بغداد – تتزايد الأسئلة في العراق بشأن دور الحشد الشعبي في مرحلة ما بعد تنظيم داعش الذي وصلت حرب الجبهات ضدّه عمليا إلى نهايتها، بحصار القوات العراقية لآخر معقل له في البلد؛ قضاء راوة بمحافظة الأنبار، فيما ستكون مهمّة مطاردة فلوله وتفكيك خلاياه النائمة موكولة للقوات الأمنية ما يعني انتفاء الحاجة لوجود القوّة الرديفة المتمثّلة بالحشد المكوّن من العشرات من الميليشيات الشيعية والتي تشكّل جيشا قوامه أكثر من 120 ألف مقاتل.
وعلى صعيد عملي تبدو مطالب حلّ الحشد “طوباوية” إلى أبعد حدّ في ظل ما يحظى به من مساندة كبيرة من قبل أكثر السياسيين العراقيين قوّة ونفوذا، بينما يلوح دمج عناصره ضمن القوّات النظامية حلاّ ترقيعيا سطحيا من شأنه أن يحوّل تلك القوّات إلى جيش طائفي، حيث من المتوقّع أن تذوب قوات الجيش والشرطة في الحشد بدل أن يحدث العكس.
وتزداد قضية الحشد تعقيدا بالنظر إلى دوره المحتمل في الحياة السياسية، خصوصا وأنّ البلد مقدم على انتخابات تشريعية من المنتظر أن تجرى في مايو القادم، لتكون بمثابة انطلاق فعلي لمرحلة ما بعد الحرب على داعش في العراق، والتي يؤمل أن تكون مختلفة عن المرحلة التي سبقت تلك الحرب وأدّت إليها لجهة ارتفاع منسوب الطائفية وانعدام الشراكة الفعلية في قيادة البلد وهيمنة المكوّن الشيعي على مقاليد السلطة ومفاصلها الهامّة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات ترتفع الأصوات مطالبة بإشراك الحشد فيها كقوة سياسية، وهو ما يرفضه الكثير من السياسيين من مختلف المشارب والاتجاهات، نظرا لأن تلك المشاركة ستكون مؤثرة على النتائج وستكرّس فوز صقور الأحزاب الشيعية الأكثر طائفية والأشدّ موالاة لإيران من أمثال زعيم حزب الدعوة الإسلامية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على حساب من يوصفون بالاعتدال ومن ضمنهم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
ولا يخلو الخطاب السياسي للعبادي من تلميحات تكشف توجّسه من الدور السياسي للحشد ورفضه لذلك الدور، وهو توجّس يشاركه فيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يلمس فرصة في الانتخابات القادمة للحصول على دور سياسي يرى أنّه من حقّه ولكنّه حرم منه طيلة الـ14 سنة الماضية.
وخلاله زيارته الأخيرة لمدينة كربلاء المقدّسة لدى الشيعة بمناسبة إحياء أربعينية الإمام الحسين بن على، أثار العبادي موضوع دور الحشد في الانتخابات قائلا في مؤتمر صحافي إنّه “لا يجوز استخدام الحشد والأجهزة الأمنية والعسكرية في الانتخابات”، مشددّا على أنّ “رجال الحشد والجيش والشرطة قاتلوا ليس من أجل هدف سياسي أو حزب ليفوز بالانتخابات، إنّما من أجل وطنهم”.
وما ضاعف من قلق الأطراف الواقفة خلف الحشد والساعية لاستخدامه كورقة انتخابية أن العبادي التقى في كربلاء بالصدر وفتح معه موضوع “دور الحشد الشعبي وعراق ما بعد داعش”، بحسب تصريحات صحافية لناطق باسم التحالف الشيعي الحاكم قال فيها إنّ اجتماع الرجلين لم يفض إلى اتفاق معين بينهما ولم يصبّ في مصلحة سياسية معينة.
لكنّ التوجّس من اللقاء كان أوضح في كلام النائب فالح الخزعلي والعضو في ميليشيا “كتائب سيد الشهداء” الذي طالب في معرض حديثه عن رئيس الوزراء “بالكف عن التضليل الإعلامي والتخويف من الحشد”، معتبرا “أنّ كلام العبادي عن الحشد والانتخابات والفضائيين يذكر بالخمسين ألف فضائي في وزارة الدفاع الذين تكلّم عنهم”، في إشارة إلى عشرات الآلاف من الأفراد الذين يتقاضون رواتب باعتبارهم جنودا في القوات المسلّحة دون أن تكون لهم أي خدمة فعلية ضمنها، وهي قضية سبق للعبادي أن أثارها دون أن يقدر على معاقبة المتسببين فيها نظرا لكونهم من كبار أصحاب النفوذ
العرب اللندنية