دمشق – دعت الأمم المتحدة الثلاثاء إلى وقف فوري لإطلاق النار في سوريا لمدة شهر على الأقل، يأتي ذلك على خلفية التصعيد الخطير على أكثر من جبهة في شمال البلاد، فضلا عن تكثيف النظام لحملته في الغوطة الشرقية بريف دمشق ما أدى إلى مقتل العشرات، كان آخرهم الثلاثاء حين سقط نحو 50 شخصا، جراء قصف جوي.
ويرى مراقبون أن الوضع في سوريا بات خطيرا ومفتوحا على جميع السيناريوهات، وأن دعوة الأمم المتحدة قد يكون الغرض منها تبريد الأجواء خشية أن تأخذ الصراعات متعددة الأوجه منحى أكثر خطورة يصعب احتواؤه.
ويتسم المشهد في شمال سوريا على وجه الخصوص بالكثير من الارتباك والتعقيد في ظل تضارب الأجندات وتعدد أوجه الصراعات بين القوات التركية والأكراد من جهة في منطقة عفرين في ريف حلب وبين فصائل المعارضة المدعومة تركيا والجيش السوري المدعوم روسيا وإيرانيا في ريف إدلب.
ورغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد حمل الثلاثاء الولايات المتحدة المسؤولية عن الوضع المحتدم في الشمال من خلال اتهامها بوضع خطط تستهدف تركيا وإيران وروسيا معا، بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه هل أن هذه الأطراف فعلا موحدة لناحية الأهداف في هذه الرقعة الجغرافية من سوريا؟
ويرى مراقبون أنه بالتأكيد الولايات المتحدة فاعلة وبقوة في بروز هذا الحجم من التشويش الجاري على خط إدلب – حلب، بيد أن ذلك لا ينفي أن لكل من روسيا إيران وتركيا أهدافا متناقضة، إلى حد التصادم والدليل ما يحصل في ريف حلب الجنوبي، والذي بات قابلا لأن يتطور إلى مواجهة عسكرية.
وقالت القوات المسلحة التركية في بيان الثلاثاء إن جنديا قتل في هجوم بالصواريخ وقذائف المورتر في شمال غرب سوريا خلال إقامة موقع عسكري في أكبر المعاقل المتبقية في قبضة جبهة تحرير الشام (النصرة سابقا)، يأتي ذلك تحت غطاء إنشاء نقطة لمراقبة وقف التصعيد الذي تم الاتفاق عليه قبل أشهر بين روسيا وتركيا وإيران في أستانة.
ورغم أنه لم يعلن عن الجهة التي استهدفت الجنود الأتراك، بيد أن الموقع قريب من منطقة يسيطر عليها الجيش السوري وحزب الله اللبناني، وعناصر من الحرس الثوري الإيراني.
وهذا ثاني هجوم في غضون أسبوع يتعرض له جنود أتراك يحاولون إقامة موقع قرب خط المواجهة بين مقاتلي المعارضة والقوات الموالية للحكومة السورية.
وتزامن هذا الهجوم مع إعلان الجيش السوري عن نشر دفاعات جوية جديدة وصواريخ مضادة للطائرات على الجبهات في محافظتي حلب وإدلب.
وقال قيادي في التحالف العسكري المؤيد للأسد لـ”رويترز”، “الجيش السوري يستقدم دفاعات جوية جديدة وصواريخ مضادة للطائرات إلى مناطق التماس مع المسلحين في ريفي حلب وإدلب بحيث تغطي المجال الجوي للشمال السوري”.
ويضم هذا منطقة عفرين حيث تدعم الطائرات التركية العملية البرية التي يشنها الجيش مع فصائل حليفة من الجيش السوري الحر، ضد وحدات حماية الشعب الكردي.
ويقول مراقبون إن تركيا هي الطرف المقصود من نشر هذه الدفاعات، في ظل تنامي شكوك الطرفين الروسي والإيراني في نوايا أنقرة خاصة لجهة أنها تتخذ من اتفاق خفض التصعيد غطاء لنشر قواتها في إدلب، فضلا عن أن الطرفين اللذين تبنيا عملية إسقاط الطائرة الروسية سوخوي 25 مساء السبت الماضي وهما جبهة فتح الشام وجيش النصر مرتبطان أساسا بتركيا.
وكان اتفاق خفض التصعيد قضى بنشر تركيا لشرطة عسكرية في تسع نقاط، بيد أن أنقرة خرقت الاتفاق من خلال إرسال أرتال من الجيش.
وجرى الثلاثاء اتصال هاتفي بين الرئيسين الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين ركز بالأساس على التطورات الأخيرة وتطوير مسار أستانة، ما يشي بوجود عدم رضا عن المسار القائم.
ويرى مراقبون أن ما يحدث في الشمال بدت تداعياته واضحة على الغوطة الشرقية، حيث أن النظام عاد ليصعّد بشكل “جنوني” هناك ما خلف مقتل أكثر من خمسين في يوم واحد.
وقال سراج محمود رئيس الدفاع المدني في ريف دمشق الذي تسيطر عليه قوات المعارضة لرويترز “ليست هناك اليوم منطقة آمنة على الإطلاق. هذه نقطة أساسية وركيزة أساسية العالم لا يعرفها.. ليست هناك منطقة آمنة”.
وأضاف أن هناك أشخاصا تحت الأنقاض الآن وإن الاستهداف مستمر والمقاتلات تحلق فوق المناطق السكنية.
وينفذ النظام السوري بمساعدة قوات مدعومة من إيران حملة عسكرية على الغوطة الشرقية تباطأت وتيرتها في الفترة الماضية، خاصة مع انعقاد مؤتمر سوتشي في روسيا لتعود اليوم بأكثر شراسة.
ويقول مراقبون إن الهدنة التي دعت إليها الأمم المتحدة باتت ضرورية وإلا فإن هذا التصعيد المسجل على أكثر من جبهة قد يقود إلى منعرج خطير يضر الجميع.
العرب اللندنية