لندن – عكس “الفيتو” الروسي الأخير في مجلس الأمن الذي استهدف تعطيل صدور قرار في شأن منع استخدام السلاح الكيميائي في سوريا وملاحقة مستخدميه تدهورا في العلاقات بين موسكو وواشنطن بما يذكر بأيّام الحرب الباردة.
وقال مصدر دبلوماسي غربي إن “الفيتو” الروسي ترافق مع مجموعة من التطورات التي شهدتها سوريا وتصبّ كلّها في خانة التصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة والمزيد من التقارب بين روسيا وإيران من جهة أخرى.
وعكس هذا التقارب إعلان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل أيّام أن اتفاقات خفض التوتر والتصعيد في مناطق سورية لا تعني خروج القوات والميليشيات التابعة لإيران من هذه المناطق. كذلك، تحدّث لافروف عن “شرعية” الوجود العسكري الإيراني في سوريا، مشيرا إلى أن هذا الوجود يأتي بناء على دعوة من “حكومة شرعية”.
وشهدت منطقة الجنوب السوري تصعيدا خطيرا في الأيّام القليلة الماضية، إضافة إلى “الفيتو” الروسي، الذي “يسمح” للنظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي، على حد تعبير المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي.
وتمثّل هذا التصعيد في شنّ سلاح الجو التابع للنظام السوري المدعوم روسيا سلسلة من الغارات على الغوطة الشرقية التي تشملها اتفاقات خفض التوتر.
وفسر المصدر الدبلوماسي الغربي، الذي يتابع الأحداث السورية عن كثب، تصعيد النظام في اتجاه الغوطة الشرقية بأنّه ضوء أخضر روسي من أجل زيادة الضغط على قوى المعارضة في تلك المنطقة المحاصرة منذ أربع سنوات والتي يقطن فيها نحو أربعمئة ألف شخص.
وأشار المصدر إلى أنّه سبق التصعيد في الغوطة تطوّر في غاية الخطورة عند نقطة البوكمال على الحدود السورية – العراقية. وقال إنّه بعد طرد الأميركيين، من الجوّ، وحلفائهم، على الأرض، “داعش” من تلك النقطة الحدودية، سارعت قوات تابعة للنظام مدعومة من “الحرس الثوري” وميليشيات تابعة لإيران إلى الاستيلاء على البوكمال.
وأوضح أنّ اتفاقا واضحا كان حصل بين الروس والأميركيين على “ضمان” موسكو لعدم حدوث ذلك وتحييد البوكمال. وكان ردّ الفعل الأميركي في اليوم التالي إعادة إحياء داعش في تلك المنطقة وإعادته إلى البوكمال.
وذكر المصدر أن أكثر ما استفزّ الأميركيين من تقدّم قوات تابعة للنظام السوري والحرس الثوري الإيراني وحزب الله إلى البوكمال ملاقاة الحشد الشعبي لهذه القوات من الناحية العراقية من الحدود.
نيكي هايلي: الفيتو الروسي يسمح لسوريا باستخدام السلاح الكيميائي
وكشف أن الأميركيين والروس كانوا متفقين على منع إيران من السيطرة على نقطة البوكمال الحدودية التي تسمح لها بفتح خط برّي مباشر يربط طهران ببيروت عبر الأراضي العراقية والسورية.
وكانت بوادر التوتر بين الأميركيين والروس ظهرت على هامش قمة داننغ في فيتنام الأسبوع الماضي، إذ لم يحصل لقاء بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس فلاديمير بوتين اللذين اكتفيا بمصافحة.
وتمثلت مفاجأة القمّة في صدور بيان مشترك أميركي – روسي في شأن سوريا ركّز على البحث عن حل سياسي وتوسيع مناطق خفض التوتر. لكنّ هذا البيان بقي حبرا على ورق بعدما تجاوزته الأحداث على الأرض في وقت تطرح أوساط أميركية تساؤلات في شأن الأسباب التي دفعت موسكو إلى رفض أي تنسيق مع الأميركيين والعودة عن تفاهمات كانت توصلت معهم في الماضي.
وأشار المصدر نفسه إلى أنّ التطورات على الأرض السورية جعلت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتخذ بدوره موقفا حذرا من الجانب الروسي.
ووجه نتنياهو خطابا بالصوت والصورة إلى مؤتمر يهودي انعقد في لوس أنجلس أكد فيه أن إسرائيل “لن توفّر أي عمل من أجل وقف إيران في سوريا، حتّى لو كان ذلك يعني خوضها حربا بمفردها”.
ولفت نتنياهو إلى أنّ إيران تنوي إقامة قاعدة عسكرية في الأراضي السورية وأن هدفها “القضاء على إسرائيل”.
ويعتقد متابعون للشأن السوري أن روسيا وإيران تسعيان لجذب تركيا إلى جانبهما لتسهيل خطتهما في سوريا، وهذا ما يفسر استدعاء بوتين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى منتجع سوتشي منذ أيام، والقمة التي أعلن الكرملين أنها ستجمع موسكو بأنقرة وطهران في 22 نوفمبر الجاري للتباحث “بشأن الدول الضامنة لعملية السلام السورية والأجندة في سوريا”.
وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الجمعة، إن لقاء زعماء روسيا وتركيا وإيران في سوتشي سيتناول مجمل القضايا الخاصة بالتسوية السورية.
وأضاف بيسكوف أن القمة الثلاثية، التي تعقد في منتجع سوتشي الروسي، ستتناول كافة القضايا السورية.
وتابع أن موعد مؤتمر الحوار الوطني السوري لم يحدد بعد، في إشارة إلى مؤتمر الشعوب السوري التي تحشد موسكو لأجل إنجاحه وفق المقاربة الروسية للحل في سوريا.
ويشير المتابعون إلى أن روسيا، التي تحرص على أن تفرض حلا سياسيا بمواصفاتها، تعرف أن اتفاقا ثنائيا مع إيران دون الأخذ بالاعتبار مصالح دول إقليمية أخرى سيجلب متاعب إضافية في سوريا، وهو ما يفسر دعم موسكو للقاء الذي ستحتضنه الرياض يوم 22 نوفمبر الجاري لمختلف منصات المعارضة السورية، وهو لقاء فوضت فيه روسيا للسعودية مهمة توحيد المعارضة للمشاركة في هذا المؤتمر على أرضية مشتركة وبوفد جماعي موحد.
العرب اللندنية