القاهرة – حمل استدعاء السودان لسفيره لدى القاهرة رسالة واضحة من الخرطوم نحو تصعيد مفاجئ، قد يؤدي إلى القطيعة مع مصر، في خطوة قال متابعون للشأن السوداني إنها تأتي لتأكيد الخرطوم سرعة اندماجها في التحالف التركي القطري الهادف إلى استفزاز مصر والسعودية وتهديد أمنهما القومي من بوابة البحر الأحمر.
وجاء قرار استدعاء السفير بعد يومين من معلومات قالت إن القاهرة تعمل على إبعاد الخرطوم عن المباحثات المتعثرة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وهي مفاوضات انتقل فيها السودان إلى طرف معرقل ومنحاز ضد مصر.
واعتبر هاني رسلان، الباحث المصري في الشؤون السودانية، أن سحب السفير يندرج ضمن الأزمات المفتعلة للإيحاء بـ”أن هناك خطرا خارجيا على السودان تقوده مصر، للتغطية على الأزمات الكثيرة التي يواجهها نظام الرئيس عمر البشير”.
ونشرت بعض الكتائب الإلكترونية التابعة للنظام السوداني معلومات حول وجود خطر على الحدود السودانية – الإريترية، تقوده مصر وبعض الدول الإقليمية، بعدها حركت الخرطوم قوات الدعم السريع إلى منطقة “كسلا” في الشرق، في نفس توقيت سحب سفير السودان بالقاهرة.
وأشار رسلان في تصريح لـ”العرب” إلى أن سحب السفير “خطوة ضمن سياسة الحشد والتعبئة المجتمعية ضد وهم الخطر المصري، وشد الانتباه لذلك بما يخفف حدة الغضب في الشارع، بسبب الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي رفعت أسعار السلع إلى نحو ثلاثة أضعاف”.
وقالت أوساط مصرية مطّلعة إن السودان يسعى لخلق مناخ متوتر مع القاهرة بغاية تبرير قفزه إلى المركب التركي القطري بعد أن كان لأشهر ماضية يكافح لكسب ود مصر والسعودية عارضا المشاركة ضمن قوات التحالف العربي في اليمن.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن السودان سرّع من استفزازه لمصر وأمنها القومي بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي للسودان، والتي أسفرت عن سلسلة اتفاقيات ثنائية متعددة، أبرزها تسليم جزيرة سواكن في البحر الأحمر لتركيا، وهو ما يمثل نقطة تحول محورية في الخلاف المحتدم بين القاهرة والخرطوم.
وسمح السودان لتركيا بامتلاك فضاء استراتيجي يمنحها وجودا كبيرا، اقتصاديا وعسكريا، في البحر الأحمر، الذي تعتبره مصر والسعودية من أهم مناطق النفوذ التاريخية.
وزاد من الموقف حرجا أن الوجود التركي في السودان يتضافر مع حضور قطري، اقتصادي وأمني وسياسي، ما ضاعف من القلق المصري واحتمال تطور التعاون إلى محور عسكري يستهدف القاهرة، خاصة أن رؤساء أركان الدول الثلاث، السودان وتركيا وقطر، عقدوا في الخرطوم اجتماعا لم يخل من دلالات رمزية في هذا الاتجاه.
وأكدت بعض المصادر لـ”العرب” أن الاتجاه الرسمي في مصر يميل إلى التعامل مع السودان بمزيد من الوضوح، والتخلي عن الحذر السابق الذي رضخ لمفردات من نوعية العلاقات التاريخية والأخوة والأشقاء في الجنوب، ووحدة وادي النيل، والمصالح المائية.
ويرى مراقبون أن هناك استدارة قوية سوف تقوم بها مصر حيال السودان، تتخلى بموجبها عن النمط التقليدي، وأصبحت على وشك فضح علاقة الخرطوم بالجماعات المورطة في قضايا إرهابية، والتي يتلقى بعضها تدريبا في الأراضي السودانية.
وتقول المصادر إن لدى مصر معلومات تفصيلية حول هذه المسألة، تعمدت عدم إثارتها علانية، واكتفت بالتعامل معها استخباراتيا، لأنها لا تريد وصول الصدام مع السودان إلى أقصى مداه، على أمل استيعابه دبلوماسيا ضمن سياق إقليمي يرمي إلى إعادة تأهيله، والحصول منه على معلومات تفصيلية حول خارطة بعض الجماعات المتشددة.
وتشجعت مصر على المضي في هذا الطريق، عندما أوحت الخرطوم بأنها على استعداد للتعاون، لكن لم تقدم المعلومات الكافية والحقيقية عن تشابكات علاقتها بالتيار الإسلامي في السودان ومصر وليبيا.
وردا على خطوة استدعاء الخرطوم لسفيرها في القاهرة، قالت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها، الخميس، إن “مصر تقوم بتقييم الموقف بشكل متكامل لاتخاذ الإجراء المناسب”.
وفسر متابعون البيان المقتضب على أنه رسالة تشي بامتلاك مصر خيارات للتعامل مع السودان، بعيدة عن الهدوء والقنوات الدبلوماسية التقليدية، وأن الموقف أصبح يستدعي اتخاذ إجراءات حاسمة، لأن الحذر والتريث والصبر الذي اتبعته القاهرة مع النظام السوداني، أغراه بمزيد من القوة والقدرة على المجابهة، بعد توافر أدوات دعم متباينة له.
وأشارت دوائر سياسية مصرية لـ”العرب” إلى أن القاهرة لديها علاقة وثيقة تربطها بقوى في المعارضة السودانية، وهي ورقة من الممكن أن تتجه مصر إلى تفعيلها للضغط على البشير وإثنائه عن توجهاته التي تهدد مصالح مصر.
لكن المتابعين يقولون إن الدور الذي يلعبه السودان لخدمة التحالف التركي القطري يدفع بالضرورة مصر إلى الانتظام بشكل أكثر فاعلية في التحالف مع السعودية كون الخطر يستهدف خارطة أوسع، خاصة عبر لعب بيع الخرطوم ورقة البحر الأحمر لأنقرة والدوحة.
ويشيرون إلى أن الخطة التركية القطرية تستهدف تأثيرا أوسع في محيط مصر من جهة السودان وليبيا، كما أنها تستهدف المس بأمن الخليج سواء من جهة البحر الأحمر، أو عبر تكثيف الوجود العسكري التركي في قطر، ما يستدعي تحركا جماعيا أكثر تنسيقا وفاعلية.
وشدد هؤلاء على أن التركيز التركي على اتفاقيات ذات طابع عسكري وأمني على البحر الأحمر يكشف عن نوايا أنقرة في استهداف أمن الدول العربية المطلة على هذا البحر، وأنها لم تكتف بالحملات الدبلوماسية والإعلامية التشويهية لتمر إلى البحث عن وسائل لاستفزاز مصر والسعودية وبينها التمركز في السودان لاستعادة صورة الإمبراطورية القديمة المهيمنة على المنطقة.
العرب اللندنية