واصلت العملة الإيرانية تراجعها التاريخي أمام معظم العملات العالمية الرئيسية مثل الدولار مع تزايد الغموض بشأن مستقبل الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى الكبرى.
وخسر الريال هذا الأسبوع أكثر من 6 في المئة مقابل الدولار ليصل إلى مستويات قياسية متدنية حين تخطى سعر الدولار حاجز 55 ألف ريال للمرة الأولى، وفق موقع “شبكة المعلومات المالية” الذي يعتبر مرجعا بالنسبة لسوق العملات في إيران.
وفقد الريال خلال الأشهر الستة الأخيرة 30 في المئة من قيمته وأكثر من نصف قيمته منذ بداية عام 2015 رغم تخفيف العقوبات بموجب الاتفاق النووي.
واتسع الفارق بين سعري السوق المفتوحة والصرف الرسمي المحدد من البنك المركزي بنحو 37814 ريالا للدولار، ما يهدد بعودة التضخم المرتفع الذي بذلت الحكومة جهودا كبيرة للسيطرة عليه.
وفي محاولة يائسة لإنقاذ الموقف، تم استدعاء محافظ البنك المركزي ولي الله سيف ووزير الاقتصاد مسعود كاربسيان لجلسة استجواب عقدت أمس، في مجلس الشورى.
55 ألف ريال للدولار سعر صرف العملة الإيرانية هذا الأسبوع مقارنة بنحو 10 آلاف قبل 8 سنوات
وتتشكل في شوارع طهران منذ أسابيع طوابير طويلة خارج أسواق صرف العملات الأجنبية وسط تزايد قلق الإيرانيين من ضياع قيمة مدخراتهم إذا ما أبقوها بالعملة المحلية المتهاوية.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية لرئيس مكتب للصرافة، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله إنه “من الواضح أن هناك زيادة في عدد من يشترون الدولارات لأنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي”.
وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير الماضي بسحب بلاده من الاتفاق مع انتهاء مهلة حددها للأوروبيين من أجل تشديد بنوده.
وفي حال انسحاب واشنطن، فمن المتوقع أن تعيد فرض العقوبات الاقتصادية المعلقة حاليا بحق إيران، ما سينعكس على اقتصاد البلاد وسيبعد المستثمرين الأجانب.
وتسارع هبوط العملة المحلية منذ منتصف أكتوبر الماضي، حين رفض ترامب “المصادقة” على الاتفاق حول برنامج إيران النووي.
وقال رئيس مكتب الصرافة إن “الحكومة لا يمكنها أن تفعل أي شيء عندما يدب الرعب في السوق. إذا ما خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق فإن العملة الإيرانية قد تنهار أكثر لتصل إلى 70 ألف ريال مقابل الدولار”.
ويرجح خبراء أن تنسحب واشنطن من الاتفاق النووي عندما يأتي موعد تجديده في مايو المقبل، وهذا يعني إعادة فرض العقوبات التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني.
ويرى المحلل المالي الإيراني نافيد كالهور أن الكثير من الأشخاص يتطلعون إلى الاستثمار في الدول المجاورة جراء المخاوف المتعلقة بمستقبل الاتفاق النووي.
واشتكى مسؤولون من أن المواطنين يكدسون مليارات الدولارات في وقت تعاني فيه المصارف المحلية من نقص في السيولة.
وقال كالهور “لدي أصدقاء يتوجهون ل للبنوك ويطلبون 15 أو 20 مليون ريال (300 أو 400 دولار) ويُطلب منهم العودة بعد أسبوع لعدم توفر السيولة”.
واتخذت طهران تدابير صارمة الشهر الماضي لوقف تراجع قيمة الريال في السوق المفتوحة، إذ اعتقلت متعاملين بالعملات الأجنبية وجمدت حسابات المضاربين ورفعت معدلات الفائدة فيما اشترت ملايين الدولارات سعيا لوقف السقوط الحر للريال.
وكان الرئيس حسن روحاني دعا الإيرانيين نهاية يناير الماضي إلى عدم التخوف، بينما كان يتم تداول الدولار بسعر 48 ألف ريال، وقال حينها إن “العائدات بالعملات الأجنبية تفوق حاجات البلاد”.
ويقول اسفنديار باتمانقليج مؤسس المنتدى الأوروبي الإيراني “إن ما يجري هو رد فعل على تعيين الرئيس الأميركي مؤخرا شخصيتين متشددتين حيال إيران هما وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون”.
ويشكل تراجع قيمة العملة مشكلة بالنسبة لحكومة روحاني التي كانت تأمل جذب استثمارات أجنبية غداة الاتفاق النووي.
وقال باتمانقليج إن “انهيار العملة سيشكل عامل طرد آخر للمستثمرين المحتملين الذين يواجهون أصلا عقبات كبرى جراء العقوبات الأميركية غير المتصلة بالملف النووي”.
وأوضح أنه حتى في حال كان المستثمر راغبا بالعمل في إيران، يشكل تراجع قيمة العملة مصدر قلق بالغ له.
وأضاف “إذا استثمرت الآن وانخفضت العملة حتى ولو 15 بالمئة، سيكون عليك خصم ذلك من عائداتك وهو أمر يصعب اتخاذ ذلك لذلك سيكون صعبا بالنسبة للحكومة”.
وقاومت الحكومة توحيد أسعار الصرف في السوقين الرسمي والموازي لأن ذلك سيترجم لواردات أغلى سعرا ما سيؤدي بالتالي الى زيادة التضخم، غير أن محللين يقولون إن الفجوة بين السعرين أثرت على التجارة وزادت من الفساد.
وربما يكمن التحدي الأكبر في أن ادخار الدولارات أصبح الطريقة المفضلة وسط حالة عدم الاستقرار الاقتصادي بعد ركود طفرة الإسكان بعد سنوات على الإفراط في البناء.
وحاولت المصارف الإيرانية مواجهة ذلك بعرض معدلات فائدة تصل إلى 20 بالمئة على المدخرات، لكن ذلك أثار مشاكل أوسع في الاقتصاد.
صحيفة العرب اللندنية