يوم 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أبلغ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وفداً من قادة المعارضة السورية، أن الرياض ستوقف دعمها العسكري لجهودهم للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
ووفق ما قاله مصدران من المعارضة السورية ومسؤولان دبلوماسيان آخران في معرض وصفهم للاجتماع بين الجبير وقادة المعارضة السورية، فإن الوزير السعودي قال لوفد المعارضة السورية أثناء اجتماعه معهم أن الوقت قد حان لتكريس طاقاتهم لتأمين التوصل إلى اتفاق سلمي مع دمشق خلال مؤتمر سلام سيعقد في سوتشي في روسيا في كانون الثاني (يناير). وقال الجبير إنهم إذا كانوا مستعدين جيداً لسوتشي فسيكون موقفهم أفضل للتوصل إلى اتفاق على انتقال سياسي. (يشار إلى أن المسؤولين السعوديين في نيويورك وواشنطن لم يستجيبوا لطلبات بالتعليق).
تشكل مناشدات الجبير انتكاسة أخرى للقوات السورية المحاصرة المناهضة للأسد، والتي كانت قد فقدت أصلاً في شهر تموز (يوليو) الماضي الدعم العسكري الأميركي السري. والأكثر أهمية أن الرسالة السعودية تشير إلى نجاح الدفعة الدبلوماسية الروسية لتشكيل مستقبل سورية بعد الحرب، والتي تأتي بسرعة لتنافس العملية الرسمية بقيادة الأمم المتحدة التي تراوح في مكانها منذ خمسة أعوام في جنيف.
وحتى الأمم المتحدة تبدو منقسمة الآن حول ما إذا كانت ستشارك في خطة سلام روسيا؛ حيث يدفع ستيفان ديمستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، من وراء الكواليس لتأمين مقعد له في سوتشي، وفي حث السعودية والمعارضة السورية على حضور المؤتمر.
كانت سلبية واشنطن، في جزء منها، وراء تعاظم النفوذ الدبلوماسي لموسكو في نهاية اللعبة السورية. وقد ركزت إدارة الرئيس دونالد ترامب على محاربة “داعش” وعلى كبح إيران أكثر مما ركزت على تشكيل المستقبل السياسي للبلد الذي مزقته الحرب.
وقال دبلوماسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: “تقدم سورية مثالاً للكيفية التي لا تظهر فيها الولايات المتحدة في الواجهة والمركز. لقد خسرت الولايات المتحدة الأرضية لصالح روسيا فيما يتعلق بذلك الموضوع”.
وحتى لو أرادت الولايات المتحدة لعب دور أكبر في سورية ما بعد الحرب، فإن عدم انخراطها أضعف قدرتها على فعل ذلك، كما قال جنرال البحرية المتقاعد جون ألين، المبعوث الأميركي السابق للتحالف المناهض لتنظيم “داعش”.
وكان ألين قد قال الشهر الماضي: “بالعديد من الاعتبارات، فإن الروس هم الذين قرروا المسار السياسي، ومن المحزن أن يكون هناك القليل من القدرة لدى الولايات المتحدة الآن على ممارسة القيادة في هذه العملية أو المشاركة فيها”.
وكانت أحدث تحركات دبلوماسية لروسيا قد بدأت قبل أكثر من عام. ففي كانون الثاني (يناير) 2017، عقدت الحكومة الروسية مباحثات في أستانة، كازاخستان، مع مسؤولين إيرانيين وأتراك للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستثنيت الولايات المتحدة في الجزء الضخم من العملية التي ما تزال متواصلة.
والآن، تخطط موسكو لاستخدام المؤتمر الذي سيعقد في منتجع سوتشي على البحر الأسود لتحديد أطر المستقبل السياسي لسورية -ويأمل الروس أن يحضره الرئيس الأسد.
وفي الأثناء، تؤرق الدفعة الدبلوماسية الروسية العديد من الحكومات الغربية وقادة المعارضة السورية في آن. وهم يخشون أن يعزز الاجتماع ببساطة المكاسب التي حققتها روسيا والحكومة السورية، وأن يكرس الحكم الوحشي للرئيس الأسد، وأن يدفع بجيل جديد من السوريين إلى التمرد. كما أنهم قلقون أيضاً من أن تتخلى العملية الروسية عن بعض الأجزاء المحورية مما كان قد تم الاتفاق عليه في جنيف، مثل الحكومة الانتقالية ووضع مخطط للحياة بعد الأسد. ويقول العديد من المنتقدين إن روسيا، وهي طرف في النزاع، لا تستطيع أن تكون وسيطاً نزيهاً فيه.
وكان سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، فرانسوا ديلاتر، قد قال للصحفيين في أواخر الشهر الماضي: “لا يوجد بديل لعملية جنيف بقيادة الأمم المتحدة. لا توجد لعبة أخرى في البلدة”.
وكانت أكثر من 130 مجموعة سورية معارضة، والمنزعجة من رغبة ديمستورا الواضحة للمشاركة في مباحثات سوتشي، قد بعثت برسالة إلى ديمستورا يوم 3 كانون الثاني (يناير) الحالي، والتي وصفت فيها المفاوضات بأنها “مغادرة خطيرة لعملية السلام (بقيادة الأمم المتحدة)” وأنها تشكل “تهديداً خطيرا” لفرص سورية في السلام.
لكن المشكلة تكمن في أن عملية جنيف بدأت بالظهور عن أنها أقل حيوية. وقد جعلت المساعدات العسكرية الروسية لنظام الأسد من دمشق أقل انفتاحاً على فكرة التنازل عن السلطة لحكومة انتقالية، وهو عنصر رئيسي في خطة جنيف.
ومن جهتها، تفعل واشنطن القليل للحفاظ على عملية جنيف حية؛ حيث تركز إدارة ترامب على القضاء على “داعش” ولجم نفوذ إيران إلى الحد الأدنى. وفي الغضون، يشكو الحلفاء الغربيون في أحاديث خاصة من أن الولايات المتحدة لم تستخدم عضلاتها الدبلوماسية لدعم مفاوضات جنيف، ومن أنها لا توجد شخصية واحدة، لا في البيت الأبيض ولا في وزارة الخارجية الأميركية، كلفت بتشكيل المباحثات.
وقال مسؤول رفيع سابق في الأمن القومي الأميركي، والذي يتمتع بروابط مع البيت الأبيض: “من المفروض أن يضطلع أحد ما بهذا. ولكن ليس هناك أحد”. وبالحكم من الرسالة السعودية للمعارضة السورية، ومن الانقسامات في داخل الأمم المتحدة، يبدو على نحو متزايد أن أحداً ما يضطلع في الحقيقة بهذه العملية: إنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يرد مسؤولو إدارة ترامب بأن للولايات المتحدة نفوذ في سورية الآن أكثر مما كان لديها قبل عام، خاصة وأن شركاءها الأكراد يسيطرون على المزيد من الأراضي، وأن هناك قوات أميركية على الأرض (في سورية).
بينما أوضح الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتيريس، أن الأمم المتحدة سوف تذهب إلى سوتشي فقط في حال ذهاب الولايات المتحدة والسعودية والحلفاء الرئيسيين الآخرين، أو في حال منحوه ضوءاً أخضر. وكان ديمستورا قد أشار إلى أنه يجب على الأمم المتحدة والمعارضة السورية المشاركة في المؤتمر.
في الشهر الماضي، وخلال الجولة الثامنة من مباحثات جنيف، كان قد أخذ قادة المعارضة جانباً وضغط عليهم من أجل حضور المباحثات الروسيىة. لكن غوتيريس أمره بأن يتخلى عن ذلك، وإنما ليس قبل وصول الرسالة.
وقال أحد الدبلوماسيين: “ثمة انقسام في الأمم المتحدة. ديميستورا يريد الذهاب حتى يستطيع ضخ وجهة نظر الأمم المتحدة في المداولات”. لكن زملاءه في نيويورك “يشعرون بأن ذهابه سيضفي الشرعية على الأهداف الروسية”.
وقال الدبلوماسي: “حتى الآن يشعر الأمين العام بأن سوتشي لا ينجح في اختبار الرائحة”. ومن المقرر أن يلتقي غوتيريس مع وفد المعارضة السورية في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك.
ومن جهته، قال رضوان زيادة، ناشط حقوق الإنسان المتمركز في واشنطن: “لدي ديمستورا ميل إلى الاعتماد على الروس أكثر من الولايات المتحدة. إنه يشعر بأن الولايات المتحدة قد انسحبت من الملف السوري، وأن الطريقة الوحيدة لنجاحه تكمن في الاعتماد على الروس”.
وقد امتنع متحدث بلسان ديميستورا عن الرد على أسئلة عن دعمه لمباحثات سوتشي، وأحال هذه المجلة إلى سلسلة من التصريحات للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، والتي تشير إلى أن أي لجنة دستورية قد تنجم عن سوتشي يجب أن تحظى بمصادقة الأمم المتحدة، وذلك بالتشاور مع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
رسمياً، ما تزال الأمم المتحدة تعلق آمالها على المباحثات في جنيف؛ حيث يحاول وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي الأميركي أتش آر. مكماستر ووزير الدفاع جيمس ماتيس دفع الأسد نحو الخروج.
وقال أحد مسئولي وزارة الخارجية الأميركية لمجلة فورين بوليسي: “إن جنيف هي الطريق الوحيد إلى الأمام. طالما ظل تركيزنا على جنيف والتقدم الجوهري من تلك المفاوضات، فإن باقي الطرق الأخرى تعمل على تشتيت الانتباه فحسب”.
لكن هناك إشارات على وجود انقسام في واشنطن أيضاً، الأمر الذي يفتح الباب أمام دور روسي أكثر فعالية.
يفضل عدة مسؤولين أميركيين كبار، بمن فيهم بريت مكغيرك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف العالمي ضد الدولة “داعش”، ومايكل راتني، المبعوث الخاص لسورية، وديفيد سترفيلد القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، يفضلون مقاربة محدودة لسورية، والتي تركز على هزيمة “داعش” والتصدي للنشاطات الإيرانية، ثم إنهاء النشاطات الأميركية في سورية، وفق مصادر دبلوماسية. ويبدو مكغيرك على وجه الخصوص منفتح التفكير حيال جهود موسكو الدبلوماسية.
وكان قد قال للصحفيين في الشهر الماضي: “لقد تحدثنا مع الروس حول هذا الموضوع وحول ما يفكرون فيه بالضبط، وقالوا إن سوتشي سيكون نوعاً من جمعٍ لشخصيات سورية، ثم ما يحدث في سوتشي سيمد جنيف مباشرة بالغذاء”. وأضاف: “ما لن ندعمه ولن تكون له شرعية مطلقاً، هو عملية موازية تماماً لجنيف”.
ولكن، مع شغل الولايات المتحدة مقعداً في المؤخرة في سورية، فإن ثمة دفعة دبلوماسية موازية هي التي تجري بالضبط.
كولم لينش
صحيفة الغد