تشير التقارير الواردة من موسكو بأن عدداً ما من الروس المسلحين –بما يصل إلى نحو 200- قد قُتلوا على يد التحالف المناهض لتنظيم “داعش” تحت قيادة الولايات المتحدة، بعد عبور خط نهر الفرات لمنع الاشتباك في شرق سورية يوم 7 شباط (فبراير). وإذا كانت هذه التقارير صحيحة، فقد كان هذا هو الحادث الأكثر دموية بما لا يقاس بالنسبة للأفراد الروس في تدخل موسكو العسكري في سورية في نهاية أيلول (سبتمبر) 2015.
تبقى الدرجة التي عرف بها الكرملين مسبقاً عن الاجتياز سيئ المشورة لنهر الفرات، غير واضحة. وتقول المصادر العسكرية الأميركية أن الاتصالات بينهم وبين نظرائهم الروس في سورية لم تعانِ من الانهيار أبداً، وأن سلاح الجو الروسي لم يتدخل مطلقاً نياباً عن الغزاة.
على الرغم من أن موسكو أصدرت تصريحات دعائية في أعقاب العملية، عن الشهوة الأميركية لموارد النفط السورية والنفور الأميركي من قتال “داعش”، فقد كان رد فعل الكرملين على الخسائر الروسية مكبوت الصوت. واقترحت بعض التقارير أن أثقل الخسائر كانت في صفوف الشيشان. وقالت أخرى إن القوة المهاجِمة كانت تتكون من أفراد من مختلف أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق. ومع ذلك، اقترحت تقارير أخرى أن المهاجمين كانوا مرتزقة يعملون على أساس ارتباط بحبل طويل يبقيهم على مسافة بعيدة من الكرملين.
كان المرء ليتوقع أن يُستخدم في عملية جسّ نبض من هذه الطبيعة مرتزقة أفغان أو عراقيون من الذين تجندهم إيران بشكل حصري. وقد ظل هؤلاء حتى الآن هم السلع الاستهلاكية –علف المدافع- المفضلة في داخل الصفوف الموالية لنظام الأسد. ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن هناك، بالإضافة إلى الخسائر الروسية، وحدة نظامية من الجيش السوري، والتي ضُربت بشدة أيضاً. وقد أصبح جيش الأسد منضَّباً حتى أنه لم يعد من المفاجئ أن يتم تلقيم وحدات نظامية قصداً في مفرمة اللحم.
ليس من المفاجئ على الأطلاق أن الوحدات التابعة لنظام الأسد ربما تحاول اختبار عزم أولئك الذين يحاولون إضفاء الاستقرار على شرق سورية. وكان علي أكبر ولايتي، مستشار السياسة الخارجية للمرشد الإيراني الأعلى، قد قال مؤخراً لوكالة ميهر الإيرانية للأنباء: “إما أنهم (الأميركيون) سيغادرون شرق الفرات في سورية، أو أننا سنطردهم من هناك”. وربما كان القصد من تقرُّب جس النبض الذي وقع يوم 7 شباط (فبراير) –على الرغم من تكوين القوة المهاجِمة- هو أن يكون بمثابة اختبار لمدى استعداد المدافِعين للدفاع. وينبغي أن تقنع نتائج الاختبار السيد ولايتي على الأقل بأن الوسائل غير المتماثلة لمواجهة استقرار ما بعد “داعش” في شرق سورية هي أكثر احتمالاً لتحقيق النجاح من استخدام الهجمات المباشرة.
في حقيقة الأمر، يبدو أن المكان الذي تتلاقى فيه المصالح الروسية والإيرانية في سورية هو تصميمهما المشترك على طرد الولايات المتحدة من سورية ومن المنطقة الأوسع. وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، قاتل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش” –والذي ليست روسيا وإيران ولا نظام الأسد أعضاء فيه- من أجل تخليص شرق سورية من الخلافة الزائفة ومجموعة السارقين والقتلة والمغتصبين الذين جذبتهم إلى سورية. وخلال هذا الوقت، أولت روسيا، وإيران ونظام الأسد القليل من الاهتمام لـ”داعش”، مركزين قوة نيرانهم بدلاً من ذلك على إنقاذ الأسد باستخدام حملة من العقاب الجماعي، والتي ميزتها ممارسات الإبادة الجماعية. ولن يكون من المستغرب مطلقاً أنهم يسعون الآن إلى المساعدة في انبعاث “داعش” من خلال محاولة تقويض استقرار المنطقة التي تم تحريرها من الخلافة.
في كانون الأول (ديسمبر) 2017، كافأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه بلحظة “المهمة أنجزت” وأعلن –للمرة الثانية منذ أيلول (سبتمبر) 2015- أن القوات الروسية سوف تنسحب من سورية. ولا شك في أن الجمهور المستهدف لهذه القطعة من التضليل هم الناخبون الروس الذين يسعى بوتين إلى كسب دعمهم في الانتخابات الرئاسية في آذار (مارس) 2018.
حتى مع أن خسائر روسيا كانت في الحدود الدنيا، فإن نظاماً كليبتوقراطياً سوف يخشى دائماً من تنامي المشاعر الشعبية بأن الموارد الشحيحة أصلاً يجري تبديدها على مغامرات خارجية عديمة الجدوى. وفي الحقيقة، سمع القادة في إيران –بما هم عليه- هذه الرسالة بصوت عالٍ وواضح خلال الموجة الأخيرة من الاحتجاجات في بلدهم. وقد تمكن بوتين حتى الآن من تحييد هذه الحجة على الصعيد المحلي عن طريق الادعاء بأن نجاح موسكو في إنقاذ الرئيس الأسد غير المثير للإعجاب هو العرض (أ) لعودة روسيا إلى مكانة القوة العظمى. وبهذا المعنى، يكون رد فعل الكرملين الصامت على عملية 7 شباط (فبراير) الفاشلة مفهوماً تماماً.
كما أن تصميم روسيا على البقاء عسكرياً في سوريا حتى يصبح بشار الأسد آمناً تماماً هو أمر مفهوم تماماً بالمثل. ومع ذلك، حتى لو اختفى كل أعداء الأسد اليوم، وحتى لو تخلت الولايات المتحدة عن مهمة إضفاء الاستقرار على شرق سورية غداً، فإن عميل روسيا سيكون رئيساً على حفرة يتصاعد منها الدخان. ولا تمتلك موسكو ولا طهران الموارد أو الاهتمام بإعادة أعمار الشيء الذي ساعدتا في تدميره. ويمكن توقع أنهما ستعمدان إلى ابتزاز أوروبا غربية خائفة من مواجهة موجة هجرة شبيهة بموجة العام 2015.
ربما لن تُعرَف الحقيقة الدقيقة الكامنة وراء الهجوم الكارثي يوم 7 شباط (فبراير) أبداً. ما الذي دار في خلد المهاجمين؟ هل اعتقدوا حقاً أن القوات الأميركية ستسمح بانتهاك خط نهر الفرات لمنع الاشتباك؟ ربما كان الأمر كذلك. ربما خلطوا بينه وبين خطٍ أحمر آخر ذهب منذ سنوات!
فريدريك سي. هوف
صحيفة الغد