لم يتوجه المقدسي أديب جودة، أمين مفتاح كنيسة القيامة، صباح اليوم إلى الكنيسة للإشراف على فتحها، وهو أمر لم يتوقع حدوثه مطلقا حسب وصفه، في حين لم يصعد وجيه نسيبة السلم ليفتح باب الكنيسة.
فعند انتصاف نهار أمس الأحد بالتوقيت المحلي أعلنت الطوائف المسيحية في القدس إجماعها على إغلاق كنيسة القيامة في البلدة القديمة من المدينة، احتجاجا على قرار بلدية الاحتلال فرض ضرائب على أملاك الكنائس فيها.
وتبع هذا الإجماع إغلاق فعلي لباب الكنيسة الأثري المصنوع من الخشب، ونفذ الإغلاق اثنان من أبناء عائلتين مقدسيتين مسلمتين؛ إحداهما مسؤولة عن المفتاح (جودة) وأخرى (نسيبة) مسؤولة عن عملية الفتح والإغلاق، وبالفعل صعد وجيه نسيبة على سلم إلى أعلى الباب وأغلقه حتى إشعار آخر، لترتسم الدهشة على وجوه السياح المسيحيين الذين وصلوا إلى المدينة قاصدين زيارة كنيسة قيامة المسيح وقبره المقدس.
إجماع مسيحي
إجماع رؤساء الكنائس (الروم، واللاتين، والأرمن) أمس على إغلاق كنيسة القيامة، هو الثاني في تاريخها، والمرتان في ظل الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تم الإغلاق سابقا قبل ثلاثين عاما، وتحديدا في 27 أبريل/نيسان 1990.
حينها، أغلقت الكنيسة أبوابها لمدة 48 ساعة، احتجاجا على احتلال أعضاء من الجمعية الاستيطانية “عطيرت كوهنيم” مبنى الضيافة في دير “مار يوحنا” المقابل لكنيسة القيامة، وهو ملك لبطريركية الروم الأرثوذكس، وذلك بعد مضي أسبوعين على احتلال المبنى وفشل كل مساعي خروجهم منه.
ويقول الناطق باسم بطريركية الروم الأرثوذكس الأب عيسى مصلح إنه بعيدا عن هذين الإغلاقين بقيت أبواب الكنيسة مفتوحة، ولم تشهد إغلاقا على الإطلاق، باستثناء توقف الصلوات في أوقات الحروب والزلازل.
وتتشارك الطوائف المسيحية الشرقية والغربية الصلاة والعبادة في كنيسة القيامة التي بنيت فوق “الجلجلة”، وهي مكان الصخرة التي يعتقد المسيحيون بأن عيسى عليه السلام صلب عليها، كما تحتوي على القبر المقدس مكان دفنه، وفق تلك المعتقدات.
وتتقاسم الطوائف المساحات والمسافات المحددة لكل منها داخل الكنيسة، وفق ما يسمي “الستاتيكو” (الوضع الراهن)، وهو بمثابة قانون عثماني ما زال معمولا به حتى اليوم، وُضع لتثبيت حقوق كل طائفة وجماعة دينية في القدس عموما، وفي كنيسة القيامة على وجه الخصوص، وتحدد من خلاله كيفية استخدام كل طائفة للمساحة المخصصة لها.
ويوجد في كنيسة القيامة دير للكاثوليك، وآخر للروم الأرثوذكس، وثالث لطائفة اللاتين، ورابع للأرمن، أما الأقباط فلهم دير وكنيسة القديس أنطونيوس، ويقعان خارج كنيسة القيامة، في حين يقيم الأحباش في دير السلطان على سطح كنيسة القديسة هيلانة، ويقيم السريان صلواتهم وفقاً للستاتيكو في دير القديس مرقس، وهو معبد للأرمن قريب من القبر المقدس.
ويهدف قرار إغلاق الكنيسة حتى إشعار آخر إلى ثني بلدية الاحتلال عن قرارها فرض الضرائب المقدرة بمئات ملايين الدولارات، لما للكنيسة من مكانة دينية عند مسيحيي العالم، يحجون إليها من كل بقاع الأرض.
أملاك واسعة
وتقدر أملاك الكنيسة المسيحية بنحو 32% من مساحة البلدة القديمة في القدس، وتشمل هذه النسبة إلى جانب أماكن الصلاة والعبادة، نحو 130 مؤسسة، وعشر مدارس، وأربعة مستشفيات، وغيرها من العقارات.
ووصف رئيس اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس حنا عميرة قرار الاحتلال فرض الضرائب بالعدواني، واعتبره خرقا للستاتيكو في محاولة لتفريغ المدينة لتحقيق أهداف سياسية، خاصة أنه جاء عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اعتبر القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
وقال في حديثه للجزيرة نت إن إغلاق الكنيسة قرار صعب، لكنه اضطراري، مؤكدا أنه وإن كان سيؤثر على السياحة الدينية للمدينة فإنه سيوصل رسالة للعالم أجمع لتوجيه أنظاره إلى القدس وأوقافها الإسلامية والمسيحية للوقوف أمام العدوان الذي تتعرض له من قبل الاحتلال.
ويشير أديب جودة إلى مئات الزوار الذين حضروا أمس واليوم من أنحاء العالم إلى كنيسة القيامة، لكنهم فوجئوا بإغلاقها، مضيفا أن “المجموعات السياحية تصل تباعا، فيتفاجؤون بالإغلاق، لكنهم يتفهمونه ويعودون إلى حافلاتهم”.
وأشار إلى أن الإغلاق جاء في فترة حساسة، وهي استعدادات المسيحيين لعيد الفصح، حيث يتوقع وصول مئات الآلاف من المسيحيين من أنحاء العالم.
المصدر : الجزيرة