رغم تراجع نطاق الاحتجاجات الشعبية في إيران، استمرت ردود الأفعال في الساحة السياسية الإيرانية، إذ أصدرت 16 شخصية إصلاحية بارزة مقربة من الرئيس السابق محمد خاتمي، أمس، بياناً يدين تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج وتجاهل جذورها في البلاد، وذلك في وقت أعرب برلمانيون عن قلقهم حول مصير طلاب معتقلين، وبموازاة ذلك استمرت الحركة الاحتجاجية في مناطق متعددة من إيران، وفق مقاطع تداولها ناشطون.
كان 16 ناشطاً سياسياً إصلاحياً قد أصدروا بياناً يدحض التهم الموجهة من كبار المسؤولين الإيرانيين إلى جهات خارجية بالوقوف وراء الاحتجاجات الأخيرة، معتبرين ما ورد على لسان كبار المسؤولين الإيرانيين إساءة للشعب. وذكر البيان أن «التركيز على العوامل الخارجية تسبب في التغاضي والتجاهل للأسباب الحقيقية لجذور الاحتجاجات والاستياء الشعبي وعلاجها».
جاء البيان بعدما وجه الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، وعدد من كبار المسؤولين، اتهامات إلى دول أجنبية بالتحريض على الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران، وهي اتهامات ركزت عليها وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري والتيار الأصولي في تغطية الأحداث. واعتبرها كثيرون من نقاط الاشتراك النادرة التي جمعت بين مؤيدين لروحاني وخصومهم الأصوليين.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية نقلاً عن موقع «امتداد» الإصلاحي بأنه «لا توجد شكوك أن أعداء البلد بصدد استثمار هكذا أحداث، ويتخذون موقف الداعم لتلك الاحتجاجات، لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن التدخل الأجنبي في أي مستوى غير ممكن من دون تمهيد داخلي».
ووفقاً للموقّعين على البيان، فإن التركيز على العوامل الخارجية «إضافة إلى الإساءة للمجتمع، تتسبب في التغاضي والغفلة عن جذور الاحتجاجات والاستياء الشعبي وطرق علاجها. وواجبنا نحن حذف أسباب هذه الأزمات على كل المستويات والمجالات».
ومع ذلك فإن الشخصيات الإصلاحية توجه انتقادات شديدة اللهجة إلى ما اعتبرته تدخلات أميركية، خصوصاً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في شؤون هذا البلد.
وتضم القائمة: المساعد السياسي لوزير الداخلية الأسبق مصطفى تاج زادة، وحميد جلالي بور مستشار محمد خاتمي، ومحمد رضا خاتمي، و عبد الله رمضان زاده المتحدث باسم حكومة خاتمي، ومستشار خاتمي الأسبق محسن صفايي فراهاني، والناشطين عباس عبدي وسعيد حجاريان، والبرلمانية السابقة آذر منصوري، إضافة إلى شخصيات إصلاحية أخرى مقربة من خاتمي.
ويؤكد الناشطون الإصلاحيون في بيانهم أن رد السلطات لم يكن مناسباً على الحراك المدني للإيرانيين رغم مشاركتهم في الانتخابات. ويضيف البيان أن «ردوداً تجددت، وهو ما أدى إلى إحساس الإحباط والتحقير بين أجزاء من المجتمع».
وجاء البيان، على خلاف تنديد 3 من الموقعين بينهم شقيق الرئيس الأسبق محمد خاتمي، محمد رضا خاتمي، والمنظر الإصلاحي عباس عبدي. وكان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي من بين شخصيات إصلاحية انتقدت الاحتجاجات.
ورغم تأكيد البيان الدافع الاقتصادي للاحتجاجات فإنه في نفس الوقت يشير إلى أن جذور حل المشكلات الاقتصادية في الإصلاحات السياسية، وتعزيز الإشراف الشعبي وفاعليته، واستقلال الأجهزة الرقابية الرسمية، والحريات المدنية والإعلامية. مضيفاً أنه «من دون قبول هكذا إصلاحات لا يمكن التوصل إلى تغييرات أساسية لحل القضايا الاقتصادية وتخفيف الاستياء».
ويلفت الناشطون إلى «فقدان التفاهم والاتفاق حول القضايا الأساسية، وضعف الانسجام السياسي والاجتماعي»، وهو ما أدى إلى «تفاقم الانقسامات السياسية والاجتماعية، والازدواجية في الإدارة الاجتماعية للبلاد».
ويرجع البيان استمرار «العنف» في الاحتجاجات، إلى «فقدان أو ضعف أجهزة حل الخلافات، والتباين الاجتماعي والأساليب السلمية لإعلان الاحتجاجات، والاعتراف بالحق القانوني للاحتجاجات». مؤكداً أن «إشاعة العنف في الاحتجاجات خسارة لجميع الأطراف، وتؤدي إلى إغلاق الطرق السياسية وتسبب عقم الاحتجاجات».
وشهد الإصلاحيون انقساماً في المواقف خلال الأيام الأخيرة، كما انتقدت الصحف الإصلاحية بشدة خروج الاحتجاجات التي ردد فيها المتظاهرون شعار «الموت لروحاني»، وذلك بعد أقل من 6 أشهر على أدائه اليمين الدستورية.
ولم تمضِ ساعات على نشر البيان حتى تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحات جديدة لأمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام، وقائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضايي. وزعم رضايي في تصريحات أثارت ردود أفعال ساخرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أن شقيق زوجة الرئيس السابق صدام حسين، ورئيس مكتب نجل صدام حضروا اجتماعاً مؤخراً في عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، بحضور أطراف دولية حول إيران، وهو ما أدى إلى خروج الاحتجاجات.
واستمرت المظاهرات الليلية، أمس، في كرج غرب طهران، وأصفهان، وميناء معشور جنوب البلاد، وفقاً لمقاطع تداولها ناشطون. كما انتشرت مقاطع من أمام سجن أفين تُظهر تجمع أسر المتظاهرين.
وانتقلت الاحتجاجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى 3 مجالات جديدة أبرزها انتشار ظاهرة الكتابة على الجدران وتحديداً شعار «الموت لخامنئي» وفقاً لعشرات الصور التي تم تداولها في شبكات التواصل. إضافة إلى ذلك انتشرت مقاطع منذ يومين من منتسبين إلى قوات الباسيج وهم يحرقون وثائق الانتساب إلى هذه القوات التي تعد قاعدة شعبية لقوات «الحرس الثوري».
كما انتشرت أمس، بشكل لافت مقاطع تُظهر إيرانيين وهم يحرقون فواتير الكهرباء والغاز والمياه. وحسب الصور فإن الفواتير كُتب عليها شعار «الموت لخامنئي».
وجاءت الحملات الثلاث نتيجة دعوات شخصيات بارزة في المجتمع المدني إلى اتباع الإيرانيين أساليب العصيان المدني.
كانت الولايات المتحدة قد طلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي الجمعة، لبحث مسألة المظاهرات التي عمت الكثير من المدن الإيرانية على مدى نحو أسبوع وأسفرت عن مقتل 21 شخصاً.
وفي سياق متصل، شهد البرلمان الإيراني أمس، نقاشاً ساخناً بين النواب حول مصير المعتقلين خصوصاً الطلاب منهم، وكانت وسائل إعلام إيرانية قد نقلت أول من أمس، عن النائبة بروانه سلحشوري، أن أكثر من 90 طالباً بين أكثر من 1700 أعلنت المصادر الرسمية اعتقالهم خلال الأيام الماضية.
لكن أمس، قال النائب عن مدينة طهران إن 10 طلاب من بين 90 معتقلين مصيرهم مجهول منذ أيام. وأفادت «إيلنا» نقلاً عن محمود صادقي عضو لجنة التعليم في البرلمان، إنه بناءً على إعلام وزارة التعليم العالي فإن الطلاب لم يكن لهم أي نشاط خلال الاحتجاجات التي شهدتها إيران في الأيام الماضية. ووفق صادقي فإن الطلاب اعتُقلوا في أماكن خارج الجامعة، مشيراً إلى اعتقال بعضهم من أمام المنازل.
وأعلن متحدث باسم جامعة طهران، أمس، إنشاء لجنة خاصة لبحث مصائر هؤلاء الطلاب الذين تم القبض عليهم في المظاهرات الأخيرة في إيران.
وأفادت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية «إيسنا» بأنه لا توجد أرقام رسمية فيما يتعلق بعدد الذين قُبض عليهم خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اجتاحت البلاد على مدار أسبوع.
الشرق الاوسط