يواصل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون جولة في منطقة الشرق الأوسط، تشمل مصر والكويت والأردن ولبنان وتركيا، استبقتها توقعات من المسؤولين الأمريكيين أنفسهم تفيد بأن مباحثات الوزير سوف تكون صعبة في كل محطة. ولم يخالف هؤلاء الحقيقة والمنطق البسيط، بالنظر إلى أن واشنطن تواجه بالفعل مشكلات خلافية في جميع البلدان التي تشملها الزيارة.
ويلفت الانتباه أن ملف مباحثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين غائب عن المحطات الجغرافية في جولة تيلرسون، ولكنه حاضر على جدول أعمال كلّ عاصمة تحطّ فيها طائرة وزير الخارجية. فالقرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل السفارة الأمريكية إليها، سوف يجثم على طاولة مباحثات تيلرسون، شاء الضيف أم أبى المضيف!
وفي القاهرة وجد الوزير الأمريكي صعوبة بالغة في تمرير خطاب مستقيم حول أجواء الانتخابات الرئاسية المقبلة، واكتفى بترديد عبارات عامة وفضفاضة تفيد بأن واشنطن «تقف» مع الانتخابات، و«أمريكا وكل الدول الأخرى تدعم العملية الانتخابية الشفافة ونشجع المشاركة في الانتخابات». لكنه تغافل عن حقائق تهديد المرشحين الجديين أو اعتقالهم أو ابتزازهم، واقتصار الترشيح على شخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دون منافسة تذكر.
وفي الكويت حضر تيلرسون مؤتمر إعادة إعمار العراق، ومؤتمر وزراء خارجية التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفي المحفلين اتخذ مضطراً موقف الدفاع عن سياسات الولايات المتحدة. ففي الملف الأول أعلن أن مساهمة بلاده سوف تقتصر على استثمارات القطاع الخاص الأمريكي وليس الدولة، وفي الملف الثاني أقرّ بأنّ نهاية العمليات العسكرية لا تعني نهاية التنظيم الحتمية. وفي الخلاصة لم يخرج من جعبة تيلرسون سوى التصريح بأن بلاده تسيطر مع حلفائها على 30٪ من الأراضي السورية، وأن واشنطن سوف تتبرع بمبلغ 200 مليون دولار لدعم جهود الاستقرار في المناطق المحررة من تنظيم «الدولة الإسلامية».
وفي عمان سوف يواجه تيلرسون حرج الحكومة الأردنية إزاء قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك تعليق 65 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. والأرجح أن ما فشل في إنجازه نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس حين زار عمان مؤخراً، لن يفلح فيه الوزير تيلرسون. أما في بيروت، التي لم يزرها وزير خارجية أمريكي منذ أربع سنوات، فإن ملف «حزب الله» يشكل عقدة كبرى مستعصية، تكاد أن تعلن الفشل المسبق لهذه المحطة.
مباحثات أنقرة لن تكون أقل صعوبة، بل لعلها الأهم على الصعيد الاستراتيجي بالنظر إلى العلاقات التاريخية التركية ـ الأمريكية، وعضوية تركيا في الحلف الأطلسي، والامتيازات الأمريكية في قاعدة إنجرليك الجوية. وفي السنوات الأخيرة تدهورت تلك العلاقة المتميزة حين تضاربت مصالح البلدين في سوريا، بخصوص ملف التسليح الأمريكي للأكراد عموماً، ومشروع إنشاء قوة حدودية مشتركة مع فصائل كردية قوامها 30 ألف مقاتل.
ولأن تيلرسون باشر جولته بجعبة خاوية، فإن الفشل الذريع سوف يكون عنوانها الأبرز أو الوحيد.