كن حذِراً فيما تتمناه: “ربيع فارسي” سوف يكون كارثة

كن حذِراً فيما تتمناه: “ربيع فارسي” سوف يكون كارثة

بعد أسبوع من الاحتجاجات العنيفة التي شهدها عدد من المدن الكبيرة والبلدات الصغيرة في إيران، أعلن الجنرال محمد الجعفري، القائد الأعلى لحرس الثورة الإسلامية في إيران، أن “الفتنة” قد هُزمت. وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نفهم بدقة جذور هذا العنف، وكيف سيؤثر على سياسات طهران المحلية والخارجية.
مع ذلك، فإن الإثارة التي عبر عنها بعض المسؤولين ووسائل الإعلام والمراكز الفكرية في الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الخليج العربية، تثير سؤالين مهمين ومتعالقين: هل أن تغيير النظام في إيران هو شيء مرغوب فيه؟ وما هو النهج “الصحيح” للتعامل مع إيران؟
يقترح الفحص الدقيق للسياسة الإيرانية أن أمام الحكومة هناك طريق طويل ما يزال عليها أن تقطعه من أجل الوفاء بالتطلعات الاجتماعية- الاقتصادية والسياسية للعدد الكبير من سكانها من الشباب والشيوخ. ويتضمن ذلك معالجة البطالة، والمساواة بين الجنسين، والشفاية، والفساد والتلوث، من بين أمور أخرى. والطريقة “الصحيحة” للتعامل مع هذه التحديات هي إجراء إصلاح تدريجي للنظام، وليس تغييراً للنظام. ففي نهاية المطاف، لم تكن التجارب مع تغيير النظام في الشرق الأوسط الأوسع مشجعة على الإطلاق. وتشكل كل من مصر، والعراق، وليبيا وسورية أمثلة حية على هذا الاتجاه. وتنطوي عملية تغيير النظام، بالتعريف، على زعزعة الاستقرار. وسوف يكون من شأن إيران غير مستقرة أن يهدد المصالح العالمية الرئيسية:
• إذا وضعنا الخطابة البليغة جانباً، فإن الجمهورية الإسلامية، وخاصة قوة القدس وقائدها الجنرال قاسم سليماني، كانت تلعب دوراً رئيسياً في الحرب العالمية ضد الإرهاب. وتنظر الجماعات السنية المتطرفة، بما فيها تنظيما القاعدة و”داعش”، إلى الشيعة على أنهم واحد من أعدائهم الرئيسيين. وفي حزيران (يونيو) 2017، أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن هجومين إرهابيين كبيرين في طهران، واحد شُن على مبنى البرلمان، والآخر على ضريح آية الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية. وقد قُتل اثنا عشر شخصاً وجُرح سته وأربعون آخرون في هذين الهجومين. وسوف يرحب “داعش” بتغيير للنظام في طهران.
• لن يكون لإجراء تغيير في النظام في طهران تأثير يُذكر على طموحات الأمة إلى امتلاك برنامج نووي. فقد تطور البرنامج النووي خلال السنوات الأخيرة إلى مشروع وطني يمثل مصدر فخر كبير بالتقدم العلمي والتقني للأمة. وسوف يصر أي نظام في طهران على الاحتفاظ بهذا التقدم والبناء عليه.
• كان تورط إيران في الصراعات الإقليمية، في كل من سورية والعراق ولبنان، مدفوعاً بمخاوف متعلقة بالأمن القومي وليس بالتوجه الأيديولوجي. وتتدخل القوى الإقليمية فعلاً في شؤون جيرانها من أجل حماية مصالحها القومية المتصورة. وتشكل تدخلات مصر في ليبيا، والسعودية في اليمن، وتركيا في سورية، وإسرائيل في سورية ولبنان، أمثلة توضيحية جيدة لهذة الفكرة. ولن تكون إيران، في ظل أي نظام، مختلفة عن هذه القوى الإقليمية الأخرى.
• من المؤكد أن تثير إيران غير مستقرة تحديات مهمة لما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني يقيمون في إيران. وسوف يوجه ذلك ضربة قوية إلى الجهود الدولية لكبح تهريب المخدرات من أفغانستان إلى أوروبا وبقية العالم. وأخيراً، تضم إيران أكبر احتياطيات للنفط والغاز الطبيعي المؤكدة في العالم. ومن المؤكد أن عدم الاستقرار في إيران سيضيف بحدة إلى الشكوك وعدم اليقين في أسواق الطاقة العالمية، والاقتصاد العالمي الأوسع إطاراً.
باختصار، سوف يكون التشجيع على تغيير النظام وعدم الاستقرار في قوة إقليمية كبرى وذات موقع استراتيجي ونفوذ في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، مغامرة محفوفة بالمخاطر.
وقد انتهت الاحتجاجات التي كانت قد بدأت في أواخر شهر كانون الأول (ديسمبر)، وتمكنت السلطات الإيرانية من استعادة النظام. وقد اعترف كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم آية الله خامنئي والرئيس حسن روحاني، بضرورة الحاجة إلى معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه الموجة من الاحتجاجات.
مثل أي بلد آخر، فإن سياسات إيران المحلية والخارجية سوف تستمر في أن تعكس تصورات ومصالح الفصائل المختلفة في داخل المؤسسة السياسية. وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الجمهورية الإسلامية موجودة هنا لتبقى. وبعد نحو أربعة عقود من الثورة الإسلامية في العام 1979، يحقق الاقتصاد الإيراني نمواً بمعدل أعلى من معظم الدول المجاورة، ولدى البلد حكومة عاملة وقابلة للتنبؤ أكثر من معظم الجيران أيضاً. وسوف تكون الدعوة إلى إجراء تغيير في النظام هي الاستراتيجية الخطأ. وهناك نهج أفضل يتمثل في عمل الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين والآسيويين على مساعدة الحكومة الإيرانية في تحقيق التطلعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعب الإيراني. ومن المرجح أن يؤدي الالتزام بالاتفاق النووي، ودعم الاستثمار الأجنبي، وتفعيل المشاركة الثقافية، وتشجيع الحوار الاستراتيجي، إلى خدمة جميع الأطراف المعنية. وسوف يكون وجود جمهورية إسلامية مستقرة شيئاً جيداً للشعب الإيراني، والقوى الإقليمية والمجتمع الدولي.

جودت بهجت

الغد