هل توشك حالة الجمود السائدة بين إيران وإسرائيل على الإنتهاء؟

هل توشك حالة الجمود السائدة بين إيران وإسرائيل على الإنتهاء؟

بينما تتصاعد حالة عدم اليقين إزاء إمكانية القيام بعمل أميركي مستقبلي ضد إيران، سوف تسعى كل من إيران وإسرائيل إلى ردع واحدتهما الأخرى على طول حدود إسرائيل الشمالية.
• سوف تسعى إيران إلى الحيلولة دون شن هجوم إسرائيلي مباشر ضد الجمهورية الإسلامية عن طريق بناء قواعد لها في سورية ولبنان؛ في حين ستسعى إسرائيل إلى إضعاف هذا التهديد عن طريق محاولة دفع الولايات المتحدة إلى القيام بعمل ضد طهران.
• سوف تقبل إسرائيل بمخاطر نشوب حرب إقليمية طالما أن الولايات المتحدة تقدم تعاونا مباشرا ضد إيران.
ثمة مئات الكيلومترات من أراضي سورية والعراق التي تفصل إسرائيل عن إيران، لكن الحرب الأهلية السورية جلبت الدولتين العدوتين أقرب ووضعتها أنفا لأنف. وفي أوائل نيسان (أبريل)، هاجمت إسرائيل قاعدة “تياس تي-40” الجوية شمال شرق دمشق. وبالنسبة للبعض، بدا كما لو أن إسرائيل تعمل نيابة عن الولايات المتحدة بالرد على استخدام الحكومة السورية المزعوم لأسلحة كيميائية. لكن إسرائيل كانت تسعى في واقع الأمر وراء أهداف أخرى: إيران وحزب الله اللذين ضاعفا جهودهما لتحدي إسرائيل على طول حدودها الشمالية.
لكن الخطاب بين الجانبين هو شيء، واندلاع حرب حقيقية بينهما شيء آخر تماما. ولا يبدو أي من الطرفين متحمسا لتوجيه الضربة الأولى التي يمكن أن تفضي إلى نشوب حرب إقليمية رئيسية، لأن التداعيات ستكون وخيمة بالنسبة للجانبين. وبدلا من ذلك، يجهز كل من الطرفين نفسه لصراع مباشر قد ينشب بين طهران وواشنطن. وتأمل إيران في ردع إسرائيل عن مهاجمتها خلال –أو قبل نشوب- مثل هذا الصراع بتصويب ترسانة حزب الله الصاروخية نحو قلب إسرائيل. وبينما تحاول إسرائيل أن تدفع الولايات المتحدة إلى شن هجوم ضد إيران، فإنها تقوم أيضا باتخاذ خطوات للتقليل من المخاطر التي قد تشكلها إيران وحليفها الرئيسي عليها في تلك الحالة. ولكن، بينما تتحرك كل من إسرائيل وإيران لكي تتفادى كل منهما تهديد الأخرى، فإن الخطوة الأميركية التالية ستقطع شوطا طويلا في تحديد مصير معركتهما.
مخاوف إسرائيل من انكشاف جبهتها الشمالية
مع أن إسرائيل تتمتع بالأمن من الشرق والجنوب بفضل معاهدتي السلام مع الأردن ومصر، فإنها لا تتمتع بمثل هذا الترف في الشمال، حيث ما تزال في حالة حرب مع سورية ولبنان. وبالنسبة لإسرائيل، ربما يشكل لبنان التهديد الأكبر. وفي حين أن حجم لبنان وطبيعتة الديمغرافية المتصدعة ينبغي أن تحبط بشكل طبيعي أي تهديد ينبع من أراضيه، فإن القوة المتزايدة لمجموعة حزب الله المتشددة هناك تصيب إسرائيل بالصداع.
ما من شك في أن إيران وحزب الله لن يزحفا على تل أبيب في أي وقت قريب، لكن سعيهما إلى تطوير القدرات غير المتكافئة –بدلا من القدرات التقليدية- وضع ضغوطا استراتيجية وسياسية جديدة على إسرائيل، والتي حدت بها إلى دفع الولايات المتحدة نحو تبني موقف أكثر صرامة ضد طهران. ومن المرجح أن يفضي أي تحرك أميركي قوي ضد إيران إلى التعجيل بانطلاق وابل من صوايخ حزب الله ضد إسرائيل، لكن العائد بالنسبة لصانعي السياسة الإسرائيليين سيكون أكبر بكثير: فلأن إسرائيل تنظر إلى برنامج إيران النووي –المقيد الآن كما هو حاله بالاتفاق النووي المشترك- باعتباره تهديدا وجوديا، فإنها مستعدة لتحمل أي ضربات تشنها الجماعات في لبنان وسورية إذا كان الأمر سينتهي بتدمير برنامج إيران النووي.
مع ذلك، عمدت إيران إلى تقوية شبكات إمدادها لحزب الله في السنوات الأخيرة، في محاولة لضمان أن تتمكن المجموعة المتشددة من إلحاق قدر أكبر بكثير من الضرر بإسرائيل. ولذلك، اتخذت إسرائيل إجراءات دورية ضد هذه الشبكة، حيث شنت الغارات الجوية لتعطيل وتأخير عمل إيران وحزب الله. وعن طريق إضعاف شبكات حزب الله بالضربات المتقطعة، تقوم إسرائيل بتخفيف المخاطر التي قد تواجهها قواتها عند أي توغل مستقبلي تنفذه داخل لبنان. وبفضل وصول إدارة صديقة إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة، تدفع إسرائيل أكثر لترى كيف يمكن أن تضرب إيران وحزب الله في سورية من دون أن تتسبب بإشعال شرارة حرب كبرى.
إيران تجلب المعركة أقرب
مع ذلك، بالكاد تقف إيران دون حراك. ومع أنها دخلت الحرب الأهلية السورية لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، فإن استراتيجيتها تتضمن أيضا بذل جهود لتشكيل تحد موثوق أكثر لإسرائيل وردع أي هجمات قد يفكر في شنها ذلك البلد. ولتحقيق هذه الغاية، أنشأت إيران العديد من القواعد والمرافق بالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، وبشكل خاص قرب مطار الكسوة في دمشق، من حيث يمكن أن ترد طهران على إسرائيل في حال أقدم داعم الأخيرة الأكبر، الولايات المتحدة، على شن حرب ضد الجمهورية الإسلامية في مكان آخر.
بينما تقوم بتعزيز قواعدها، تقوم إيران أيضا باختبار المياه لتحديد كم من العمل تستطيع القيام به ضد إسرائيل قبل إشعال حريق واسع النطاق. وقد أطلقت إيران طائرة مسيرة إلى داخل المجال الجوي الإسرائيلي في شباط (فبراير)، فيما يبدو أنه جهد للتحقق من دفاعات البلد. (ربما تكون عملية الطائرة الإيرانية المسيرة أيضا دافعا وراء الضربة التي وجهتها إسرائيل إلى قاعدة “تي-4” الجوية، حيث عرضت صورا سابقة لاستهداف مرافق الطائرات المسيرة في القاعدة). لكن شن هجوم مباشر على إسرائيل سيشكل في النهاية خطرا كبيرا على إيران؛ وبدلا من ذلك، تستعد إيران لصراع محتمل ربما يفرضه الآخرون عليها، أكثر من كونها تحضّر لصراع تكون هي الطرف الذي يطلق رصاصته الأولى.
التعامل مع الخطر
وسط التهديدات التي تشكلها مصانع الصواريخ والقواعد العسكرية الإيرانية في سورية ولبنان، تستعد إسرائيل لاتخاذ طائفة من الإجراءات المضادة، بما فيها “جونيبر كوبرا”، وهي تمارين إسرائيلية-أميركية مشتركة تهدف إلى اختبار قدرة إسرائيل على الاستجابة لهجوم صاروخي واسع النطاق. لكن العمل الدفاعي له محدودياته، ولا تستطيع حتى أنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة أن تعترض كل المقذوفات القادمة.
وبالمثل أيضا، لا توفر هجمات إسرائيل غير المنتظمة على الأراضي السورية لإعاقة حزب الله وإيران عن تحسين قدراتهما ضمانة كافية. فبعد كل شيء، تمكن حزب الله من الاحتفاظ بقدراته القتالية، وهو يواصل بناء مصانع الصواريخ، وكل ذلك بينما تتواتر الأخبار عن وجود المزيد من القواعد الإيرانية داخل سورية. وبسبب التهديد المستمر الذي يشكله حزب الله وإيران، من المحتمل أن تقوم إسرائيل في النهاية بشن غارات على اثنين من مصانع صواريخ حزب الله التي تبنيها إيران تحت الأرض، والتي يقال أن أحدها يقع في عمق وادي البقاع والآخر على الساحل اللبناني بين صيدا وطرابلس. وفي حين أنها ما تزال في طور الإنشاء، فإن مصانع الصواريخ هذه تشكل تهديدا جديدا لحدود إسرائيل الشمالية، حيث ستقوم باختصار الوقت اللازم لإعادة تزويد حزب الله ترسانته خلال أي صراع.
سوف تسعى إسرائيل أيضا إلى إعاقة جهود إيران في سورية عن طريق إقامة منطقة عازلة بينها وبين القواعد الإيرانية بالقرب من مرتفعات الجولان. وقد سعت إسرائيل مسبقا إلى زرع حلفاء لها في المنطقة وسط الهجمات التي تشنها من حين لآخر على الأصول السورية والإيرانية. وبعملها ذلك، تضع إسرائيل في اعتبارها ضرورة التنسيق مع الروس لتجنب أي إمكانية لحدوث اصطدامات أو مواجهات غير مقصودة. وفي ضربة 9 نيسان (أبريل)، تجنبت إسرائيل ضرب القوات الروسية، التي عادة ما تستخدم قاعدة “تي-4″، وفقاً لما ذكرته التقارير.
وفرت الحرب الأهلية السورية ساحة جديدة للصراع بين إسرائيل وإيران، بينما تسعى كل من الدولتين إلى ردع الأخرى عن شن هجوم واسع النطاق. وسوف تواصل طهران ممارسة الضغط على إسرائيل عن طريق تأسيس القواعد العسكرية في سورية وتحسين قدرات حزب الله على إطلاق الصواريخ ضد منافستها الرئيسية، في حين ستواصل إسرائيل توجيه ضرباتها الجوية المنفصلة وعملها السري لإضعاف التهديد وتقويض قوة أعدائها. ومع ذلك، لن تكون إسرائيل في نهاية المطاف سيدة قدرها الخاص: لا تستطيع سوى الولايات المتحدة أن تضع نهاية للتهديد القادم من طهران، إما بتدمير البرنامج النووي الإيراني، أو ربما حتى الجمهورية الإسلامية نفسها. ولأنها تعجز عن القيام بأي من الأمرين وحدها، فإن إسرائيل لا تملك سوى خيار العمل من أجل تخفيف التهديد القادم من الشمال –حتى مع المغامرة بإشعال حرب إقليمية من خلال أفعالها.