2011، بدأوا بتعزيز موقعهم بعد انسحاب الجيش السوري تدريجيا من مناطقهم ما سمح لهم بالسيطرة على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق البلاد.
وبرزوا في وقت لاحق كأكثر القوى فعالية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي فتح لهم الباب لكسب دعم الولايات المتحدة الأميركية، التي باتت تراهن عليهم في تكريس نفوذها في هذا البلد.
وفي مارس 2016، أعلن الأكراد نظاما فيدراليا في مناطق سيطرتهم التي قسموها إلى ثلاثة أقاليم؛ هي الجزيرة (الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضم أجزاء من حلب وأخرى من الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب). ونظم أكراد سوريا الأسبوع الماضي جولة أولى من الانتخابات المحلية في مناطق سيطرتهم، في خطوة تعد تعزيزا للنموذج الفيدرالي الذي يدافعون عنه، والذي وصفته دمشق بـ”المزحة”.
وبالتوازي مع ذلك يسعى الأكراد لتعزيز نفوذهم عبر السيطرة على جزء من محافظة دير الزور الغنية بالثروات الطاقية، لتوفير مقومات الحياة لإقليمهم المنشود. وكان آخر إنجاز لهم وضع يدهم على حقل كونوكو للغاز شرقي نهر الفرات.
ويعتقد مراقبون أنه بغض النظر عن موقف النظام والتوتر الحاصل بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب التنافس القائم في دير الزور، فإن هناك توافقا على أن يكون للجانب الكردي إقليمهم الذاتي، وهو ما أظهرته وثيقة روسية سربت قبل فترة هي بمثابة خطوط عريضة لدستور سوريا المقبل تضمنت الإشارة إلى تمكين العنصر الكردي من إدارة ذاتية لمناطقه.
وتبقى تركيا الخاسر الأكبر من القضية الكردية، فرغم قدرتها على الضغط على أكراد العراق عبر جملة من الأوراق الاقتصادية والأمنية، إلا أنها لن تسطيع ذلك تجاه أكراد سوريا خاصة إذا ما حصل اتفاق بينهم والأميركيين من جهة والنظام السوري وروسيا من جهة ثانية.
العرب اللندنية