بغداد – يراهن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني على الموقفين الروسي والفرنسي لتخفيف الضغوط التي يتعرض لها إقليم كردستان العراق إثر إجرائه استفتاء على الاستقلال أثار الجدل في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية.
ووفقا لمصادر قريبة من البارزاني فإن رئيس إقليم كردستان العراق يعتقد أن “الضبابية التي تسود موقفي موسكو وباريس بشأن الاستفتاء تفتح الباب أمامه للحصول على دعم من دول كبيرة في مواجهة ضغوط محلية تمارسها بغداد، وإقليمية تقوم بها كل من طهران وأنقرة”، وهي العواصم الثلاث الأشد اعتراضا على نوايا الانفصال الكردي.
وفي آخر لقاء بين بوتين وأردوغان، نهاية الشهر الماضي، تجنب الرئيس الروسي الإعلان عن موقفه من الاستفتاء، مكتفيا بالقول إن “الموقف الرسمي لروسيا معروف، وهو الذي جاء في بيان وزارة الخارجية الروسية”.
وكانت وزارة الخارجية الروسية، أعلنت قبل ذلك، احترامها “للتطلعات القومية للشعب الكردي”، لكنها أكدت “ثبات الموقف الروسي الداعم لسيادة العراق وسلامته ووحدة أراضيه”.
وجاء في بيان الوزارة، الذي نشر على موقعها الرسمي، إن “روسيا ترى من الأهمية تجنب كل ما يمكن أن يزيد تعقيد وزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، ويبقى دعمنا ثابتا لسيادة العراق ووحدة وسلامة أراضيه وباقي دول الشرق الأوسط”.
وحاولت فرنسا إثناء البارزاني عن إجراء الاستفتاء، ولكن إصرار الزعيم الكردي على مشروعه دفع باريس إلى فتح باب الوساطة بين بغداد وأربيل أملا في جمع مسؤوليهما على طاولة الحوار.
واستضافت فرنسا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، عقب الاستفتاء، وأعلنت أنها ربما تستضيف البارزاني أيضا، لكن هذه الخطوة تعثرت بسبب وفاة الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني وانشغال مسؤولي الإقليم الكردي بمراسم تشييعه وعزائه.
وتقول المصادر المقربة من البارزاني إن “قناعة الحزب الديمقراطي الكردستاني بإمكانية تدخل روسيا وفرنسا، لجهة منع بغداد وأنقرة وطهران من محاصرة كردستان، تتزايد في أربيل مع مرور الأيام”.
وبينما تتمتع فرنسا بعلاقات متينة مع زعماء الإقليم الكردي، تصعد أسهم شركات النفط الروسية في كردستان وتقترب من الهيمنة على هذه الصناعة الحيوية لأربيل.
ولا يقف رهان البارزاني عند حد روسيا وفرنسا بل يمتد إلى “إمكانية الانتفاع من الحسابات المعقدة بين كل من تركيا وإيران بشأن مستقبل إقليم كردستان العراق”، وفقا للمصادر.
ويرى البارزاني أن “تركيا لن تجازف بعلاقاتها المتينة مع كردستان على مستوى التعاون في ملف حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية، فضلا عن التبادل التجاري الضخم بين الجانبين”، في حين “تتخوف إيران من أن يؤدي ضغطها المستمر على الإقليم الكردي إلى دفعه نحو تركيا أكثر”.
ووفقا لمراقبين، فإن “حسابات البارزاني الدولية، بشأن ردود الأفعال المتوقعة على الاستفتاء، هي التي تفسر أسباب تعاطيه الهادئ مع الضغوط التي تحيط به”.
وحتى الآن، تبدو حسابات البارزاني في محلها، إذ مرت “صدمة الاستفتاء من غير ردة فعل كبيرة”، على حد وصف قيادي في ائتلاف القوى السنية في بغداد.
ويقول القيادي لـ”العرب”، إن “البارزاني استوعب الموجة الأولى من ردود الأفعال على الاستفتاء بثبات، وما زال هادئا”.
وأضاف أن “تلكؤ المعترضين على الانفصال الكردي في بلورة موقف موحد أو اتخاذ إجراءات واضحة سهّل الأمر على البارزاني”، مشيرا إلى أن “مرور الأيام، من دون أفعال كبيرة ضد كردستان، سيجعل أيّ إجراءات تأتي لاحقا، بلا أثر كبير”.
ومضى يقول إن “البارزاني، يبادر الآن إلى شرح وجهة نظره المتعلقة بحق الكرد في تقرير مصيرهم إلى معظم السفراء الأجانب في العراق، وهو ما يمكن أن يحوّل نتائج الاستفتاء الكردي إلى واقع حال لا يمكن لأحد أن يتجاوزه”.
ومع هذا، يقول القيادي السياسي العربي السني، إن “إفراط الكرد في التفاؤل ربما يؤذيهم، فما زالت الكثير من أوراق اللعب بيد حيدر العبادي”.
ويتابع، “حتى الآن، لم يلعب العبادي سوى ورقة المطارات الكردية التي منع عنها الرحلات الدولية، وما زالت لديه أوراق المنافذ الحدودية وتصدير النفط والتعاملات المالية بين بغداد وكردستان، وهي ملفات تؤذي كردستان بشدة على المستوى الاقتصادي، فيما لو قرر العبادي تفعيلها”.
لكنه يشكك في أن يكون رئيس الوزراء العراقي “يريد تدمير كردستان، فالبارزاني في النهاية هو أحد الحلفاء السياسيين المحتملين للعبادي في مواجهة الأحزاب السياسية الشيعية العراقية التي تدعمها إيران”.
العرب اللندنية