في أوائل الشهر الحالي، عُقد “مؤتمر ‘يوروموني‘ إيران” في باريس بهدف الجمع بين “المصرفيين والقادة الصناعيين الإيرانيين ونظرائهم الدوليين لمناقشة القضايا الرئيسية حول إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي”. وفي بداية المؤتمر، تعهّد محافظ “البنك المركزي الإيراني”، ولي الله سيف، بالتعاون الكامل مع المجتمع الدولي لتنفيذ المعايير التي وضعتها “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” [“الهيئة”].
وفي هذا الأسبوع، ستعقد “فرقة العمل” اجتماعها في نفس المدينة لاستعراض التقدم الذي أحرزته إيران بشأن خطة الإصلاح باعتبارها الخطوة الأولى في تحقيق الامتثال لمعايير “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”. وعلى الرغم من اتخاذ إيران مجموعة من الاجراءات التشريعية والتنظيمية في الأشهر الأخيرة، غير أن “الهيئة” قد تجد أنّ طهران لم تستوف بعد بالشروط المطلوبة لرفع اسمها من القائمة السوداء. وتخفي تصريحات سيف حقيقة أن بنداً رئيسياً في خطة عمل “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” بشأن بلاده لا يزال قيد النظر وهو: التجريم الكامل لتمويل الإرهاب.
ما هو على المحك؟
ذُكِرت إيران إلى جانب كوريا الشمالية في “البيان العام” للولايات القضائية الخاص بـ “فرقة العمل” كدولتان تعجزان عن معالجة أوجه القصور الاستراتيجية في “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب” منذ بدء العمل على القائمة في عام 2009. وبعد تنفيذ الاتفاق النووي، سعت إيران إلى الانخراط مجدداً مع “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”، إدراكاً منها بأن وضعها المتميز بعدم الامتثال شكّل عائقاً آخر أمام إعادة الاندماج مع النظام المالي العالمي.
وعلى مدى سنوات عديدة، دعت “فرقة العمل” الهيئات التنظيمية على المستوى الوطني في الدول الأعضاء إلى تنفيذ “إجراءات مضادة” ضد إيران نظراً “لخطر تمويل الإرهاب الذي ينبع من [هناك] والتهديد الذي يشكله على النظام المالي الدولي”. وعلاوة على الأضرار التي تلحق بالسمعة، تضع هذه الإجراءات متطلبات حقيقية على البنوك التي تتطلع إلى القيام بأعمال تجارية مع إيران. وفي حزيران/يونيو 2016، علّقت “فرقة العمل” هذه الإجراءات المضادة لمدة عام واحد استناداً على التزام طهران بتنفيذ خطة عمل يتفق عليها الطرفان لـ “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”. وتم تمديد التعليق في الجلسات العامة لـ “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” في حزيران/يونيو وتشرين الثاني/نوفمبر 2017.
وفي الوقت الراهن، تدعو بعض الأطراف إلى إعادة فرض الإجراءات المضادة نظراً لعدم التزام إيران بالمواعيد النهائية الخاصة ببعض بنود خطة عملها. ويأتي آخر اجتماع لـ “فرقة العمل” في الوقت الذي طلبت فيه الولايات المتحدة من “الاتحاد الأوروبي” النظر في القيود التي يمكن أن يفرضاها على إيران رداً على تهديد الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، في ظل غياب اتفاق تكميلي يتناول ما وصفته واشنطن بعيوب الصفقة.
غير أن آخرين يشيرون إلى أن طهران مستعدة لرفع اسمها من عملية الرصد التي تقوم بها “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”.كما يقولون بأن المناقشات حول إيران أدّت إلى تسييس الشؤون التكنوقراطية، التي تحظى بتوافق آراء أعضاء “الهيئة” البالغ عددهم سبعة وثلاثين، والتي تشمل روسيا والصين. وفي الثامن من شباط/فبراير، حذّر حسين غريبي في مقال نشره في صحيفة “فاينانشيال تريبيون” الإيرانية التي تصدر باللغة الإنجليزية، من أن مصداقية “فرقة العمل” على المحك. وأضاف أن “إيران أثبتت نجاحها في تطبيق مستوى مقبول من المعايير في العديد من مجالات المعاملات المالية والمصرفية”.
عدم اكتمال الإجراءات المتعلقة بتمويل الإرهاب
ومع ذلك، لا تزال طهران تعاني من قصور في تجريم تمويل الإرهاب. وتتمثل إحدى المشاكل الرئيسية في أن تعريف الإرهاب المنصوص عليه في “قانون مكافحة الإرهاب” في إيران يعفي “الإجراءات التي تتخذها الدول أو الجماعات أو منظمات التحرير بهدف وضع حد للاحتلال الأجنبي والاستعمار والعنصرية”. وعلى الرغم من أن “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” تشترط اعتماد البلدان للعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة فقط، والتي لا تدرج الجماعات التي ترعاها إيران مثل «حماس» و «حزب الله»، فإن الإعفاءات المماثلة لـ “قانون مكافحة الإرهاب” لم تلق قبولاً لدى “فرقة العمل” في الماضي.
ومع ذلك، يبدو أن مشروعي القانونين المتبقيين اللذين هما قيد النظر في البرلمان الإيراني يحتفظان بهذا الإعفاء. على سبيل المثال، يشير مشروع القانون المتعلق بالتصديق على “اتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب” إلى أن اعتراف إيران بـ “نضال الشعوب ضد الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي” لا يسمح لها بالاعتراف “بإطار الاتفاقية المكتوب المتعلق بالإرهاب”. وبالمثل، يشير مشروع قانون شقيق يحتوي على تعديلات على “قانون مكافحة الإرهاب” في إيران إلى أنه لا يمكن إصدار قوائم الإرهاب إلا بما يتماشى معالمادة 154 من الدستور التي تدعم “نضالات المظلومين من أجل حقوقهم ضد الظالمين في أي مكان في العالم”. ولم يتّضح بعد ما إذا كانت التعديلات تلغي أي صياغة من “قانون تمويل الإرهاب” لعام 2016 الذي يعفي صراحة “منظمات المقاومة” من تعريف الإرهاب.
وحتى مع هذه المؤهلات، لا يزال التشريع يواجه معارضة سياسية محلية من قبل الفصائل المتشددة في إيران. وقد ضاعفت الحكومة التزامها بدعم هذه الجماعات في ضوء الجدال الأخير. وفي هذا السياق، رفضت وزارة الخارجية الانتقادات الموجهة ضدّ “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية” – التي صادق عليها البرلمان في منتصف كانون الثاني/يناير كخطوة مستقلة نحو الامتثال لمعايير “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”- وأصدرت البيان التالي في 29 كانون الثاني/يناير: “في وثيقة الانضمام، أعربت حكومة الجمهورية الإسلامية عن تحفظها بأن تنفيذ الاتفاقية لا ينبغي أن يعترض على الحق المشروع للشعوب [التي تقع] تحت السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي في مكافحة العدوان والاحتلال وحق تقرير المصير”. وأضاف المسؤولون أن “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية” لا تشمل أنشطة ما يسمى بـ “جماعات الحرية” وأن “الخبراء البارزين” “قاموا بعملية تمحيص صارمة … لفعالية التحفظات التي تعرب عنها الدول الموقعة عند قبول الاتفاقية”، على افتراض أن التنازع في القوانين قد أعفى إيران من هذه القيود. غير أن المنتقديين في البرلمان الذين يعارضون انضمام إيران إلى “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية” قالوا إن التحفظات “لا قيمة لها” وأنها بمثابة دعوات إلى نزع سلاح «الحرس الثوري الإسلامي» و «حزب الله».
الشَوْط الذي تيعين قطعه ما زال طويلاً
إن إكمال خطة العمل الإيرانية ليست سوى الخطوة الأولى لطهران في العملية التي تتطلبها “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”. ووفقاً لـ “صندوق النقد الدولي”، طلبت الحكومة إجراء أول تقييم كامل لها مقارنة بالمعايير المالية لـ “فرقة العمل” (أو “التقييم المتبادل”) في أواخر هذا العام. وفي هذا التقييم، سوف تُستعرض إيران على ضوء مجموعة من المعايير التي وضعتها سابقاً “فرقة العمل” والتي تم تحديثها في عام 2012 لزيادة التركيز على فعالية “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب” وليس مجرد الامتثال الفني. وبالتطلُّع إلى آفاق المستقبل للمستوى التالي لمعايير “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”، شجّع “صندوق النقد الدولي” طهران على إعطاء الأولوية لثلاث مهام: تحسين فهمها لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز أطرها التنظيمية والإشرافية، وتعزيز شفافية الكيانات.
وفي الوقت نفسه، تجد الشركات الإيرانية نفسها في معضلة بلا حل. فهي تواصل الانخراط في ممارسات خادعة للتغلب على إحجام المصارف الدولية عن تجهيز المدفوعات المتعلقة بإيران، بيد أنّ هذه الممارسات هي السبب وراء هذا الإحجام في المقام الأول. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2017، تم تجميد حسابات الأعمال التجارية الإيرانية في الصين ودبي وماليزيا بعد اكتشاف قيام شركات البتروكيماويات بتزوير وثائق الشحن لإخفاء الأصل الإيراني للبضائع من أجل ضمان تمويل التجارة. وفي هذا الصدد، قال مسؤول إيراني في مجال البتروكيماويات للصحافة المحلية “لا يزال يتعين علينا تحويل أموالنا بواسطة الأساليب التي اتبعناها خلال فترة العقوبات”. وبدورها، أشارت الصين إلى تعزيز الإنفاذ على مصارفها استعداداً للقيام بتقييمها الخاص المتعلق بـ “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” في منتصف عام 2018.
إبراز القضية الفنية
على الرغم من هذه المعضلات، أنجزت إيران العديد من المهام المطلوبة بموجب خطة عمل “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”، ولذلك، هناك بعض الأمل في اعتماد حلّ توفيقي. فقد أصدرت لوائح جديدة بشأن حركة الأموال النقدية وغيرها من الضوابط الأخرى لمكافحة غسل الأموال عبر الحدود، إلى جانب التصديق على “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية”. وعلى الرغم من أن هذه الجهود قد واجهت معارضة سياسية محلية، إلّا أنّها وجدت أيضاً تأييداً بين أولئك الذين يدركون أن جوهر هذه الإصلاحات هو الالتزام بالمزيد من الشفافية في النظام المالي للبلاد. ويأتي هذا التقدم في وقت يواجه فيه المسؤولون الماليون الإيرانيون ضغوطاً عامة كبيرة لمعالجة الاخفاقات في مختلف مؤسسات الائتمان، الأمر الذي ساعد على إثارة الاحتجاجات في كانون الأول/ديسمبر.
ومع ذلك، فمن مصلحة الولايات المتحدة بقاء إيران في الوقت الحالي ضمن قائمة السلطات القضائية الخاصة بالمخاطر الكبيرة وعدم التعاون التابعة لـ “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”. ويتطلب ذلك توجيه اتهام فنّي ضدّ طهران، وهناك قضية فنية قوية يمكن بناؤها هنا. وعلى الرغم من الاجتماعات الإيرانية العديدة مع مسؤولين في “فرقة العمل” على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، إلّا أنّ تشريعات “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب” الجاري إعدادها في الجمهورية الإسلامية تُبقي على الإعفاءات غير المقبولة عادة والخاصة بمنظمات “المقاومة”. ومن خلال التركيز على القضية الفنية، بإمكان الوفد الأمريكي للجلسة العامة لـ “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” أن يجعل النقاش يدور حول نزاهة “فرقة العمل”، وليس حول إيران.
كاثرين باور
معهد واشنطن