يبدو أن منطقة الشرق الأوسط التي تتسم بأهمية كبيرة لدى الفاعلين الدوليين والإقليميين ينتظرها في غضون الأشهر القليلة القادمة جدول أعمال قد يرسم معالمها المستقبلية. ومن هذه الأعمال، قيام إسرائيل بشن حرب ضد أهم أذرع إيران في الوطن العربي وهو حزب الله في لبنان لتصفية وجوده فيها إذ ستقوم إسرائيل باستهداف كل مواقع الحزب في لبنان بما في ذلك مقر ثقله السياسي في ضاحية الجنوبية من العاصمة لبنانية بيروت، إذ تشير المعلومات أن اسرائيل رصدت ما يقارب عشرة آلاف موقع للحزب في الضاحية لتدميرها، ودفع الحزب باتجاه سورية. أما جدول العمل الثاني فسوف يكون إيران نفسها إذ ستكون على موعد مع حرب استخباراتية اقتصادية وليس عسكرية تشنها عليها الولايات المتحدة الأمريكية بتعاون غربي وعربي وإسرائيلي وكردي، مستغلين في حربهم تلك، حالة القلق الاجتماعي الذي تعيشه إيران، والتي تتمثل بالبطالة المنتشرة بين صفوف خريجي الجامعات والمعاهد إذ يبلغ عددهم ما بين 26 إلى 35 مليون خريج بدون الحصول على وظيفة عمل. وهذا العدد بحد ذاته يمثل قنبلة موقوتة يمكن في أي لحظة أن تنفجر في وجه النظام السياسي الحاكم في إيران إذا استطاعت الأطراف الخارجية توظيفها.
فعلى الرغم من هذين الحربين، فإن الشرق الأوسط قد يشهد تحالفًا تركيا إيرانيا سوريا عراقيّا برعاية روسية، ففي هذا التحالف تركيا تمثل الولايات المتحدة الأمريكية، وسورية وليس إيران تمثل روسيا، أما العراق وإيران في هذا الحلف تمثله إيران فهما أشبه “بالأخوين المتلاصقين”. يهدف هذا التحالف إلى إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح دول التحالف. وقد تلعب تركيا في هذا الحلف دور”الوسيط” لإنقاذ إيران مقابل سيطرتها على غرب نهر الفرات. وقد تسيطر على الموصل خاصة إذا أجرى فيها استفتاء من أجل الانضمام إليها. ولاسيما أن عملية عفرين التي اتسمت بنظافتها قد تكون مؤشر على ذلك الاستفتاء. فتركيا في هذا الحلف هي من أكثر الدول التي تملك أوراق ضغط ضد الدول الإقليمية وخاصة العراق وسوريا إذ يمكن أن تستخدم سلاح المياه ضد هاتين الدولتين.
تركيا كإيران تعتبران أي كيان كردي على حدودهما يهدد أمنها القومي وهذا الأمر بالنسبة لهما لا يمكن القبول به لذلك كان استفتاء إقليم كردستان العراق في أيلول/سبتمبر الماضي تأكيد عملي على هذه المسلمة في السياسة الداخلية والخارجية لهاتين الدولتين، فهما وحدا مواقفها وتحالفا ضد ذلك الاستفتاء وسعيا إلى إفشاله.
وهذا التحالف لم يقف عند هذا المستوى، بل اتفقتا الدولتين على تصفية وجود حزب العمال الكردستاني التركي في العراق، فإيران كانت من الدول الداعمة لهذا الحزب، وكانت الحكومة العراقية تقدم لهذا الحزب الدعم المادي على شكل رواتب شهرية بموافقة إيران، لكن هذا الأمر تغير الآن. وتصفية أيضًا حزب الاتحاد الديمقراطي فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا وتصفية أيضًا حزب “بيجاك” الكردي الإيراني.
أما العراق يكاد يكون الطرف الأضعف في ذلك الحلف، يبلغ عدد سكان العراق 36 مليون نسمة، فقد ساهمت الظروف التي مر بها العراق منذ أكثر من ثلاث عقود إلى تحويله إلى مستورد من الطراز الأول فهو يستورد معظم احتياجاته من تركيا وإيران. وبذلك تحول إلى مجتمع استهلاكي. ولكي يعود العراق إلى سابق عهده كدولة زراعية وصناعية فلا بد أن يضمن حصته العادلة من مياه الفرات، ولكن هل ستسمح هاتين الدولتين بعودة إلى العراق كدولة محورية ينافسها على زعامة الشرق الأوسط، وبدلًا أن يصبح دولة مستوردة إلى مصدرة؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية