بغداد – يمارس رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، عملية “هروب إلى الأمام”، وفقا لمراقبين، في إطار تعاطيه مع تداعيات استفتاء تقرير المصير الذي رعاه حزبه، في وقت بدأت علامات التصدع تلوح من داخل البيت السياسي الكردي، إثر تعاظم الضغوط الداخلية والخارجية الرافضة لمشروع الانفصال.
وفاجأ زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني المراقبين بالإعلان عن تشكيل جديد بعنوان “المجلس القيادي السياسي الكردستاني – العراقي”، قال إنه “سيتولى مهام التفاوض مع بغداد بعد إنجاز خطوة الاستفتاء”.
وجاء الإعلان عن هذا المجلس في ظل رفض الحكومة المركزية في بغداد، وجميع القوى السياسية الشيعية، التفاوض مع إقليم كردستان بناء على نتائج استفتاء الخامس والعشرين من الشهر الماضي.
ويقول مراقبون إن “البارزاني يهرب من الضغوط المحلية والدولية المطالبة بتجميد نتائج الاستفتاء، والعودة إلى حوار غير مشروط، بالإعلان عن تشكيل سياسي جديد”.
ويقول قادة بارزون في الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، إنهم فوجئوا بإعلان حزب البارزاني حل “المجلس الأعلى للاستفتاء”، والإعلان عن تشكيل جديد للتفاوض مع بغداد، “في غياب أي بادرة تؤكد استعداد الحكومة المركزية لمناقشة نتائج الاستفتاء”.
وتعكس هذه المواقف حجم الانقسامات في حزب الطالباني بشأن الاستفتاء.
وقالت مصادر سياسية في السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني، إن “هناك جناحا واحدا من حزب الطالباني يقوده نائب الأمين العام للحزب، كوسرت رسول، يدعم البارزاني في مشروع الاستقلال الكردي”.
واهتمت قيادات بارزة في حزب البارزاني، بما وصفته بـ”مبادرة السيستاني للحوار”، مؤكدة الترحيب بها. لكن نائبا في البرلمان العراقي عرف بقربه من المرجع الشيعي الأعلى في النجف، قال إن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني “لم يدع إلى الحوار، بل طلب الالتزام بالدستور”.
وقال النائب عن التحالف الشيعي الحاكم، عبدالهادي الحكيم، إن “القيادة السياسية لكردستان العراق أعلنت استعدادها للحوار”، مؤكدا أن “المرجعية العليا لم تطرح مبادرة، خلافا لما زعموا، ولم ترد في بيانها أصلا كلمة حوار في خطبة الجمعة أصلا، بل دعت الإخوة المسؤولين في الإقليم إلى الرجوع إلى المسار الدستوري لحل القضايا الخلافية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم”.
وكان ممثل المرجع الأعلى دعا في خطبة الجمعة الماضية إلى “ضرورة المحافظة على وحدة العراق أرضا وشعبا، والتزام جميع الأطراف بالدستور العراقي نصا وروحا، والاحتكام في ما يقع من المنازعات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ويستعصي على الحل بالطرق السياسية إلى المحكمة الاتحادية العليا”.
وحذر “من القيام بخطوات منفردة باتجاه التقسيم والانفصال ومحاولة جعل ذلك أمرا واقعا سيؤدي بما سيتتبعه من ردود أفعال داخلية وخارجية إلى عواقب غير محمودة تمس بالدرجة الأساس حياة أعزائنا المواطنين الأكراد وربما يؤدي إلى ما هو أخطر من ذلك لا سمح الله”.
ودعا المتحدث باسم المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إقليم كردستان “إلى تأكيد التزامه بالدستور وقرارات المحكمة الاتحادية” مؤكدا “ضرورة قيام الإقليم بإلغاء نتائج الاستفتاء المخالف للدستور ومن ثم الدخول في حوار جاد لتعزيز وحدة العراق”.
وطالب المتحدث الأكراد بـ”إيقاف التصعيد والاستفزاز في المناطق المتجاوز عليها من قبل الإقليم”. لكنه لم يشر إلى طبيعة التصعيد الذي يطالب بوقفه.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أن تداعيات الاستفتاء لن تقف عند حدّ معين كما تأمل الأطراف كلها، مضيفا أن ما جرى لا يمكن التراجع عنه بأي طريقة ذلك أن الطرفين؛ الكردي وحكومة بغداد، يستندان إلى الدستور حجة لصحة موقفيهما المتناقضين، وهو ما يكشف أن الدستور لم يُكتب بطريقة تجمع العراقيين تحت مظلة القانون.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن “الحكومة ليست في وضع جيد كما تودّ أن تظهر، لأنها لا تملك أوراقا قانونية للضغط على الجانب الكردي ممثلا بالبارزاني شخصيا الذي لا يملك سوى أن يمضي قدما في مشروعه الذي لم يعد مجرد رأي شخصي”.
وأضاف “هناك (نعم) قيلت من أجل الانفصال وهو ما يمكن أن يؤسس لقاعدة قانونية تضع الإقليم على عتبة الاعتراف الدولي، لافتا إلى أن المطالبة بالعودة إلى الدستور باعتباره مرجعية جامعة تنطوي على اقتراح غير دقيق لإصلاح ما تم إفساده من الود القديم بين الشيعة والأكراد”.
العرب اللندنية