في 27 شباط/ فبراير، أعاقت روسيا مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يهدف إلى الضغط على إيران في أعقاب تقرير مشين أعده “فريق خبراء الأمم المتحدة حول اليمن”. وفي الشهر الماضي، خلُص تقرير اللجنة السنوي بشكل قاطع إلى أن “جمهورية إيران الإسلامية لا تمتثل للفقرة 14 من القرار 2216 (لعام 2015)”، في إشارةٍ إلى الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة للمتمردين الحوثيين في اليمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وقد نُشر التقرير بالتزامن مع لقاء جمع عدداً من الدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين على هامش “مؤتمر ميونيخ للأمن” الذي انعقد بين 16 و 18 شباط/ فبراير بهدف ايجاد سبل لتقييد أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، ومن ثم إقناع إدارة ترامب بتمديد فترة الاعفاءات من العقوبات الأمريكية التي تنتهي في 12 أيار/مايو. وإذا كانت دول رئيسية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا تبحث عن طريقة لبدء المفاوضات بشكل صحيح، فإن أحد الخيارات القوية هو فرض عقوبات جديدة من قبل “الاتحاد الأوروبي” على شركات تطوير الصواريخ الإيرانية التي ربطتها لجنة الأمم المتحدة بتهريب الأسلحة إلى اليمن.
أدلة مفصلة من قبل الأمم المتحدة
كان تقرير اللجنة الصادر في 26 كانون الثاني/يناير بشأن اليمن محدداً بشكل خاص في شرح سبب اعتبار طهران غير ممتثلة، إذ ذكر: “إن جمهورية إيران الإسلامية … أخفقت في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع التوريد المباشر أو غير المباشر لصواريخ “بركان- 2H” الباليستية قصيرة المدى أو بيعها أو نقلها، فضلاً عن صهاريج التخزين الميدانية للوقود الدفعي السائل ثنائي الداسر للقذائف وطائرة “أبابيل- ت” (“قاصف-1“) الاستطلاعية بدون طيار، إلى تحالف صالح مع الحوثيين آنذاك… وقد حدّدت اللجنة الآن مؤشرات قوية على توريد المواد الخاصة بالأسلحة المصنعة في جمهورية إيران الإسلامية أو الصادرة عنها، وذلك بعد وضع الحظر المستهدف [لتوريد] الأسلحة في 14 نيسان/أبريل 2015، ولا سيما في مجال تكنولوجيا القذائف التسيارية القصيرة المدى والمركبات الجوية بدون طيار”.
وتنقسم النتائج التي توصلت إليها الأمم المتحدة ضد إيران إلى ثلاث فئات رئيسية:
· توفير صواريخ باليستية بعيدة المدى. زار خبراء من الأمم المتحدة المملكة العربية السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر لتفقّد بقايا أربعة صواريخ تم إطلاقها على المملكة من اليمن (ثلاثة أُطلقت على الرياض في 19 أيار/مايو و 4 تشرين الثاني/نوفمبر و 19 كانون الأول/ ديسمبر، وصاروخ واحد على ينبع في 22 تموز/يوليو). وخلص الوفد إلى أنّ “خصائص التصميم الداخلي والسمات الخارجية ومقاييس [البقايا] تتّسق مع تلك الخاصة بصاروخ “قيام-1″ المصمّم والمصنّع في إيران. ويعني ذلك أنه تم إنتاج [هذه الصواريخ] بشكل شبه مؤكد تقريباً من قبل نفس الشركة المصنعة”. وعلى وجه التحديد، ظهرت على الحطام علامات تتفق مع الأنظمة التي وضعتها “مجموعة الشهيد باقري الصناعية” (SBIG) الإيرانية. وخلصت الأمم المتحدة كذلك إلى أنّ نوع السلاح المهرّب من إيران إلى الحوثيين “لم يكن صاروخاً باليستياً قصير المدى من طراز “قيام-1″، بل هو نسخة أخفّ وزناً، مصمّمة خصيصاً من قبل الشركات المصنّعة لـ “قيام-1″ من أجل توسيع نطاقه إلى أكثر من 1000 كيلومتر عن طريق خفض الوزن”. وبعبارة أخرى، صمّمت إيران شكلاً بديلاً من أجل [تحقيق] الهدف الواضح المتمثل في تمكين الحوثيين من ضرب الرياض ومدن أخرى تصل إلى بُعد 1000 كيلومتر من مناطق سيطرتهم.
· توفير معدات وقود الصواريخ. [خلصت لجنة الأمم المتحدة] أيضاً إلى أن طهران لا تمتثل للحصار، إذ تم العثور على المكوّنات المصنّعة أو المشتراة من قبل شركات إيرانية داخل خزّانات حفظ ثنائية الداسر تعمل بالوقود السائل تم اعتراضها في طريقها إلى الحوثيين. وتدعم هذه الخزّانات إعادة معالجة حمض النتريك المدخّن الأحمر المثبَّط، وهو مؤكسد الوقود الدفعي ثنائي الداسر المستخدم في الصواريخ الباليستية قصيرة المدى. وأشارت لجنة الأمم المتحدة إلى أنّ اثنين من المكوّنات تم تصنيعهما في إيران، في حين تم توريد ثلاثة أخرى إلى إيران من قبل شركات تصنيع أجنبية “تم دفع ثمن أحدها من خلال حساب مصرفي أوروبي”.
· توفير طائرات بدون طيار من طراز “قاصف-1”. أفاد خبراء الأمم المتحدة أيضاً أنّ عدداً من الطائرات بدون طيار من طراز “قاصف-1” والمكوّنات ذات الصلة التي وُجدت في اليمن كانت “مطابقة تقريباً في التصميم والمقاييس والقدرة لـ “أبابيل- ت” المصنّعة من قبل “شركة صناعة الطائرات الإيرانية” “. وبناءً على تصميم الطائرات بدون طيار وتعقّب الأجزاء المكوّنة، خلصت اللجنة إلى أنّ المواد اللازمة لتجميع “قاصف-1″، “قد انبثقت عن جمهورية إيران الإسلامية.” وأوضحت اللجنة أنّه “تم توفير مكوّنين على الأقل من المنظومة إلى [إيران] بعد تنفيذ الحظر المفروض على الأسلحة. وتم استخدام طرف وسيط ثالث كطريق لتمويل أحد المكوّنات، فضلاً عن حساب وسيط في دولة ثالثة. ويدلّ ذلك على محاولة متعمّدة لإخفاء الوجهة النهائية للمكوّنات.”
بالإضافة إلى ذلك، تواصل اللجنة التحقيق في الوقائع الأخرى المدّعى بها حول تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، وتشمل هذه الحالات أدلة قاطعة على أنه تم تزويد أنظمة توجيه لقارب متفجر بدون قبطان، وأدلة قوية على نقل أنظمة شاملة للصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.
وتُظهر النتائج كلها التي توصلت إليها اللجنة بوضوح أن إيران “فشلت في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع توريد المعدات العسكرية ذات الصلة أو بيعها أو نقلها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى قوات الحوثيين وقوات صالح، التي تعمل بناءً على توجيهات من أفراد تم إدراج أسماؤهم في القائمة.” وتشمل الجهات الإيرانية الفردية الضالعة في انتهاك الجزاءات “مجموعة الشهيد باقري الصناعية” (SBIG)، و”مجموعة شهيد همّت الصناعية” (SHIG)، و”الشركة الإيرانية الصناعية لصناعة الطائرات” (HESA)، وهي شركة تابعة لـ “منظمة صناعة الطائرات الإيرانية” [التي هي نفسها جزء من “منظمة الصناعات الدفاعية” (DIO)]. وقدّمت الأمم المتحدة طلبات تعقب تتعلق بمسار هذه المعدات الإيرانية في 26 تشرين الثاني/نوفمبر و11 كانون الأول/ديسمبر و14 كانون الأول/ديسمبر، لكن لم يصل أي رد من الحكومة [الإيرانية].
توقعات اتخاذ إجراءات أوروبية
في 13 شباط/فبراير، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن انتشار الصواريخ الإيرانية داخل سوريا واليمن يشكّل تهديداً على الحلفاء في المنطقة. وطالب بوضع إيران “تحت المراقبة بشأن صواريخها الباليستية” واقترح فرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. ومن شأن اتخاذ مثل هذه الإجراءات على مستوى “الاتحاد الأوروبي” الأوسع نطاقاً أن يوجّه رسالةً قويةً مفادها أن أوروبا ترى انتشار القذائف الإيرانية بمثابة تهديد، وأنها مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة للتصدّي لها.
ومن أجل ايجاد الكيانات التي ينبغي استهدافها في هذه العقوبات، لا يتعين على “الاتحاد الأوروبي” سوى النظر في الاجراءات الأمريكية الأخيرة. فمنذ تنفيذ الاتفاق النووي، فرضت واشنطن عقوبات على ثمانية وثمانين كياناً إيرانياً لقيامها بأنشطة متعلقة بالصواريخ الباليستية،غير أنّ ثلاثة منها فقط تندرج في قائمة “الاتحاد الأوروبي”. كما أن عدداً من العقوبات الأمريكية الأخيرة تستهدف الشركات التابعة لـ”مجموعة الشهيد باقري الصناعية” (SBIG) و”مجموعة شهيد همّت الصناعية” (SHIG) و”منظمة الصناعات الدفاعية” (DIO)، والتي تبقى جميعها معرضة لعقوبات الأمم المتحدة وبالتالي “الاتحاد الأوروبي”.
فعلى سبيل المثال، في 4 كانون الثاني/يناير، قامت وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على خمس شركات فرعية تابعة لـ”مجموعة الشهيد باقري الصناعية”، التي سبق أن اتخذ “الاتحاد الأوروبي” تدابير بحق أحدها (وهي “شركة شهيد خرازي للصناعات”). ويملك “الاتحاد الأوروبي” حق تسمية الشركات الأربعة الأخرى في إطار “لائحة المجلس الأوروبي 267/2012″، التي تم تعديلها وليس إلغاءها بعد الاتفاق النووي.
ويلاحَظ أيضاً أنه في تموز/يوليو 2017 أدرجت الولايات المتحدة أسماء ست شركات تابعة لـ”مجموعة شهيد همّت الصناعية”(SHIG) لأنها قامت بتصنيع هياكل ومحركات الصواريخ الباليستية ذات القوة الدافعة، فضلاً عن أنظمة التوجيه والتحكم من النوع نفسه التي وُجدت بين الحطام الذي خضع للتفتيش في المملكة العربية السعودية. كما سعى الكونغرس إلى تسليط الضوء على هذه الأنشطة الإيرانية كجزء من “قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”، الذى تم تبنّيه في آب/أغسطس ويستدعي من الإدارة الأمريكية إصدار تقرير حول تنسيق العقوبات بين الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوربي” كل ستة أشهر.
وقد سلّطت إجراءات أمريكية أخرى الضوء على تعاون إيران في مجال الصواريخ مع كوريا الشمالية وجهودها الرامية إلى نشرها في سوريا. وفي كانون الثاني/يناير 2016، تمّ إدراج اسم المدير التجاري لـ”مجموعة شهيد همّت الصناعية” (SHIG) السيد جواد موسوي لعمله مع مسؤولين من “شركة تنمية التعدين الكورية” (KOMID) المدرجة في قائمة الأمم المتحدة أيضاً. وفي أيار/مايو 2017، تمّ فرض عقوبة بحق نائب مدير الشؤون التجارية في “منظمة الصناعات الدفاعية” (DIO) مرتضى فاراسات بور لتنسيقه عملية بيع وتسليم متفجرات إلى “مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية”، وهي وكالة حكومية سورية مسؤولة عن الأسلحة غير التقليدية ونظم التوصيل. وشملت العقوبة أيضاً مراقبة قروض تابعة لـ”منظمة الصناعات الدفاعية” (DIO) بلغت قيمتها عشرات الملايين من الدولارات.
وللاستفادة من التدابير الأمريكية بطريقة تقلل من العقبات الدبلوماسية المحتملة، ينبغي على واشنطن أن تشجع القادة الأوروبيين على اتخاذ إجراءات متابعة خاصة بهم، مذكرةً إياهم بأن هذه الإجراءات (1) لا تتعارض مع التزاماتهم بموجب الاتفاق النووي و (2) من غير المرجح أن تعرقل العلاقات التجارية لـ “الاتحاد الأوروبي” لأن الكيانات الإيرانية المعنية معزولة أساساً عن النظام المالي الدولي بسبب التصنيفات الأمريكية.
ومن المؤكد أن العقوبات الجديدة لن تكون كافيةً لتعطيل تدفق الصواريخ الإيرانية إلى اليمن. ويعتبر الحظر [الاعتراض] البحري أمراً ضرورياً، وبعضه يحدث بالفعل. وقد أوصى تقرير الأمم المتحدة باتخاذ المزيد من الإجراءات المماثلة، مثل وضع “آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة” بصورة دائمة في ميناء الحديدة. يتعين على الوكالات الأمريكية العمل أيضاً مع نظيراتها الأوروبية للتحقيق في أنشطة شراء الصواريخ الإيرانية المذكورة في تقرير الأمم المتحدة وتعطيلها، والنظر في فرض عقوبات مشتركة لفضح الجهات الإيرانية المعنية بالمشتريات التي تستخدم شركات واجهة تعمل في الخارج. وفي الوقت نفسه، فإن أي جهد يرمي إلى جعل العقوبات التي يتخذها “الاتحاد الأوروبي” أكثر اتساقاً مع واشنطن من شأنه أن يبعث رسالةً واضحة مفادها أنّ أوروبا مستعدة للعمل مع إدارة ترامب، ومواجهة إيران والدلالة على أفعالها السيئة من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي.
مايكل نايتس و كاثرين باور
معهد واشنطن