دمشق – لم تتخل روسيا عن فكرة إقامة مؤتمر للحوار الوطني السوري كبديل عن جنيف، بل العكس تماما حيث أن الجولة التي قام بها أخيرا الرئيس فلاديمير بوتين إلى المنطقة والتي قادته إلى سوريا ومصر وتركيا كان من بين أهدافها تهيئة الأجواء لهذا المؤتمر الذي تأمل في عقده مطلع العام المقبل في مدينة سوتشي الساحلية، لما لذلك من رمزية كبيرة بالنسبة إلى موسكو.
وترى روسيا التي أعلن جيشها الثلاثاء عن بدء سحب جزء من قواته المتمركزة في سوريا، أن التركيز في الفترة المقبلة سينصب على عملية السلام، بما يتوافق والنتائج المحققة على الأرض والتي تصب في صالحها وحلفائها.
ويلاقي عقد حوار سوري في سوتشي الروسية تحفظات من القوى الغربية التي تعتبر أن ذلك سيعني إقرارا بـ”انتصار” روسيا في الحرب السورية، ولكن سعي موسكو إلى إفشال منصة جنيف قد يجعل خيارات المتحفظين محدودة، فإما الإبقاء على الوضع الراهن بانتظار أن تتهيأ الأجواء لقلب المعادلة مجددا، وهذا طبعا غير مضمون، وإما أنهم سيسعون إلى الضغط على المعارضة لتقديم تنازلات ومنها بشأن مستقبل الرئيس بشار الأسد الذي يبدو أن هناك قناعة عامة بأن مسألة تنحيه عن السلطة عند انطلاق المرحلة الانتقالية صعب جدا، على ضوء التطورات الميدانية.
ولا تبدي روسيا أي اهتمام بالجولة الثامنة من جنيف، وهذا يترجم في غضها الطرف عن سلوك وفد النظام في المباحثات الجارية، حيث أن تلكؤه في المشاركة فضلا عن تعنته في رفض أي مفاوضات مباشرة مع المعارضة كل ذلك يصب في واقع الأمر في إطار رغبة في إفشال أي خرق يمكن أن يحصل في المدينة السويسرية.
ويقول محللون إن القوى الغربية، تعي هذا المسعى من موسكو ودمشق، وهي ترى أن تبني خيار الضغط على المعارضة لتقديم تنازلات قد يبقي على جنيف المنصة الأساس لتسوية النزاع السوري.
ونقلت صحيفة “نيويوركر” الأميركية، الثلاثاء، عن مصادر أميركية وأوروبية وصفتها بأنها “مسؤولة”، أن الرئيس دونالد ترامب لا يمانع في بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سوريا حتى العام 2021.
وتتناقض موافقة ترامب على بقاء الرئيس السوري في حال صحّت، مع تصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي جدد الثلاثاء التأكيد على أنه لا مكان لبقاء الأسد في مستقبل سوريا.
وهناك مؤشرات عديدة تؤكد أن وفد المعارضة السورية الموجود في جنيف يواجه ضغوطا كبيرة من القوى الغربية المؤثرة في ما يتعلق بمصير الأسد، وكذلك بالنسبة إلى هيئة الحكم الانتقالية التي تريد المعارضة أن تكون لديها صلاحيات مطلقة.
أحمد رمضان: وفد النظام يرفض الدخول في مفاوضات مباشرة مع المعارضة
وكشفت مصادر وصفت بـ”الموثوقة” الثلاثاء لوكالة “الأناضول” التركية أن الاجتماع الأخير الذي عقد الاثنين بين وفد المعارضة والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في إطار الجولة الثامنة من جنيف كان عاصفا.
وبحسب تلك المصادر، فإن المبعوث الدولي اعتبر أن المعارضة “فقدت دعمها الدولي”، وأنها إذا شاركت في مؤتمر سوتشي المقبل، دون تحقيق تقدم في سلة الدستور في اجتماعات جنيف الحالية، فإنها “ستتلاشى وتضيع هناك”، وسيكون سوتشي بديلا لجنيف.
ولفتت المصادر ذاتها أن دي ميستورا قال إن “المعارضة تحلل القرار الدولي 2254، وبيان جنيف1 (2012) بشكل خاطئ، وتدلي بتصريحات ترفع من سقفها دون أساس واقعي”.
وأعلن القرار الأممي 2254 عن مدة زمنية للانتقال السياسي في سوريا تصل إلى 6 أشهر يشكل فيها حكم انتقالي ويتم إقرار دستور جديد وإجراء الانتخابات، ويتقاطع القرار مع بيان مؤتمر جنيف 1 الذي أكد على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.
وتقرأ المعارضة السورية هذا القرار من زاوية أنه يعني بدء المرحلة الانتقالية بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات لا يكون لبشار الأسد أي دور فيها، فيما لم ينص بيان جنيف 1 على أي شيء متعلق بمصير الأسد.
دي ميستورا أيضا – بحسب المصادر واسعة الاطلاع – طالب المعارضة الخوض بشكل جدي في مباحثات السلة الثانية، المتعلقة بالدستور، لتحقيق تقدم قبيل الذهاب إلى مؤتمر “الحوار السوري”، في سوتشي.
وتتلاقى تصريحات دي ميستورا، مع تصريحات رئيس وفد النظام في جنيف8، بشار الجعفري، الذي قال في الأول من ديسمبر الجاري، إن النظام “لن يدخل في مباحثات مباشرة مع المعارضة السورية”، طالما أن بيان مؤتمر الرياض2 الأخير للمعارضة السورية، “مازال قائما”، باعتبار أن البيان طالب برحيل نظام بشار الأسد.
ويحاول وفد المعارضة على ما يبدو تخفيف الضغوط المسلطة عليه، برمي الكرة في ملعب وفد النظام، الذي لا يبدي أي استجابة بل على العكس فهو حريص على عدم السماح بتحقيق أي خرق في جنيف لصالح سوتشي.
وأعلن أحمد رمضان، أحد متحدثي وفد المعارضة، الثلاثاء، أن وفد النظام رفض الدخول في مفاوضات مباشرة مع المعارضة وأنه وضع شروطا مسبقة للمفاوضات.
وأشار رمضان إلى أن وفد النظام “عمد إلى وضع شروط مسبقة، من خلال الحديث عن رفض التطرق إلى مصير بشار (الأسد)، وبالتالي مصير النظام، ورفض أيضا مسألة بيان الرياض2 (صدر الشهر الماضي)”، معتبرا أنها “حجج لإعاقة الدخول في المفاوضات”.
وتابع أن وفد النظام “رفض أيضا الإجابة على النقاط الـ12 المطروحة عليه من قبل المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا، كما رفض الدخول في مناقشة السلال الأربع (الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات، ومكافحة الإرهاب)، وبالتالي كان موقفه الرفض المطلق للعملية السياسية تقريبا”.
وبناء على موقف النظام، أكدت المعارضة، بحسب رمضان، في لقائها، الاثنين مع دي ميستورا، أنه “لا يمكن المضي إلى ما لا نهاية في محادثات ثنائية، دون الدخول في المفاوضات المباشرة، ودون الحديث عن عملية الانتقال السياسي بين طرفنا والوفد المقابل”.
وأردف “وبالتالي فإن المطلوب من دي ميستورا هو تحديد الخيارات والسيناريوهات المستقبلية”. وسبق وأن هدد المبعوث الأممي بكشف الطرف المعرقل لعملية جنيف.
العرب اللندنية