دمشق – اعتبرت أوساط سياسية إسرائيلية أن زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إلى تل أبيب والاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يأتي في سياق اقتراب الأزمة السورية من خواتيمها، وهناك بالتأكيد حرص لدى موسكو على تقديم ترضيات أو بالأحرى تطمينات للجانب الإسرائيلي من أن أي حل مستقبلي لهذا البلد لن يكون على حساب أمنها القومي.
وكان بوتين قد تحادث الأربعاء مع نتنياهو خلال اتصال هاتفي حول جملة من الملفات وعلى رأسها سوريا وإيران والوضع في كردستان العراق، بحسب ما أعلنه الكرملين.
وجاء الاتصال عقب زيارة بدأها وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو الأحد إلى إسرائيل والتقى خلالها نظيره الإسرائيلي إفيغدور ليبرمان، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تركزت بالأساس على المشهد السوري والعلاقات الثنائية.
وأكد نتنياهو عقب لقائه بشويغو أن بلاده لن تسمح بأي تموضع عسكري إيراني في سوريا. وأوضح أن إسرائيل لن تتدخل في الشأن السوري لكنها لن تسمح بأن تحول إيران وحزب الله الأراضي السورية إلى جبهة متقدمة ضد إسرائيل، كما لن تسمح بنقل سلاح متطور من إيران عبر سوريا إلى لبنان.
وهذه أول زيارة لوزير دفاع روسي إلى إسرائيل منذ سنوات، وجاءت في خضم تطورات متسارعة خاصة على الصعيد الميداني في سوريا، الذي ترقبه تل أبيب بقلق شديد لجهة تنامي حضور إيران وحزب الله اللبناني الذي تصنفه العدو رقم واحد بالنسبة لها.
وترشح معطيات على أن شويغو استجاب جزئيا لمطالب إسرائيلية لطالما ضغطت تل أبيب على موسكو للقبول بها ومن بينها توسيع الحزام الأمني على طول الحدود بينها وسوريا ليبلغ 15 كلم بعد أن كان 5 كلم فقط.
ويعود الحرص الروسي على طمأنة الطرف الإسرائيلي إلى خشيتها من أن تعرقل تل أبيب حصول خرق في الأزمة السورية، بالنظر لتأثيرها القوى على الإدارة الأميركية الحالية، وأيضا لامتلاكها أوراقا عسكرية قد تعتمدها في إطالة أمد الصراع الذي ناهز السبع سنوات في هذا البلد.
وسبق وصول شويغو بساعات قيام طائرات إسرائيلية بقصف بطارية مضادة للطائرات قرب دمشق، الأمر الذي ألقى بظلاله على لقاءات المسؤول الروسي الكبير، إلا أن ذلك لم يمنع من إجراء محادثات بناءة، وفق مع أكدته وسائل إعلام إسرائيلية.
وتقول أوساط سياسية إسرائيلية إن وزير الدفاع الروسي أبدى تفهمه للمخاوف الإسرائيلية، لجهة الوجود الإيراني، وإن بلاده ملتزمة بأن لا يكون لطهران أو لحزب الله اللبناني أي وجود في الجنوب السوري وإن المنطقة الآمنة التي تم الاتفاق بشأنها مع الولايات المتحدة في جنوب غرب البلاد من شأنها أن تشكل ضمانة فعلية للحيلولة دون ذلك.
وتعتبر إيران طرفا رئيسيا في المشهد السوري، حيث يوجد اليوم المئات من عناصر الحرس الثوري فضلا عن ميليشيات عراقية وأفغانية ولبنانية سخرتها لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، وأيضا لتكريس موطئ قدم ثابت يخدم مشروع توسعها في المنطقة.
منذر اقبيق: ضرورة العمل مع موسكو من أجل إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا
ولطالما حاولت إسرائيل إقناع الجانب الروسي الذي يعد “حليفا” لإيران في سوريا بضرورة أخذ مخاوفها بعين الاعتبار، حتى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قام بزيارة روسيا عدة مرات في العامين الأخيرين لهذا الغرض، وكانت آخر زيارة عاصفة حيث صدم نتنياهو بموقف روسي متشدد لجهة مطالبها التي وصفت بغير المنطقية.
ويرى خبراء إسرائيليون أن عودة الاهتمام الروسي بالمطالب الإسرائيلية لا تقتصر فقط على مخاوف من أن تعمل تل أبيب على وضع جملة من المعيقات تطيل أمد الصراع الذي بات في مراحله الأخيرة، بل أيضا لوجود هواجس لديها هي الأخرى من الحضور الإيراني الطاغي في سوريا.
ويقول هؤلاء صحيح أن هناك اليوم تحالف روسي إيراني في هذا البلد العربي بيد أنه مع انقشاع الغبار عن الصراع الدائر هناك، سيتكشف واقع تضارب المصالح بين الطرفين.
فروسيا بالتأكيد تريد أن تستأثر بالحصة الأكبر من سوريا، بالنظر لما قدمته على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، بالمقابل ستجد إيران تطالب بذات الحصة، وهذا ما سيخلق حالة من التنافس بينهما على الأرض السورية.
ويقول خبراء إن روسيا تخشى من أن تكرر خطأ الولايات المتحدة في العراق، فواشنطن وبعد احتلالها لهذا البلد في العام 2003 لم تستطع أن تكون اللاعب الرئيسي فيه، بسبب ارتكابها لأخطاء استراتيجية مكنت الإيرانيين من السيطرة السياسية والعسكرية عليه.
وواصلت واشنطن السقوط في ذات الأخطاء بإبقائها على موقفها الضبابي من استفتاء إقليم كردستان، وهذا الواقع جعل طهران تسجل نقاط جديدة بتمكنها من إعادة الوضع في إقليم كردستان إلى ما قبل 2014 بعد استعادة القوات العراقية والحشد الشعبي المدعوم إيرانيا لكركوك النفطية، وهي تخطو بثبات نحو إعادة الإقليم الكردي إلى ما قبل اتفاق أربيل والسليمانية في العام 2000، فيما تجد إدارة دونالد ترامب نفسها عاجزة عن فعل شيء.
ويرى مراقبون أن العقيدة الإيرانية قائمة أساسا على الاستئثار وهذا ما تدركه روسيا التي تجد نفسها اليوم في حاجة إلى حضور إيراني في سوريا وفي الآن ذاته لا تريد أن يكون بالقوة التي تجعله الطرف الأقوى على الأرض في هذا البلد.
ويترجم هذا التوجه الروسي تغافل موسكو عن الضربات الإسرائيلية في سوريا التي تركزت بالأساس على قوافل لحزب الله، وأيضا توسيع مروحة الأطراف المشاركة لتسوية الأزمة السورية وليس أدل على ذلك من تشريك مصر في إقامة مناطق خفض تصعيد في جنوب دمشق، وأيضا بدعوتها القاهرة إلى المشاركة في جولة أستانة المقبلة.
واستبعد المعارض السوري منذر أقبيق في تصريحات لـ”العرب” انقلاب روسيا على إيران حاليا، بيد أنه أكد ضرورة العمل مع موسكو على المديين المتوسط والطويل من أجل إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا.
ويبدو أن إيران تدرك هذه النوازع الروسية، وهذا ما يترجم مسارعة رئيس أركان الجيش الإيراني في الذهاب إلى دمشق الأربعاء بالتوازي مع الانفتاح الروسي اللافت على إسرائيل.
وخلال لقاء صحافي عقده مع نظيره السوري حذر رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد باقري إسرائيل من مغبة انتهاك المجال الجوي السوري والأراضي السورية.
وقالت وسائل إعلام رسمية إيرانية وسورية إن باقري تعهد بتعزيز التعاون مع الجيش السوري في مواجهة إسرائيل والمعارضة المسلحة.
وقال باقري “ليس مقبولا أن ينتهك النظام الصهيوني الأراضي والمجال الجوي السوري في أي وقت يشاء”. وأضاف “نحن في دمشق لنؤكد ونتعاون لمواجهة أعدائنا المشتركين، الصهاينة والإرهابيين”، في إشارة إلى إسرائيل والمتشددين السنة في سوريا ومنهم تنظيم الدولة الإسلامية.
ونقلت وسائل إعلام رسمية سورية عن رئيس أركان الجيش الإيراني قوله “رسمنا الخطوط العريضة لهذا التعاون”، ولسان حاله يقول لن “نقيم أي وزن لما قد يتم الاتفاق فيه بين إسرائيل وروسيا”
العرب اللندنية