بالضربة العقابية التي نفذت بقيادة أميركية في سورية، أظهرت الولايات المتحدة التزامها بردع الحكومة السورية عن شن المزيد من الهجمات باستعمال الأسلحة الكيميائية.
• تبين من الضربة أن الولايات المتحدة وحلفاءها مقيدون في سورية بسبب وجود القوات الروسية هناك.
• من المرجح أن تؤدي الضربة العقابية الأخيرة إلى ردع الحكومة السورية عن استخدام عوامل غاز الأعصاب لوقت يعتد به، لكن القوات السورية ربما تواصل اختبار هذه الحدود، خاصة باستخدام الكلورين.
* * *
الآن، بعد أن نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ضربتهم العقابية إلى سورية، حان الوقت لتقييم النتيجة. وفي الرد على استخدام الحكومة السورية المزعوم لأسلحة كيميائية يوم 7 نيسان (أبريل) في مدينة دوما السورية، قامت هذه الدول الثلاث بعد أسبوع من ذلك بإطلاق وابل من 105 صواريخ كروز على ثلاثة مواقع مرتبطة ببرنامج الأسلحة الكيميائية في سورية. وفي أعقاب الضربة، سعت الولايات المتحدة إلى تسليط الضوء على الكيفية التي ألحقت بها الضربة ضرراً بليغاً ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوري. لكن الواقع هو أن الضربة كانت محدودة في نطاقها: حيث بقيت العديد من مواقع الأسلحة الكيميائية (والبنية التحتية لوسائل إيصالها إلى أهدافها) سليمة من دون أن تمس. وباعتراف الولايات المتحدة نفسها، ما تزال دمشق تمتلك القدرة على شن الهجمات بالأسلحة الكيميائية.
اختارت الولايات المتحدة وحلفاؤها توجيه ضربة محدودة لمجموعة من الأسباب. أولاً، تشعر هذه الدول بالقلق من اتخاذ إجراءات يمكن أن تجرها أعمق إلى فوضى الحرب الأهلية المستمرة في سورية. وفي التصريحات الصحفية التي أعقبت الضربة، أكدت وزارة الدفاع الأميركية بشكل متكرر أن الضربات كانت تهدف بشكل محدد إلى ردع الحكومة عن مزيد من استخدام الأسلحة الكيميائية، وأن مهمة الولايات المتحدة في سورية تبقى مركزة بشكل كامل على إلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش”. وقد عززت هذه الرسالة حقيقة استهداف مراكز الأسلحة الكيميائية بدلاً من استهداف مرافق أخرى تضطلع بلعب أدوار في استخدام الأسلحة التقليدية والكيميائية معاً، مثل القواعد الجوية.
كما أرادت الدول الثلاث التي شاركت في توجيه الضربة جميعاً تجنب أي تصعيد مع روسيا وإيران، اللتين تدعمان الحكومة السورية في الحرب الأهلية. وعلى العكس من ضربة الولايات المتحدة السابقة في نيسان (أبريل) 2017 لقاعدة الشعيرات الجوية، كانت أهداف هذه الضربة الأخيرة بعيدة عن أماكن أي تواجد روسي أو إيراني. وقد أصرت المملكة المتحدة وفرنسا على وجه الخصوص على ذلك. لكن تواجد روسيا في سورية، الذي حد تاريخياً من طبيعة التحرك الأميركي في ذلك البلد، ما يزال يفعل ذلك على ما يبدو. وفي حقيقة الأمر، سعت الحكومة السورية إلى الاستفادة من هذا الحذر عن طريق وضع بعض من معداتها الأكثر أهمية قريباً من أماكن تواجد القوات الروسية في البلد. لكن القيود التي يفرضها الوجود الروسي لم تكن كافية للحيلولة دون عملية تنفذها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وإنما أثرت في كيفية الضربة فحسب.
هدف واضح، وتعريفات ضبابية
حتى مع تركيز هدف ضربة 14 نيسان (أبريل) المفرط على ردع المزيد من الهجمات بالأسحلة الكيميائية، سوف يكون قياس مدى نجاح الضربة صعباً، لأن الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا متأكدين تماماً مما إذا كانوا قد تمكنوا من رسم خط حول استخدام سورية أسلحة كيميائية محددة. وعلى سبيل المثال، على الرغم من وصف واشنطن بوضوح استخدام عوامل غاز الأعصاب على أنه خط أحمر لا يجب أن تتخطاه سورية، فإنها لم تكن مباشرة بشأن تحديد ما إذا كانت تتبنى وجهة النظر نفسها إزاء استخدام الكلورين. وأحد الأسباب الكامنة وراء هذه النهج الغامض هو أنه سيكون من شبه المستحيل تقريباً تأكيد ما إذا كانت الأسلحة الكيميائية قد استخدمت في ميدان معركة خطير ومتشابك مسبقاً مثل الميدان السوري، خاصة عندما تتضمن الهجمات استخدام مقادير صغيرة من عناصر كيميائية أقل فعالية، مثل الكلورين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الانخراط في ضربات عقابية من أجل ضربات كيميائية صغيرة نسبياً يمكن أن يثير أسئلة شائكة أيضاً حول مدى تناسب الاستجابات.
وفي نهاية المطاف، قررت الولايات المتحدة أن تبني قراراتها بشأن ضربات الرد، ليس على أساس ما إذا كانت الأسلحة الكيميائية قد استخدمت من الأساس، وإنما بناء على حجم الضرر الذي تسببت به هذه الأسلحة. وعلى مدى العام الماضي، على سبيل المثال، نفذت الحكومة السورية عدداً من الهجمات بغاز الكلورين، والتي لم ترد عليها الولايات المتحدة، فيما عاد بشكل كبير إلى انخفاض عدد الضحايا الذين أوقعتهم تلك الهجمات. ويوضح الهجوم بالأسحلة الكيميائية الذي استدعى الضربات الانتقامية الأخيرة هذه النقطة بشكل أكبر. فعلى الرغم أن غاز الكلورين استخدم بشكل شبه مؤكد، فإن من غير الواضح ما إذا كان عنصر غاز الأعصاب قد استخدم أيضاً. ومع ذلك، أسفرت الحادثة عن مثل هذه القائمة الكبيرة والشاذة من الضحايا إلى درجة أنها بررت استدعاء استجابة من الولايات المتحدة وحلفائها، حتى من دون التأكد من استخدام عامل غاز الأعصاب في الهجوم.
هل كانت الضربة كسباً؟
في أعقاب هذه الضربة العقابية الأخيرة، من المرجح أن تتجنب الحكومة السورية استخدام عوامل الأعصاب على الأقل لفترة طويلة، كما فعلت في العام 2017. أما إذا كانت ستقلل أيضاً استخدامها لعنصر الكلورين، فهو شأن أقل تأكيداً. وسوف يكون للقوات الموالية للحكومة السورية بازدياد حافز تكتيكي أقل لاستخدام مثل هذه الأسلحة، بينما توشك عملياتها الصعبة في المناطق الحضرية حول دمشق على الانتهاء. ومن ناحية أخرى، فإن هذه الجهات ربما تتشجع بالمحدودية الكبيرة للضربة العقابية الأخيرة. وتبقى الأولوية القصوى للحكومة السورية هي تحقيق النصر في الحرب الأهلية الجارية في البلد. وإذا خلصت إلى أن المزيد من الضربات العقابية سوف يستمر في أن يتوجه ضد أهداف البنية التحتية للأسلحة الكيميائية وحدها فقط، فإن دمشق سوف تقدم على هذه التضحية بسعادة مقابل الاستمرار في تحقيق النجاحات الميدانية في ساحات المعركة، والتي يساعدها استخدام الأسلحة الكيميائية.
مع ذلك، تظل المخاطرة التي ينطوي عليها الخضوع لهذا الإغراء عالية بالنسبة لسورية. فإذا ما أساءت الحكم، وقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتصعيد استجاباتهم من خلال قصف قيادة الحكومة السورية وجنودها وقواتها التقليدية، فإن القوات السورية الموالية سوف تعاني من أضرار شديدة. وسوف يشكل ذلك معيقاً هائلاً أمام حملتها الحالية، والذي يمكن أن يجهض بشكل جدي التقدم الذي أحرزته حتى الآن. ولذلك، فإن الأكثر ترجيحاً هو أن تكرر الحكومة السورية رد فعلها في العام 2017، وأن توقف الهجمات الكيميائية في الوقت الحاضر.
الغد