في كتابه “فن الصفقة”، قدم ترامب الحجة لوجاهة “تعويم” الصفقة في المفاوضات الكبيرة، أي الذهاب إلى المفاوضات بلا تحضير. وكتب: “لم أكن أرتبط مطلقاً بصفقة واحدة أو نهج واحد. إنني أبقي الكثير من الكرات في الهواء، لأن معظم الصفقات تسقط، بغض النظر عن كم تبدو واعدة في البداية”.
الرئيس ترامب الآن على وشك تعويم الصفقة والذهاب بلا تحضير على مسرح ملحمي عالمي في اجتماعه المقرر وجها لوجه مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. ولا يبدو أن أحدا في واشنطن أو في الخارج يعرف بالضبط ما يريد ترامب تحقيقه في الاجتماع –وهو غموض يراه ترامب فيما يبدو مصدرا مفيدا للضغط.
المشكلة أنه إذا قيض لهذه “الكرة في الهواء” بالتحديد أن تسقط، فإن النتيجة قد تكون اندلاع مواجهة عسكرية في شمال شرق آسيا. وكنت أسأل خبراء الشؤون الأميركية والآسيوية عما قد تنجزه قمة ترامب-كيم. ووجدت إجماعا على أن لدى ترامب فرصة كبيرة، وإنما تنطوي على مخاطرة كبيرة أيضا، بما أن الصفقة التي يمكن إبرامها الآن ربما لا تكون الصفقة التي يستطيع (أو يجب عليه) قبولها.
العنصر الأكثر إرباكا في هذه الدبلوماسية هو أن الطرف الذي يقوم تشكيلها إلى حد كبير هما الكوريتان. وكان كيم –بطريقة مثيرة للدهشة- لاعبا ذكيا، والذي يعيد التمحور هذا العام بعيدا عن مساعيه حربية النزعة للحصول على أسلحة نووية، وفي اتجاه الحوار والاستعداد لتقديم تنازلات أحادية الجانب. وكان شريك كيم هو الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي-إن، الذي عمل من خلال كبار مستشاريه للاستخبارات. وقد أعدوا المأدبة بعناية، ولو أن أحداً لا يستطيع أن يتنبأ بعد بما الذي سيقدَّم في هذه الوجبة.
تسارع الإيقاع بالإعلان يوم الخميس قبل الماضي عن اجتماع سيُعقد بين كيم ومون يوم 27 نسيان (أبريل)، فيما وصفه البيان الكوري الجنوبي بأنه “بداية رحلة كبيرة نحو شبه جزيرة كورية خالية من الأسلحة النووية”. وكان أكثر التفاصيل إثارة للاهتمام هو أن الاجتماع سوف يُعقد في الجانب “الجنوبي” من المنطقة الحدودية، في بانمونجوم. وكانت قمتان كوريتان سابقتان، في العامين 2000 و2007، قد عقدتا في العاصمة الكورية الشمالية، بيونغ يانغ. ويبدو أن كيم اقترح عقد الاجتماع القادم في بيونغ يانغ مرة أخرى، ثم مدينة أخرى أقرب إلى الحدود قبل الموافقة على بونمونجوم. سوف يمهد الاجتماع الأرضية للقاء ترامب ويسمح بإجراء بعض الاتصالات الأولية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. لكن الولايات المتحدة تقوم في واقع الأمر بتفويض العمل التمهيدي من الباطن لأصدقائها الآسيويين. وقد أخذت المخابرات الكورية الجنوبية زمام المبادرة، مبقية مدير وكالة المخابرات المركزية، مايك بومبيو، في داخل الحلقة.
تعمل الصين كمرشد دبلوماسي. وبدفع القلق من احتمال أن يتم استبعادهم من مأدبة كيم-ترامب، قام الصينيون بدعوة الزعيم الكوري الشمالي في الأسبوع قبل الماضي إلى بكين. وساعدت الزيارة في “تجنب عقلية تهميش الصين”، كما عبرت عن الفكرة صحيفة “بكين غلوبال تايمز” الشهر الماضي، وقال الرئيس شي جين بينغ لنظيره كيم إن الصين تتبنى “هدف نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية”.
ولكن، لا يفهمن أحد الأمور خطأ: إنهما الكوريتان هما اللتان تقودان الحركة، وتجبران حلفائهما من القوى العظمى على الاستجابة. وقد اتخذ كيم الخطوات الأولى بعرضه وقف تجارب الأسلحة، ومناقشة نزع السلاح النووي، وإسقاط الاعتراضات على المناورات العسكرية الأميركية-الكورية الجنوبية المشتركة. وباستخدام أولمبياد بيونغشانع كستارة خلفية، توسطت سيئول في عرض إجراء المحادثات المباشرة. وقد أدهش ترامب العالم بـ”نعم” سريعة. لكن الأمر كله كان بشكل أساسي إنتاجا كوريا، حتى الآن.
وإذن، ما الذي يمكن أن يحققه بالضبط اجتماع كيم-ترامب الذي يحظى بدعاية هائلة؟ ثمة نسخة معتدلة، تقول إن الزعيمين سيتفقان على إطار عمل لنزع السلاح النووي وتطبيع العلاقات –واعتبار ذلك “فوزا” كبيرا، ثم التحول إلى التفاصيل من خلال مجموعة عمل من الخبراء. وقد أقرت الصين نهج “خطوة بخطوة” الذي اقترحه كيم الأسبوع قبل الماضي، والذي وصفه بأنه “إجراءات مرحلية متزامنة”.
لكن المشكلة هي أن مثل هذا الاتفاق المرحلي سوف يبدو بالنسبة للمتشككين (بدءا من جون بولتون، مستشار ترامب الجديد للأمن القومي) مُنذِراً باطراد، مثل “إطار العمل المتفق عليه” في العام 1994، وهيكل المحادثات السداسية للعام 2005 -وهي “الاختراقات” السابقة التي تبيَّن أخيرا أنها مسدودة النهايات. وكان المسؤولون الأميركيون يدرسون السبب في أن المفاوضات السابقة فشلت في تحقيق شيء. وإحدى الإجابات هي أنها افتقرت إلى رؤية للوضع النهائي في شبه الجزيرة الكورية، بما في ذلك الدور المستقبلي للقوات الأميركية هناك.
يقول كيرت كامبل، أبرز استراتيجيي إدارة أوباما للشأن الآسيوي، أن على ترامب وكيم أن ينظرا إلى نفسيهما كمتسلقي جبال –وينشئا مخيماً عند قاعدة الجبل، والذي يستطيعان الانطلاق منه للوصول إلى قمة “صفقة كبرى” في نهاية المطاف.
لكن مكان هذا المخيم الأساسي يجب أن يكون مرتفعا بما يكفي على سفح الجبل، ومرتكزا على ما يكفي من الأحكام المحددة، بحيث تكون القمة المقصودة في مدى الرؤية.
إن تاريخ ترامب هو “عمل شيء كبير” والبحث عن صفقة متوهجة. ويبدو أن لدى كيم ذوق مشابه للأشياء الدرامية، وقد خاض مسبقا مغامرات كبيرة وجريئة. وربما يكون من الغريب بما يكفي أن الإنجاز الحاسم لقمة ترامب-كيم ربما يكون الكيمياء الشخصية بين زعيمين يبدوان، على الرغم من كل الإهانات التي تبادلاها، متشابهين في المزاج بطريقة لا تصدق.
ديفيد إغناتيوس
الغد