شاهد الجميع في تونس مغنّي الراب الأشهر كافون وهو يتحدث بندم عن استسلامه لاستهلاك مخدر الزطلة (القنب الهندي) الذي عكّر حالته الصحية وتسبّب في قطع جزء من ساقه.
ونصح صاحب الأغنيات التي تحتفل بالزطلة وتروّج لها على غرار “مزاطيل” و”حوماني” الشباب بالتعلم من تجربته. والأكيد أن نصيحته ليس لها نفس تأثير أغانيه التي يرددها الشباب بفهم أو دونه.
ولا تعتبر أغاني كافون استثناء، فمعظم أغاني الراب التي يكون مصدرها الأحياء الشعبية تحتفي بـ”شيخة” الزطلة التي تعني لذة استهلاك مخدر القنب الهندي، وتشرح أسباب استهلاكها كالبطالة والفقر وتتطرق إلى كيفية انتشارها والمستفيد من ترويجها وتوجّه أحيانا اتهامات صريحة لرجال الشرطة أو الحكومة بصفة عامة المتغاضيين عن “الرؤوس الكبيرة” المروّجة.
وتصف هذه الأغاني، التي تحمل في طياتها عبارات مثل “جونتة” وتعني سيجارة الزطلة، و”اكمي اكمي” أي دخّنها، الأجواء الحميمية التي تصاحب جلسات تدخين الزطلة، مما يحفز الشباب غالبا على تجربة هذه “الشيخة” المغرية.
ويقول (م.ب) إنه إن أراد الحصول على مخدر الزطلة فهو يتوجه إلى الأحياء الشعبية للحصول على مبتغاه، هناك الكل وسطاء وبإمكانك الحصول على “جونتة” بـ5 دنانير (دولارين) لكن عليك أن تمنح مالا أو تشتري للوسيط سيجارة أيضا. كل الوسطاء يفرضون ذلك على التاجر لأنه دون ذلك سيخسرون قوت يومهم.
وغالبا ما تكون أجوبة الشباب من المستهلكين للحشيش عن سبب إدمانهم متشابهة “حبّيت نجرّب… حصلت”، أي أردت القيام بتجربة فوقعت في فخ الإدمان.
آفة المجتمعات
تعتبر مادة القنب الهندي، أو كما تعرف بـ”الزطلة” في تونس، أحد أهم المواضيع التي كانت ولا تزال تشغل الرأي العام التونسي في السنوات الأخيرة.
وتعتبر المخدرات هي الجريمة الثالثة في تونس بعد السرقة المجردة والسرقة الموصوفة بحسب التصنيف الأمني.
وسجلت وزارة الداخلية التونسية 4900 قضية مخدرات في تونس سنة 2016 منها 3186 قضية استهلاك و1641 قضية ترويج و73 قضية تهريب تورط فيها 8984 متهما بينهم 469 تلميذا.
وكشفت إدارة الطب المدرسي والجامعي التابعة لوزارة الصحة التونسية في بحث تجريبي أن 50 بالمئة من تلاميذ المؤسسات التربوية بتونس جربوا مادة مخدرة علاوة على التدخين والكحول.
وكان مجلس نواب الشعب (البرلمان) صادق في أبريل 2017 على مشروع قانون متعلق بالمخدرات يعتمد مفاهيم جديدة، قائمة على جملة من المبادئ أهمها الوقاية والعلاج في مكافحة تعاطي المخدرات.
كما يعتمد هذا القانون على مقاربة صحية واجتماعية إزاء مستهلكي المخدرات باعتبارهم مرضى يستحقون العلاج والإحاطة النفسية دون إعفائهم من التتبّعات الجزائية.
ويقول حبيب الراشدي، النقابي الأمني وكاتب عام جمعية “مراقب”، ما يسمّى بالزطلة عرف انتشارا مكثفا خاصة بعد الثورة، وعرفت تونس أيضا في هذه الفترة تضاعف دخول العديد من الأنواع الأخرى من المواد المخدرة على غرار “الكوكايين” والأقراص المخدرة مثل “الكبتاغون” و”الاكستازي” و”السوبيتاكس” و”الباركيزول” و”الـ إس دي”.
ولا تعتبر تونس استثناء في العالم العربي، فآفة المخدرات تهتك بالمجتمعات وتهددها.
ويفيد تقرير للهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث “فورام” (2015)، حول تقييم وضعية الأطفال في الجزائر لجهة تعاطيهم المخدرات، بأن 7.75 بالمئة من تلاميذ المرحلة المتوسطة و18.77 بالمئة من المرحلة الثانوية يتعاطون المخدرات.
وبالتزامن، كشف رئيس قسم طب العلاج النفسي للأطفال في مستشفى دريد حسين في العاصمة، طالب ولد محمود، عن تعاطي نحو 15 بالمئة من المراهقين المخدرات بمختلف أنواعها.
وفي إحدى الدراسات والأبحاث الحديثة المنشورة عام 2014 باليمن، أين ينتشر “القات” بكثافة، أظهرت أن نسب تعاطي وإدمان المخدرات الأخرى بين الأطفال تزيد 10 أضعاف عما يظنه الآباء في تقديراتهم.
وفي العراق يشكل الأطفال الأعمدة الرئيسية داخل عصابات تجارة المخدرات.
وأكدت دراسة للمجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان في مصر صادرة في يوليو 2015، أن ما يقرب من 2 بالمئة من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و19 عاما في مصر يتعاطون المخدرات باستمرار.
وفي دراسة لمكتب هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالجريمة والمخدرات منشورة عام 2013 حول وضع المدارس الحكومية الأردنية، كشفت عن نمو عدد الطلاب من الجنسين الذين يتعاطون الكحول والمخدرات.
وجاء تعاطي الحبوب المهدئة في المرتبة الأولى بين طلاب المدارس في الأردن.
كما يرتفع سقف الخطر من تعاطي طلاب المدارس الصغار أقصاه في المغرب، حيث تؤكد إحدى الدراسات أن 25 بالمئة من الطلاب يتعاطون المواد المخدرة التي يطلق عليها اسم “القوية”، وهو رقم مرتفع إذا ما تمت مقارنته بالنسبة الضئيلة لهؤلاء الأطفال قبل عقدين من الزمن فقط، والتي لم تكن تتجاوز 5 أو 6 بالمئة.
ويظل الأطفال في الخليج هدفا رئيسيا لمروجي المخدرات، حيث يقومون باستثمارهم لارتفاع مستوى الدخل، مما يجعلهم هدفا لضمان الاستدامة ورواج تلك التجارة.
وكشفت دراسة صدرت عام 2013، عن تورّط طلاب المرحلة الابتدائية بالدول الخليجية في تعاطي المخدرات، حيث بلغ تعاطي المخدرات بين طلاب المرحلة الابتدائية بدول الخليج 10 بالمئة فيما سجلت نسبة 24 بالمئة من التعاطي بالمرحلة المتوسطة و36.6 بالمئة في السنة الأولى الثانوية و20 بالمئة تعاطوا المخدرات بالسنة الثانية أو الثالثة وأن 5.8 بالمئة بدأوا بالتعاطي في الجامعة.
50 بالمئة من تلاميذ المدارس بتونس جربوا مادة مخدرة علاوة على التدخين والكحول
مشكلة معقدة
لا يوجد تعريف عام وجامع يتفق عليه العلماء المتخصصون، يوضح مفهوم المواد المخدرة ويفسرها بطريقة جلية، وإن كانت هناك مجموعة من التعريفات الاصطلاحية للمخدرات يعرّفها بعض الباحثين من خلال زاويتين مختلفتين إحداهما علمية، والأخرى قانونية.
ويؤكد التعريف العلمي أن المخدر هو مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم، أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم.
أما التعريف القانوني فيقول إن المخدرات هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وتسمّم الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص لهم بذلك.
وتؤكد دراسات أن مشكلة المخدرات من المشكلات المعقدة؛ فهي تتطلب المزيد من البحث والدراسة من مختلف جوانبها وتداخلاتها مع غيرها من مشكلات السلوك الأخرى، فجرائم المخدرات من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمعات الإنسانية، حيث تهدد أمنها واستقرارها، وتشكل عبئا ثقيلا ومتزايدا عليها، حيث تأتي المخدرات على رأس قائمة الشرور التي تقف أمام التنمية والتحديث.
وتتمثل خطورة المخدرات في أنها تعطل الإرادة الإنسانية، حيث يتحول الإنسان إلى عبد لعاداته الإدمانية، الأمر الذي يجعله يفقد عقله وإرادته، ويصبح مستعدا لأن يقدم أي شيء في سبيل الحصول على المخدر ولو على حساب كرامته، بالإضافة إلى ارتكاب السلوكيات الإجرامية أو المنحرفة.
كما تؤدي المخدرات إلى الانهيار الثقافي في أي مجتمع، حيث نجد أن التاجر والمدمن ينفصلان عن ثقافة المجتمع الذي يعيشان فيه بحيث يساعد ذلك في زيادة الشقاق بينهما وبين المجتمع، مما يدفعهما إلى الاندماج في ثقافة المخدرات.
وهناك قوى خارجية تحاول تسريب بعض المواد التي يؤدي تعاطيها إلى الإضرار بشرائح عديدة في المجتمعات، وقَتْل روح الفاعلية في المواطنين.
وتهدد المخدرات الأمن الداخلي، حيث تشيع حالة من الاسترخاء لدى شرائح عديدة في المجتمع، وخاصة الشرائح الفاعلة في إطاره كالشباب فتجعل قطاعات كبيرة منهم مغيبة عن الوعي وغير فاعلة في عمليه الإنتاج ومنسحبة من عملية تنمية المجتمع وتحديثه، كما يؤدي تعاطي المخدرات إلى اقتطاع جزء كبير من الدخل للإنفاق على السموم.
وترتبط المخدرات بالعديد من الجرائم كالبلطجة والاغتصاب والسرقة.
ويقول الكاتب محمد الجوهري، إن مصر تتعرض إلى ما يشبه الكارثة القومية من خلال تآمر بعض القوى الخارجية وتعاون قوى داخلية على إغراق الأسواق المصرية بكم هائل من المخدرات.
وأكد اللواء أحمد عمر، مساعد وزير الداخلية المصري، “للأسف بعض الأعمال الدرامية تجسد تاجر المخدرات على أنه بطل، وأنه يجمع المال في وقت قياسي، الأمر الذي يساهم في خلق رغبة عند بعض الشباب في تقليده”.
أوساط متصدعة
تحدثت أم علي بحسرة كبيرة عن ابنها (27 عاما) الذي يتعاطى المخدرات منذ 10 سنوات قائلة “لم نكتشف ما يحصل مع رامي إلا منذ 4 سنوات”.
وأضافت أنه لا يريد العلاج، وكثيرا ما يهرب من مركز العلاج الوحيد في تونس المهدد بالإغلاق أصلا، مؤكدة أن كلفة العلاج باهظة وتعجز عن توفيرها.
وظاهرة تعاطي المخدرات كغيرها من الظواهر الاجتماعية في أي مجتمع لا يجوز فصلها عن مجمل الظروف المحيطة بها داخل هذا المجتمع أو خارجه، فهي لا تنفصل عن الظروف الاقتصادية والسياسية التي تسود هذا المجتمع. الأمر الذي يحتم على من يهتم بدراسة مثل هذه الظاهرة أن يتناولها بشيء من التحليل للخصائص الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش فيها مستهلكو المخدرات ومن ثم تحليل ودراسة الأسباب الاجتماعية العامة المؤدية إلى هذه الظاهرة وانتشارها.
ويجمع متخصصون في علم النفس على أن غياب التواصل داخل الأسرة هو من أبرز الأسباب التي تجعل المراهقين يرتمون في أحضان المخدرات التي يمكنها سد الفراغ.
وبالتالي يسقط الكثير منهم في شباك الإدمان الذي يُعَدّ في أحيان كثيرة هروبا من وسط أسري متصدع أو تعويضا عن حاجات لم يتمكن المحيط الاجتماعي ككل من إشباعها.
وقالت هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إن انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين طلاب المعاهد والجامعات يرتبط بطبيعة المرحلة العمرية التي يمرون بها، فهي غالبا تستخدم كأداة لإثبات الذات، في وقت تتكون فيه شخصية الطالب ويكون أكثر عرضة للتأثير لرغبته في الدخول في تجارب عديدة، كما أن التعاطي يهدّئ من روع الفضول بداخله.
وأضافت في تصريحات لـ”العرب”، أن غالبية شباب الجامعات يلجأون إلى تعاطي المخدرات لكن نسبة أقل هي من تتحول إلى الإدمان بفعل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بها.
وتابعت “علميا فإن الإدمان يأتي في المرة السادسة من التعاطي، وهي الفترة التي يشعر فيها الطالب بالنشوة نتيجة إفراز جسمه هرمون الإندورفين والذي يتفاعل مع مادة المورفين المخدرة لتحدث نشوة داخل الجسم ويشعر المتعاطي بسعادة مؤقتة قبل أن تختفي تدريجا في حال تحوله لمدمن بفعل تلاشي هذا الشعور”.
وأوضحت يوجد نوعان من الشباب، النوع الأول يتمادى في التعاطي بحثا عن النشوة التي حدثت له في المرة الأولى من تعاطيه المخدر ويكون قد سلك طريق الإدمان، وفي تلك الحالة فإن مرور الشاب أو الفتاة بأزمات حياتية أو مجتمعية تضعف من قدرتهما على مواجهة المخدر، أما النوع الثاني فهو يكون أكثر اتزانا وتساعده مجموعة من العوامل الاجتماعية المحيطة به على التوقف.
وأشارت إلى أن حالة الفراغ التي يمر بها معظم الشباب تؤدي إلى تفريغهم للطاقات المكبوتة داخلهم من خلال سلوكيات مجتمعية غير متزنة وقد تكون من خلال المخدرات أو الممارسات غير المنضبطة مجتمعيا وأخلاقيا أو النوم، بالإضافة إلى أن مرور شباب المعاهد والجامعات بتغيرات حادة لتواجدهم في بيئة مختلفة عن الأسرة أو المدرسة التي اعتادوا عليها تجعلهم غير قادرين على مواجهة المخدرات وما يصاحبها من سلوكيات أخرى.
وقال حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس في القاهرة، لـ”العرب”، إن حالة الفراغ أو الزخم السياسي قد تؤدي إلى تعرض الشباب إلى إحباطات عديدة تكون أحد مسببات تعاطي المخدرات.
ولفت إلى أن تعرض الشباب للعديد من المشكلات الاقتصادية وشعورهم بعدم وجود أدوار سياسية لهم تدفعهم للاحتجاج من خلال ما يسمّى بـ”الصخب السياسي غير المؤثر فعليا”، وبالتالي فإنهم يحولون كل ذلك إلى سلوكيات غير منضبطة تأتي على رأسها المخدرات التي تعد طُعما يسهل تقديمه إليهم من قبل التجار والمدمنين.
ويرى خبراء أن غياب القدوة بالنسبة إلى الطلاب داخل الجامعة وخارجها له تأثيره السلبي على خضوع الطلاب إلى رفقاء سوء، في ظل زيادة عوامل التفكك الأسري التي تعاني منها غالبية المجتمعات العربية.
لبنى الحرباوي
صحيفة العرب اللندنية