الجزائر – تثير التصريحات المنسوبة إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من قبل شخصيات محسوبة على محيط قصر الرئاسة جدلا كبيرا في الأوساط الجزائرية، رغم تراجعها في الفترة الأخيرة، إذ تم تأويل دلالات وخلفيات هذه التصريحات. ويكذب قطاع واسع من الرأي العام في البلاد البعض من الشخصيات التي تنقل تصريحات بوتفليقة، ويتهمها بالاستقواء بالرئيس لتثبيت مواقعها ومواقفها أمام خصومها ومنافسيها في الساحة الداخلية.
وصرح رئيس البرلمان الجزائري السابق عبدالعزيز زياري، بأن “كل من يتكلم باسم الرئيس بوتفليقة كاذب وباحث عن الاحتماء بعباءته والاستقواء به لفرض نفسه في الساحة” في إشارة إلى التصريحات المتداولة من حين لآخر من طرف البعض من المحسوبين على معسكر الموالاة وقصر الرئاسة باسم رئيس الجمهورية.
وجاء التكذيب غير المسبوق لعبدالعزيز زياري ردا على مزاعم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم جمال ولد عباس حول لقاءاته ببوتفليقة ونقل كلام على لسانه للمقربين منه ولمؤسسات الحزب ووسائل الإعلام. ويرى متابعون أن ولد عباس يسعى للظهور بمظهر القريب من رئيس البلاد وكذلك لتخويف مناوئيه والمتمردين عليه.
وساهم تواري الرئيس بوتفليقة عن الأضواء، منذ إصابته بوعكة صحية في 2013، في تنامي التصريحات باسمه والمزاعم بنقل آرائه وأفكاره للرأي العام من أجل إثبات أصحابها لمواقعهم القوية في دواليب السلطة.
يستنكر الشارع الجزائري تضارب التصريحات التي تنقلها شخصيات سياسية ومسؤولون عن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في ظل وضع صحي مترد للأخير منذ إصابته بوعكية خلال العام 2013. وتتميز هذه التصريحات المنسوبة لبوتفليقة بتضاربها مما دفع الأوساط السياسية والشعبية لتأويلها بالقول إنها لا تعكس حقيقة مواقف الرئيس الجزائري بل الهدف منها فقط الإيحاء باستقوائهم ببوتفليقة
وطرح العديد من المسؤولين الرسميين والسياسيين أنفسهم كناطقين غير معلنين باسم الرئيس بوتفليقة، منذ العام 2014. وقبل ذلك، لم يترك الرئيس الجزائري مجالا لأي شخص للحديث باسمه أو باسم مؤسسات الدولة عندما كان في وضع صحي جيّد، حيث كان قد جرد وزير الاتصال السابق عبدالرشيد بوكرزازة من مهمة الناطق باسم حكومة عبدالعزيز بلخادم خلال العام 2012.
ويرى مراقبون للشأن الجزائري أن التكتم الذي تدير به مؤسسة الرئاسة ملف الوضع الصحي لرئيس البلاد والغموض الذي يكتنف إدارة شؤون الدولة والدور الخفي لمحيط بوتفليقة في معالجة الملفات المثيرة والحساسة، كلها عوامل فتحت المجال أمام فئة من المسؤولين والسياسيين لإطلاق العنان لمزاعم قربهم من رئيس الجمهورية وتسويق أنفسهم باعتبارهم من “رجالات الثقة”.
ولم يستبعد هؤلاء أن يكون لجوء النواة الصلبة في هرم السلطة إلى افتكاك تصريحات مماثلة من طرف مسؤولين كبار وحتى دبلوماسيين ورؤساء دول، لتكون بمثابة شهادات عيان على الوضع الصحي المقبول للرئيس بوتفليقة وإثبات قدرته على تسيير شؤون البلاد للرد على المشككين والمنادين بالفراغ في مؤسسة الرئاسة، قد ساهم في تشجيع آخرين على ركوب موجة التصريح باسم رئيس الجمهورية.
ويعد الدبلوماسي الدولي السابق الأخضر الإبراهيمي من أكبر الشخصيات المحلية المترددة على مكتب بوتفليقة. ويظهر الإبراهيمي بشكل دائم لتقديم معطيات إيجابية عن الوضع الصحي لرئيس البلاد للرأي العام. وأدلى في مناسبات عديدة بتصريحات مقتضبة حول احتفاظ بوتفليقة بذاكرته الحادة وفطنته واطلاعه على مجريات الأحداث، مع صعوبات في الصوت والحركة.
وكانت مؤسسة الرئاسة قد شددت، في الأشهر الأخيرة، على رفض أي تصريح باسم رئيس الجمهورية، بهدف وقف سلسلة المزاعم الواردة على لسان الكثير من المسؤولين والشخصيات. لكن ثقل المحطات السياسية التي عاشتها الجزائر لم يلجم ألسنة الجميع.
ومثل تكذيب عبدالعزيز زياري للتصريحات المنقولة عن بوتفليقة، خاصة في ما تعلق بملف الانتخابات الرئاسية القادمة، تعرية للمزاعم التي يتسابق البعض من قادة أحزاب الموالاة من أجل إثبات التفرد بالقرب من الرئيس ونيل ثقته والاستقواء بذلك في الساحة السياسية.
وقال زياري “لا أحد من المحيطين بالرئيس يجزم بمعرفة موقفه من الاستحقاق الرئاسي المقبل ولا أحد من هؤلاء بإمكانه معرفة نواياه في الترشح من عدمه”، مضيفا أن “المزاعم بهذا الطرح أو ذاك نوع من الضغط ومساع لاستباق ركوب القارب خشية التأخر عن نيل نصيب من الكعكة”.
وكان النائب بالبرلمان بهاء الدين طليبة قد بادر، خلال الأسابيع الأخيرة، إلى إطلاق مشروع تنسيقية لدعم عهدة رئاسية خامسة لبوتفليقة، موهما الرأي العام بأنها خطوة مستندة لإيحاء من بوتفليقة نفسه. وعرّض طليبة نفسه لحرج سياسي وحزبي حيث تمت إحالته على لجنة الانضباط داخل حزب جبهة التحرير الوطني.
وشدد ولد عباس، في أكثر من مناسبة، على حزبه بضرورة تلافي الخوض في مسألة العهدة الخامسة. وأعطى هذا الأمر الانطباع بأن ولد عباس يريد فرض سطوته داخل جبهة التحرير الوطني.
العرب