قصفت طائرات إسرائيلية فجرًا، في 9 نيسان/ أبريل 2018، أهدافًا عسكرية إيرانية في مطار تيفور العسكري الواقع شرقي مدينة حمص في وسط سورية. واستهدف القصف طائرات إيرانية مُسيَّرة، ومنظومات تكنولوجية عسكرية إيرانية، وأدى إلى مقتل 14 شخصًا، على الأقل، من بينهم، وفق ما أعلنته إيران، سبعة من الحرس الثوري الإيراني، أحدهم الضابط المسؤول عن قيادة الطائرات الإيرانية المُسيَّرة في سورية.
وقد أعلنت روسيا، بعد ساعات قليلة من هذا العدوان، أن إسرائيل هي التي قصفت مطار تيفور من دون إبلاغها مسبقًا بالعملية، كما كان متبعًا في حالات سابقة. وحذرت روسيا إسرائيل من هذا التصعيد، واستدعت وزارة الخارجية الروسية سفير إسرائيل في موسكو، للنظر في هذا الشأن وتوضيح الموقف. وجرى اتصال بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي طالب نتنياهو بالامتناع عن القيام بعمليات “تزعزع سورية وتهدد أمنها”، في حين أكد نتنياهو لبوتين أن دولته لن تسمح بتكريس الوجود العسكري الإيراني في سورية.
وكانت إسرائيل قد شنت، قبل هذا العدوان، ثلاث هجمات جوية ضد أهداف عسكرية إيرانية في سورية. ففي أيلول/ سبتمبر 2017، قصفت طائراتها مصنعًا إيرانيًا – سوريًا لإنتاج الصواريخ المتطورة البعيدة المدى بالقرب من مدينة مصياف في محافظة حماة. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2017، أيضًا، قصفت قاعدة عسكرية إيرانية، تحتوي صواريخ متطورة بالقرب من الكسوة في الغوطة الغربية بريف دمشق. وفي شباط/ فبراير من العام نفسه، استهدف القصف أهدافًا عسكرية إيرانية في مطار تيفور العسكري، ردًا على إطلاق إيران طائرة استطلاع من دون طيار حلَّقت في شمال فلسطين المحتلة.
سياق الضربة الإسرائيلية
ما ميّز العدوان الإسرائيلي على مطار تيفور تزامنه مع تصعيد كبير في سورية، ففي السابع من نيسان/ أبريل، قصف النظام السوري مدينة دوما بالسلاح الكيميائي، ما أدى إلى وفاة 78 مدنيًا سوريًا وإصابة مئات من المدنيين. وعلى إثر ذلك، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد
ترامب، أنه يعتزم توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، ردًا على هذه الجريمة. وأعلنت كل من فرنسا وبريطانيا عن مشاركتهما فيها. وفي فجر 14 نيسان/ أبريل، وجهت الدول الثلاث ضربة عسكرية محدودة، أطلقت من خلالها 110 صواريخ على مواقع للنظام السوري في محيطَي دمشق وحمص، بعد أن أبلغت مسبقًا روسيا بالضربة.
جاءت هذه الضربة استعراضية، إلى حد بعيد، وغير ملائمةٍ لخطاب الرئيس ترامب الإعلامي الذي سبق هذه الضربة؛ ذلك أنها اقتصرت على تحييد قدرات النظام الكيميائية، ولم تعبِّر بأي حال عن تغيير في إستراتيجية الولايات المتحدة والدول الغربية تجاه سورية، كما أنها لم تؤثر في ميزان القوى في سورية، ولم تحقق الضغط المطلوب على النظام أو روسيا لوقف القتال والقبول بحل سياسي، من أجل إنهاء الحرب في سورية. أما من منظور إسرائيل، فهي لم تغير من الأمر شيئًا فيما يتعلق بالوجود العسكري الإيراني في سورية.
في المقابل، أعلنت إسرائيل تمسّكها بسياسة استهداف الوجود العسكري الإيراني في سورية وإنهائه كليًا إن أمكن ذلك. ومن الملاحظ أنها غيّرت سياستها، في السنة الأخيرة، تجاه الوجود العسكري الإيراني في سورية. ففي السنوات الماضية، لم تُبد اعتراضًا كبيرًا على الوجود العسكري الإيراني، وعلى وجود المليشيات الشيعية التابعة لإيران في سورية، وذلك حين كانت هذه المليشيات منشغلة بالحرب ضد المعارضة السورية المسلحة (خصوصًا الفصائل الإسلامية). ولذلك اكتفت السياسة الإسرائيلية بالدعوة إلى إبعاد الوجود العسكري الإيراني والمليشيات الشيعية التابعة له عن الشريط الحدودي المحاذي للجولان السوري المحتل. وبالنسبة إلى سياسة إسرائيل، جاء هذا التغيير في اتجاه إنهاء الوجود العسكري الإيراني في سورية لسببين رئيسَين: أولهما، دخول الحرب في سورية مرحلة الحسم العسكري، بعد أن وضعت إيران وروسيا ثقلهما الكامل وراء النظام لهزيمة المعارضة. وثانيهما، تعزيز مظاهر الوجود العسكري الإيراني في سورية، ونشوء انطباع مفاده بأن إيران تسعى إلى البقاء طويلًا بعد انتهاء الحرب في سورية، لاستعمال هذا الوجود قوةَ احتياط ضد إسرائيل عند الضرورة، إلى جانب قوة حزب الله في لبنان؛ الأمر الذي يغيّر موازين القوى في الشمال مرة أخرى. ثمّ إنّ تعزيز الوجود العسكري الإيراني في سورية يسهل إقامة تواصل بري من إيران حتى لبنان، ولا سيما في ضوء احتمالية سحب الولايات المتحدة قواتها العسكرية من العراق وسورية، ما يمكّن إيران من نقل قواتٍ وأسلحةٍ إلى كل من سورية ولبنان من دون عوائق.
وثمّة أدلة على أن إيران أقامت قواعد عسكرية لها ولمليشياتها في سورية، وأنها حصلت على مطارات عسكرية في سورية، وتسعى إلى الحصول على ميناء بحري فيها. وفضلًا عن ذلك، هي تقوم بتطوير الطائرات المسيرة في سورية. وفي هذا السياق، تدَّعي إسرائيل أن إيران أنشأت مصانع لصواريخ متطورة ودقيقة بعيدة المدى، وأنها تقدم دعمًا لحزب الله في لبنان من أجل إنشاء مصانع صواريخ بعيدة المدى ذات دقة عالية.
خط إسرائيل الأحمر
لقد أولت إسرائيل في الشهور الأخيرة الوجودَ العسكري الإيراني أهميةً قصوى، ووضعته في
قمة التحديات التي تواجهها. وخلافًا للموقف من المشروع النووي الإيراني الذي شهد تبايناتٍ واضحةً بين المستويين السياسي والعسكري في كيفية التصدي له، يسود اتفاق تام بين هذين المستويين بشأن ضرورة مواجهة الوجود العسكري الإيراني في سورية. وقد صرح نتنياهو مرارًا إن حكومته لن تسمح بتعزيز الوجود العسكري الإيراني في سورية، وسوف تستعمل القوة العسكرية لتحقيق ذلك. أما رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوط، فقد قال إنّ سورية تنتقل إلى مرحلة جديدة، وإن إيران تعزّز وجودها العسكري فيها في مجالات كثيرة. وفي الشهور الأخيرة، كرّر آيزنكوط قوله إن إسرائيل لن تسمح بتعزيز الوجود العسكري الإيراني في سورية، وإنها مصممة على منع إيران من تحقيق ذلك بالقوة العسكرية، من خلال الهجمات الجوية على الأهداف الإيرانية في سورية، والتي قلَّما تعلن عنها رسميًا، أو تنشر عنها في وسائل الإعلام. ويبدو واضحًا أن الهدف النهائي هو إخراج جميع القوات الإيرانية ومليشياتها من سورية، كما يبدو أنها وضعت خطًا أحمر متعلقًا بمدى قرب القوات الإيرانية ومليشياتها من الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، وآخر متعلقًا بنوعية الأسلحة الإيرانية وكمياتها وقواعدها في سورية.
ميزان القوى والعوائق
تنطلق إسرائيل في سياستها تجاه الوجود العسكري الإيراني في سورية من مبدأ القوة، وتقوم في أحيان كثيرة باختراق سيادة سورية علنًا، وسيادة لبنان أيضًا، مستندةً في ذلك إلى رجحان ميزان القوى العسكرية لصالحها رجحانًا واضحًا. وتؤكد مصادر إسرائيلية مختلفة أنه يوجد في سورية نحو ألفي عسكري وخبير إيراني، و7500 مقاتل من حزب الله اللبناني، و9000 مقاتل من المليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية (إضافةً إلى مليشيات سورية كثيرة تابعة لإيران مباشرة، مؤلفة من مواطنين سوريين يتلقون رواتبهم وأوامرهم من ضباط إيرانيين). وقد استهدفت إسرائيل في ضرباتها التي وجهتها إلى الوجود العسكري الإيراني في سورية مقرّات الأسلحة الإيرانية ومصانعها والمسؤولين عنها، إلى جانب إبعاد القوات الإيرانية عن الحدود السورية – الإسرائيلية.
وعلى الرغم من رجحان ميزان القوى لصالحها، تواجه إسرائيل عوائق في استمرارها على
سياسة استهداف الوجود العسكري الإيراني في سورية. ولا تتمثل هذه العوائق بالخشية من ردة الفعل الإيراني، بقدر ما تتمثل بالوجود الروسي العسكري في سورية، وبموقف روسيا من هذه الضربات. فإلى جانب التداخل بين القوات الإيرانية والروسية في مواقع كثيرة في سورية، وهو ما يزيد من صعوبة الهجمات الإسرائيلية من دون استفزاز القوات الروسية، هناك تناقض واضح بين ما تسعى إسرائيل لتحقيقه، وهو وقف تعزيز قوة إيران العسكرية في سورية، تمهيدًا لإخراجها منها، وبين المصلحة الروسية في الحفاظ على القوات العسكرية الإيرانية التي تعدّها روسيا حليفًا “بريًا”، وتعدّ وجودها في سورية شرعيًا وضروريًا لاستكمال بسط نفوذ النظام السوري بالوسائل العسكرية، أساسًا، على أنحاء سورية.
تمتلك روسيا أوراق قوة عديدة، مثل التهديد بتفعيل منظومة صواريخها المتطورة الموجودة في سورية ضد الطائرات الإسرائيلية، والتي لا تغطي سورية فحسب، بل معظم أجواء فلسطين المحتلة أيضًا، أو تزويد النظام السوري بمنظومات صواريخ أس 300 التي كانت قد قرّرت في السابق تزويده بها، ثمّ تراجعت عن هذا القرار تحت ضغط إسرائيل والولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن روسيا لن تلجأ إلى ذلك في المدى المنظور. ومن المرجّح أن تتوصل الدولتان إلى تفاهمات بشأن الخطوط الحمراء الإسرائيلية التي تحفظ ماء وجه روسيا، من دون توقف إسرائيل عن استهداف القوات الإيرانية في سورية بين الفينة والأخرى عند خرق الخطوط الحمراء الإسرائيلية.
خاتمة
ثمّة حذر في إسرائيل من أنّ الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، ربما لا تؤدي إلى ردع إيران عن الاستمرار في تعزيز وجودها العسكري في سورية، وأنّ صبر إيران قد ينفد نتيجة للخسائر المتزايدة. وقد يفضي بها ذلك إلى ردّات فعل عسكرية ضد إسرائيل من جنوب سورية، أو من جنوب لبنان، أو حتى من خلال استهداف المصالح الإسرائيلية في أنحاء مختلفة من العالم. وكيفما كانت ردات الفعل الإيرانية، يبدو أنّ إسرائيل ماضيةٌ في استهداف الوجود الإيراني في سورية، حتى لو أدى ذلك إلى إمكانية التصعيد؛ بما في ذلك حدوث مواجهةٍ شاملة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، مع الأخذ في الحسبان أنّ إسرائيل مقتنعةٌ بأن آخر ما تريده إيران وحزب الله، في الوقت الراهن تحديدًا، هو حدوث مواجهة شاملة؛ فهُما لم يُثبِّتَا وجود النظام السوري بعد، فضلًا عن وجود منافسةٍ إقليميةٍ جاريةٍ في سورية، كما أنهما يعتبران قوة حزب الله احتياطًا إستراتيجيًا في حال مهاجمة إيران نفسها، وليس لصد الهجمات الإسرائيلية في سورية.
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات