وتحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني للمحتفلين عن “النصر” الذي حققته بلاده على “الإرهاب” في سوريا، وعن “هزيمة” الولايات المتحدة في العراق وسوريا ولبنان.
أما المرشد الأعلى علي خامنئي فرأى في المسيرات الحاشدة إحياءً لروح الثورة، مع أن المعارضين يؤكدون أنها لم تكن عفوية، وقالوا إن الحكومة دعت إليها النظام بكثافة، وقدمت سلالا غذائية لبعض الموظفين لتشجيعهم على المشاركة.
والأهم من ذلك خروج مظاهرات معارضة في اليوم نفسه رغم الاستنفار الأمني، ولا سيما في طهران ومشهد وكوركان وخورام آباد وتيران وكارفان، فضلا عن امتناع السكان في مناطق عدة عن الخروج بالمسيرات المؤيدة.
وجاءت هذه المظاهرات امتدادا لاحتجاجات اندلعت يوم 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي بمدينة مشهد وانتشرت في أنحاء البلاد، لكن النظام أخمدها بالقوة خلال أيام، وشهدت جرأة غير مسبوقة في التنديد بالنظام نفسه والمطالبة بإسقاطه، مع نعت خامنئي بالدكتاتور.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى، ففي أوائل تسعينيات القرن الماضي خرجت في الأرياف سلسلة احتجاجات ضد الفساد والغلاء، وفي عام 2009 اندلعت “الثورة الخضراء” بقيادة منظمة ودعم طلابي واسع، لكن النظام احتواها بالعنف، واكتسب بذلك خبرة في وأد الاحتجاجات قبل تحولها إلى ثورة عارمة.
ويقول المعارضون إن النظام الحاكم في إيران يحشد التأييد عبر خطابَي الترغيب والترهيب، أو الجزرة والعصا، فالترغيب يصاغ بضخ مشاعر الاصطفاء والتميز لحمل رسالة الخلاص العالمي عبر تصدير الثورة تمهيدا لخروج المهدي المنتظر، والترهيب يتلخص في الإبقاء على وتيرة الرعب المستمر من المؤامرات الخارجية.
تصدير الثورة
في لقاء تلفزيوني قبل خمس سنوات، قال أبو الحسن بني صدر -أول رئيس إيراني بعد الثورة- إنه لولا قيام الحرب ضد العراق عام 1980 لاندلعت حرب أهلية داخل إيران، ورغم رفض كثير من الإيرانيين لنظام الشاه وثورتهم عليه، فإنهم لم يتقبلوا حلول الملالي مكانه، فأشغلهم الخميني بالحروب عن معارضته.
انشغلت إيران بحرب مع العراق طوال ثماني سنوات، وكان وقودها الحماس لتصدير الثورة وحمل رسالة التشيع إلى العالم، في مقابل الدفع بمشاعر القومية العربية والجهاد السني للتصدي لها.
لكن سياسة نظام “الولي الفقيه” لم تقف عند هذه المعركة، فحزب الدعوة العراقي بقيادة محمد باقر الصدر ونوري المالكي حاول منذ تأسيسه مساندة المعركة بعمليات داخل العراق وخارجه، كانت أولاها محاولة اغتيال طارق عزيزنائب رئيس الوزراء العراقي في أبريل/نيسان 1980 بالجامعة المستنصرية في العاصمة بغداد.
وفي الخليج، حمل “حزب الله-الحجاز” شعارات الثورة بالطريقة نفسها، وشرع في تنفيذ التفجيرات بالسعودية عام 1987 كما يرجح مراقبون، رغم عدم الاعتراف الرسمي.
وإزاء فشل محاولات التغلغل في السعودية، حقق نظام الخميني نجاحا لافتا في لبنان، فبدأ بسحب البساط من تحت حركة “أمل” ليعيد تشكيل النفوذ الشيعي عبر “حزب الله” عام 1982، وشرع في تدريب عناصره عسكريا. ثم أصدر الحزب بعد ثلاث سنوات بيانا يعلن فيه التبعية المطلقة لولاية الفقيه المتمثلة في الخميني.
وفي 2008، امتلك حزب الله وحلفاؤه حق النقض في البرلمان اللبناني، وانتزع من الحكومة الاعتراف بوجوده كمنظمة مسلحة بذريعة “تحرير الأراضي المحتلة”، وانطلق من هناك لدعم النظام السوري في القمع العسكري للثورة السوريةعام 2012، حتى بات قوة ضاربة ومسيطرة على مناطق واسعة غربي سوريا.
ولم يفقد النظام الإيراني الأمل بالعودة إلى الخليج، فتبنى احتجاجات البحرين عام 2011 قبل أن تخمدها الحكومة بدعم خليجي. وقبل ذلك سعى لدعم الحوثيين في اليمن، ففي 2009 أعلنت الحكومة عن ضبط سفينة إيرانية محملة بالأسلحة، مما دفع السعودية لقصف جبال صعدة، ثم اشتبك الحوثيون مع الحكومة اليمنية بين عامي 2004 و2011، وانقلبوا أخيرا على النظام كله وما زالوا يحتلون صنعاء بدعم إيراني منذ ثلاث سنوات.
أما أهم إنجازات النظام الإيراني فكان في ملء فراغ السلطة في العراق بعد إسقاط صدام حسين عام 2003، حيث أصبح حزب الدعوة نفسه الحزبَ الحاكم، وما زال مسيطرا على العراق رغم الاحتجاجات المتكررة والصراعات المسلحة، وحتى بعد احتلال تنظيم الدولة الإسلامية لنصف مساحة البلاد.
ولم يمنع هذا النجاح قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري من الاعتراف في مايو/أيار 2015 بتوسع “الهلال الشيعي” في إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان، بحسب وكالة أنباء فارس.
المؤامرات الخارجية
منذ اليوم الأول للثورة، رفع الخميني شعار الصراع الوجودي مع “الشيطان الأكبر”، في إشارة إلى الولايات المتحدة، وتجلى ذلك في مهاجمة الثوار للسفارة الأميركية بطهران واحتجاز 52 أميركيا كرهائن لمدة 444 يوما.
طبقت واشنطن آنذاك عقوبات ضد طهران، واستمرت سلسلة فرض المزيد منها طوال عقود. وفي عام 2000 نجح الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في تخفيف العقوبات والتقارب مع الغرب، لكن خلفه المحافظ أحمدي نجاد رفع تعليق تخصيب اليورانيوم عام 2005 وأطلق تصريحات نارية ضد إسرائيل والغرب، ليتجدد فرض العقوبات والتضييق.
نجحت إيران في التقرب من الصين وروسيا لمقاومة الضغط، ولعبت بأوراق نفوذها الإقليمي مع خصومها باحتراف، ثم توجت إنجازاتها بعقد الاتفاق النووي مع الدول الست في أبريل/نيسان 2015، لتنفتح على العالم وتتخلص من العقوبات.
ورغم تنديد إسرائيل بالاتفاق، وإعلان الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب مرارا رفضه له، فإن تجميد العقوبات ما زال قائما، وتصريحات النظام بطهران ما زالت تكرر في كل مناسبة خطاب تحذير الشعب من المؤامرة، بينما يهتف أنصار النظام من اليمن إلى لبنان بنشوة النصر طوال 39 عاما على تلك “المؤامرة”.
الجزيرة