صنعاء – كشفت مقابلة تلفزيونية قصيرة أجراها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عمق الأزمة التي يعاني منها الرجل الذي لمّح للمرّة الأولى إلى رغبته في مغادرة صنعاء.
وتحدّث الرئيس السابق عن أنّه “يدرس دعوة” لحضور ندوة وجهها إليه أحد المعاهد الروسية للمشاركة في طاولة مستديرة هدفها “مناقشة محطتين؛ الأولى الإرهاب والثانية كيفية خروج اليمن من الأزمة ومن الحرب الدائرة” على أرضه. لكن صالح سارع في المقابلة نفسها إلى مناقضة نفسه بقوله إنّه رفض في الماضي دعوات إلى الخروج من اليمن من أجل تلقي العلاج.
وقالت مصادر تعرف تماما ماذا يدور في صنعاء وحال الحصار التي يتعرّض لها الرئيس السابق منذ الرابع والعشرين من أغسطس الماضي، إنّ ما قاله في المقابلة “جس نبض للحوثيين” ومحاولة منه لمعرفة ردّ الفعل على إمكان السماح له بالسفر.
وأوضحت أن صالح يتعرّض حاليا لضغوط ومضايقات من الحوثيين جعلته يفكّر جديا في إيجاد طريقة لمغادرة اليمن حرصا منه على حياته وحياة أفراد أسرته.
وكان صالح استغلّ الجراحة التي أجريت له في عينه اليسرى على يد فريق طبي روسي كي يطمئن اليمنيين إلى وضعه الصحّي. وكشف في المقابلة التي بثّتها قناة “اليمن اليوم” التابعة له، الثلاثاء الماضي، أنّ الفريق الطبي الروسي جاء إلى صنعاء في طائرة خاصة عن طريق الأردن.
وأشار إلى جهود استمرّت سنة كاملة بذلتها القيادة الروسية والأمم المتّحدة من أجل تمكين الفريق الطبّي الروسي من الهبوط في مطار صنعاء. ولوحظ أنّ الرئيس اليمني السابق حرص مرّات عدة على توجيه الشكر إلى القيادة الروسية وذلك أملا في أن تتدخل لتمكينه من مغادرة صنعاء.
ولاحظت مصادر يمنية أيضا أنّ صالح تفادى أيّ انتقاد للحوثيين في سياق المقابلة وذلك على الرغم من الأزمة التي تمرّ بها علاقته بهم.
وقالت إنّ هدفه في المدى القريب منع الحوثيين من الانتقام منه بعد استنفادهم للغرض الذي تحالفوا معه من أجله، خصوصا في مرحلة ما بعد استيلائهم على صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014.
وظهرت النيّات الحقيقية لـ”أنصار الله” تجاه علي عبدالله صالح عندما دعا في أغسطس الماضي إلى مهرجان كبير بمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيس حزب “المؤتمر الشعبي العام” الذي يتزعمّه.
ولبّت جماهير غفيرة من صنعاء ومحيطها نداء علي عبدالله صالح وقتذاك وتوجّهت إلى ميدان السبعين في العاصمة اليمنية للمشاركة في المهرجان.
لكن الحوثيين منعوا الرئيس اليمني السابق، تحت التهديد، من إلقاء الكلمة التي كان من المفترض أن يلقيها في المناسبة. ورضخ علي عبدالله صالح لطلبهم بأن يلقي كلمة قصيرة أعطوا موافقتهم المسبقة على فحواها. ولمّا انفض المهرجان، سارعوا إلى إقامة حواجز في داخل الحيّ الذي يقيم فيه وذلك كي يؤّكدوا له أنّهم يسيطرون تماما على صنعاء وأنّ لا مجال لأي تقاسم للسلطة بينه وبينهم.
وأشار سياسي يمني إلى أن نقطة التحوّل في العلاقة بين علي عبدالله صالح والحوثيين، كانت في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي. وقال إنّ ما جعله يفكّر جدّيا في كيفية مغادرة صنعاء، للمرّة الأولى منذ عودته إليها في سبتمبر 2011، المضايقات اليومية التي يتعرّض لها مع أفراد أسرته وشعوره بأنّ حياته باتت مهددة.
فارس البيل: صالح لم يعد في فسحة من أمره فالحوثي يفرض عليه إقامة جبرية
وكان الرئيس السابق عاد إلى صنعاء بعد رحلة علاج إلى السعودية من جروح أصيب بها في محاولة اغتيال تعرّض لها في الثالث من يونيو من تلك السنة.
ومارس خلال وجوده في صنعاء سلطاته كرئيس للجمهورية قبل أن يسلّم السلطة إلى نائبه عبدربّه منصور هادي في فبراير 2012 بموجب المبادرة الخليجية التي قبل بها. وتنص تلك المبادرة على أن يكون هادي “رئيسا انتقاليا” لمدة سنتين تجرى خلالها انتخابات جديدة في اليمن.
وأشار المحلل السياسي اليمني فارس البيل إلى أن صالح بدا خلال المقابلة التلفزيونية متجاهلا منعه من السفر بقرار أممي، وحاول أن يظهر كصاحب القرار في مسألة الخروج ولو بشكل مشاركة في ندوة أو ورشة مصغرة بروسيا.
وأشار البيل في تصريح لـ”العرب” إلى أن هناك حديثا عن تفاهمات عديدة تحاول حلحلة الملف اليمني وعلى رأس تلك التفاهمات الإقرار بانتهاء دور صالح في ظل اعتقاد دولي بأن الكثير من الاقتراحات لن تمر إلا عبر إخراج الرئيس السابق من اليمن.
واعتبر البيل أن هذا الخيار هو ما يفسر موقف التحالف العربي بقيادة السعودية الذي كشف عن سماحه للوفد الطبي الروسي بالدخول إلى صنعاء وعلاج صالح، بل والمشاركة في إنقاذه، مما يعني أن هناك رسائل عديدة لصالح ولأطراف أخرى حتى وإن حاول صالح كعادته الظهور في تصريحه بعد شفائه نافيا أي دور للسعودية في إنقاذه.
ولفت إلى أن الحديث عن خروج صالح قديم متجدد وكثيرا ما يصطدم بألاعيبه ومراوغته وإصراره على اللعب بأوراق عديدة، مضيفا أنه “لم يعد في فسحة من أمره فالحوثي يفرض عليه إقامة جبرية وربما تكون المغادرة إلى روسيا للتداوي الفرصة لخروج صالح وانكفائه”.
ويعتقد متابعون للشأن اليمني أن خروج صالح سينقذه من وضع الإقامة الجبرية، ويفتح الطريق أمام أنصاره ليتحرروا من تحالف الضرورة مع الحوثيين، وهو تحالف أضر بهم وخدم أنصار الله، لافتين إلى أن خروجه يسهّل، أيضا، على التحالف العربي الضغط على الحوثيين سياسيا وعسكريا، ما سيجبرهم على تقديم تنازلات مؤلمة لأن شراكتهم مع صالح كانت تعيق الحسم العسكري لأن الرئيس السابق له وزن سياسي وعسكري.
وفي تأكيد لما كشفت عنه “العرب” سابقا من تعهد صالح للوسطاء الروس والأميركيين بالعمل على فض الشراكة مع الحوثيين في مقابل سماح التحالف بوصول طاقم طبي روسي إلى صنعاء لإجراء عملية طارئة له، بعث عارف الزوكا أمين عام حزب المؤتمر، جناح صالح، الأربعاء برسالة شديدة اللهجة لرئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد. وحملت الرسالة تهديدا غير مسبوق بإنهاء الشراكة مع الحوثيين.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” عن حراك سياسي مكثف لبلورة رؤية جديدة تتعلق بالملف اليمني في ضوء التحولات الميدانية والسياسية التي طرأت في الآونة الأخيرة، وحديث المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن مقترحات جديدة للتسوية في اليمن ستطرح على الفرقاء في مؤتمر سلام جديد قد يعقد في جنيف.
كما سربت مصادر إعلامية دخول كل من لندن وموسكو على خط الأزمة اليمنية بشكل غير مسبوق في سبيل الضغط على جميع الأطراف.
العرب اللندنية