في 2014، توصلت حركتا فتح وحماس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في السلطة الفلسطينية بعد أشهر من بدء المحادثات الطويلة حول اتفاق المصالحة. لكن، ظل الاتفاق حبرا على ورق واستمرت حركة حماس في حكم قطاع غزة وعزله عن بقية الأراضي الفلسطينية ضمن سياسة ضاعفت من الصدع مع حركة فتح والحكومة في رام الله.
بعد سبع سنوات، كان فيها سكان قطاع غزة المتضرر الأكبر نجحت مصر في أن تجمع بين حماس وفتح مجددا على طاولة الحوار لتوقيع اتفاق مصالحة جديد لكن، وكسابقه، لم يتجاوز الاتفاق حدود التوقيع ولا يتوقع أن يتحوّل قريبا إلى أمر واقع فيما تصرّ حركة حماس على اقتباس نهج حزب الله من لبنان وزرعه في فلسطين.
لم يتحقق شيء من المصالحة، التي تم الإعلان عنها في أكتوبر 2017، وإن لم يعلن الطرفان أو حتى الوسيط المصري موتها إلا أنّ المؤشرات تؤكد ذلك، فلا مجال لأن تجتمع فتح، التي تمثل فلسطين في جامعة الدول العربية وحليف للسعودية وللدول العربية التي تشاركها القلق من الأجندة الإيرانية وتعمل على محاربتها، وأيدت تصنيف حزب الله جماعة إرهابية، بحماس التي ترفض هذا التصنيف وتُدين، كما حزب الله، بالولاء لإيران وترفض أي حديث عن سلاحها الذي يأتيها من إيران.
وكتب طلحة عبدالرزاق، الباحث في معهد الاستراتيجية والأمن بجامعة اكستر والكاتب في صحيفة العرب ويكلي، الناطقة بالإنكليزية، منتقدا توجّهات حركة حماس، والبراغماتية الفاشلة التي تتبعها. انطلق عبدالرزاق من تغريدة لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبومرزوق، يُدين فيها تصنيف حزب الله جماعة إرهابية، ويضع حماس في نفس موضع الحزب، وبدلا من الوقوف تضامنا مع ضحايا حزب الله، في سوريا ولبنان وحتى في اليمن حيث يزوّد الحزب الحوثيين بصواريخ وأسلحة إيرانية ويشرف على تدريبهم.
قال أبومرزوق “حزب الله ليس منظمة إرهابية، وإذا استمر التصنيف على هذا المنوال، فستتم معاملتنا جميعا، الجماعات ضد إسرائيل، بنفس الطريقة. يجب أن تعيد جميع الدول العربية توجيه البوصلة السياسية العربية نحو فلسطين والقدس″.وأصدرت حماس بيانا صحافياً رسمياً قالت فيه إنها “ترفض بشدة” تسمية حزب الله كمنظمة إرهابية، وأن مثل هذه التسمية ينبغي أن “يتم إطلاقها فقط على الاحتلال الإسرائيلي”، معربة عن أسفها لأن هذا الأمر سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات.
يستعيد طلحة عبدالرزاق هذا الموقف في ظل التطورات الراهنة والحرب المستعرة في المنطقة، والتي تشكل إيران وحزب الله إحدى أذرعها الرئيسية، مشيرا إلى أن موقف حماس من حزب الله يبعث على القلق العميق ويحتاج إلى توجيه الانتباه إليه بسبب دعمه الواضح لمنظمة شاركت في القتل الطائفي لمئات الآلاف من الأشخاص.
ومما يبعث على القلق الشديد أن حماس تقول إن إسرائيل هي الكيان الوحيد الذي “يستحق” أن يوصف بأنه إرهابي. وهذا يعطي مؤشرا واضحا على أن تعريف الجماعة الفلسطينية للإرهاب انتقائي للغاية ويقلل من شأن هؤلاء الذين يعانون في جميع أنحاء العالم على يد الجماعات الإرهابية القومية المتطرفة أو الدينية أو غيرها من الجماعات الأخرى.
كما أن تسمية حماس نفسها كحركة “إسلامية” أصبح أيضا موضعا للشك. حيث أن أحد الأساليب التي تستخدمها حماس لحشد التأييد الدولي في صفها هي تسويق نفسها على أنها “إسلامية” مقارنة بحركة فتح وغيرها من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
واستنادا إلى أيديولوجيا متأصلة في جماعة الإخوان المسلمين، فإن الاسم الرسمي لحركة حماس هو “حركة المقاومة الإسلامية”، الذي يستحوذ على مشاعر أكثر من مليار مسلم في جميع أنحاء العالم ممن ينظرون إلى فلسطين على أنها الأرض المقدسة.
ويتساءل عبدالرزاق مستنكرا: إذن فكيف يمكن وصف حماس بأنها إسلامية في الوقت الذي تتخذ فيه رد فعل سلبي تجاه ما فعله حزب الله في العالم العربي والإسلامي؟
ويجيب مشيرا إلى أن حزب الله لعب دورا رئيسيا في القضاء على حياة نصف مليون سوري. وفي العراق، تأثرت الملايين من الأرواح من استخدام إيران لحزب الله كمنظمة نموذجية يمكنها تدريب وتجهيز وأحيانا قيادة جماعات جهادية شيعية عراقية. لا يحتاج المرء إلا إلى النظر إلى شعارات هذه الميليشيات المتمثلة في يد تمسك بكلاشنيكوف ليتأكد من مدى تأثير حزب الله عليها.
فهل لا يمكن اعتبار هؤلاء المدنيين العرب “مسلمين” بشكل كاف لتبرير تعاطف حماس؟ أم أن أيديولوجيا حماس الدينية الراسخة يتم تجاهلها عندما يتم طرح الاعتبارات البراغماتية وقضية الولاء إلى إيران؟
ويؤكد عبدالرزاق أنه طبقا لحسابات حماس، فهي تعمل مع إيران، تلك الدولة التي تستهدف العالم العربي وتصف أي شخص يختلف معها بأنه “متآمر صهيوني”، لذلك فبدلا من إلقاء المحاضرات والشعارات على الدول العربية الأخرى، ينبغي أن تركّز حماس على أن تسهّل الأمور على هؤلاء الذين يعيشون تحت رعايتها في غزة. وعلى حماس أيضا أن تقمع الفساد في حكومتها ومؤسساتها. كما يجب على حماس أن تركّز على تشكيل وحدة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، بدلا من أن تلعب باستمرار لعبة العين بالعين معهم.
ويخلص عبدالرزاق ناصحا حماس أن ترتقي إلى مستوى لقب “الإسلامية” الذي تطلقه على نفسها، وأن تتحلّى بالأخلاق التي تخولها إلى وضع البراغماتية جانبا، وأن تدين إيران وحزب الله بسبب قتلهم الجماعي للآلاف من المسلمين الآخرين.
صحيفة العرب اللندنية