توقعنا الاعدام للرئيس مرسي وليس السجن عشرين عاما.. ولكن القادم اعظم.. فعندما يبريء “القضاء” اركان حكم الرئيس مبارك كل شيء غير مستبعد.. وهذه هي حجتنا

توقعنا الاعدام للرئيس مرسي وليس السجن عشرين عاما.. ولكن القادم اعظم.. فعندما يبريء “القضاء” اركان حكم الرئيس مبارك كل شيء غير مستبعد.. وهذه هي حجتنا

اعترف بأنني فوجئت بالحكم الصادر عن محكمة الجنايات المصرية بالسجن عشرين عاما في حق الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي و12 آخرين من قيادات الاخوان المسلمين، ففي ظل صدور احكام الاعدام في حق المئات من انصار الحركة نفسها، ومن بينهم السيد محمد بديع المرشد العام، وارسال اوراقهم الى المفتي للتصديق عليها، واحكام البراءة التي صدرت في المقابل للرئيس حسني مبارك وابنائه والحبيب العادلي وزير الداخلية، توقعت ان يكون الاعدام هو الحكم المتوقع، وان يتم التسريع في عملية التنفيذ.

القضاء في مصر اصبح اضحوكة، واطلاق صفة التسييس عليه يبدو حكما مخففا، فالطريقة التي تتم في ظلها المحاكمات، وما تفتقده من ابسط اجراءات الدفاع عن النفس، والالتزام بقيم العدالة، والسرعة في اصدار عشرات الاحكام بالاعدام في غضون ايام معدودة، كلها تؤكد ان النظام القضائي المصري، الذي كان متميزا بصلابته في المنطقة العربية برمتها، لم يعد يمت بأي صلة الى الاستقلالية والعدالة.

ربما اكون قد تسرعت عندما قلت انني فوجئت بعدم صدور حكم الاعدام، فهناك عدة قضايا اخرى ما زالت في انتظار الرئيس مرسي، مثل الفرار من السجن، والتخابر مع جهات اجنبية، اي حركة “حماس″، ومن غير المستبعد ان يكون الحكم بالاعدام قد تأجل ريثما يتم البث فيها.

 ***

التقيت الرئيس محمد مرسي في قصر الاتحادية لما يقرب الساعة قبل الانقلاب الذي اطاح بحكمه بشهر تقريبا، واستمعت اليه وهو يتحدث عن التسامح، والوقوف الى جانب الفقراء والمعدمين، وتطوير صناعة عسكرية مصرية متقدمة، وتعزيز التنمية في المجالات كافة، والزراعية منها على وجه الخصوص، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، والقمح خاصة، وانهاء الاعتماد على استيراد القمع الامريكي، الذي يشكل ابرز اشكال التبعية.

لم اكن في اي يوم من الايام من انصار “الاخوان المسلمين”، ولم افكر يوما في ان اكون عضوا فيها او اي تنظيم سياسي آخر، ولكن كلمة الحق يجب ان تقال، واذا كانت هناك بعض المآخذ على حكم الرئيس مرسي، في نظر البعض، مثل الاخفاقات الاقتصادية، والادارية، وهي مآخذ مشروعة، فان الرجل لم يحكم الا لفترة لا تزيد عن 11 شهرا تقريبا، كانت عاصفة بالاعتصامات والاحتجاجات والمؤامرات الرامية لوضع العراقيل في طريقه، والعمل على افشاله، واثمرت كل هذه المؤامرات بالاطاحة به في نهاية المطاف، ووضعه خلف القضبان.

اعلم جيدا ان هذا الكلام لن يرض الكثيرين داخل مصر وخارجها، ولكن نحن هنا لا نكتب من اجل ارضاء هذا الطرف او ذاك، وانما الاقتراب بقدر الامكان من الحقيقة، وعدم التردد في ذكرها، حتى لو كان هذا يعتبر تغريدا خارج السرب، ويعرض صاحبه للكثير من المتاعب والشتائم في آن.

الرئيس مرسي الذي يحاكم بتهم ملفقة ويقبع خلف القضبان، ويرتدي “بزة” السجن البيضاء لاهانته، وقد تستبدل بالبرتقالية في يوم قريب تمهيدا لاعدامه، لم يسجن صحافيا، ولم يغلق محطة تلفزيون، واتسع صدره لكل النقاد والشتامين والمفبركين، وما اكثرهم في مصر وخارجها.

 ***

من الصعب علينا ان نرى استقرارا في مصر يؤدي الى تعاف اقتصادي، وخروج من الازمات المتفاقمة، في ظل غياب القضاء العادل المستقل، والمصالحة الوطنية، والايمان بمبدأ التعايش بين جميع اطياف اللون السياسي في ظل نظام ديمقراطي تعددي.

مثل هذه الاحكام التي لا تستند الى ابسط قيم العدالة، هي التي تفرخ الارهاب والعنف، لانها تصب في مصلحة التيارات المتطرفة، وتسهل عمليات تجنيدها للشباب المحبط الذي يواجه انسدادا في مختلف المجالات.

عندما تصدر احكام السجن والاعدام في حق الرئيس “الطيب” محمد مرسي ورفاقه في قضايا ملفقة، ويتمتع رجال حكم الرئيس مبارك ونجليه بالحرية، بعد تبييض القضاء نفسه لصفحاتهم الملطخة بالدماء والفساد، فان من حقنا ان نقلق على مصر ومستقبلها، ونقول بأعلى صوت انها ليست مصر الكبيرة الحنونة التي نعرفها ونحبها، ونتمنى لها ولشعبها الطيب الشهم كل الخير والاستقرار والصلاح، فهي الاصالة والريادة.

عبد الباري عطوان

راي اليوم