يبدو أن “الصداقة المتينة” مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب هي أهم الإنجازات التي حققها إيمانويل ماكرون، بعد مرور حوالي عام على تقلده منصب الرئاسة في فرنسا.
هذه العلاقة غير المتوقعة تجسدت ملامحها ابتداء من مصافحتهما الحارة في بروكسل العام الماضي، وعبر إعلان ماكرون مؤخرا أنه أقنع ترمب بقصف سوريا.
ومن المتوقع أن تكتسب صداقة الرجلين زخما كبيرا ابتداء من الاثنين، عندما يبدأ ماكرون زيارة لواشنطن هي الأولى لزعيم فرنسي منذ تولي ترمب السلطة مطلع 2017.
وغالبا ما يهاتف ماكرون ترمب. ومع حذر زعماء العالم الآخرين من خطْب ود الرئيس الأميركي “المتقلب”، فإن حسابات ماكرون أكثر ذكاء وتحفظا ولذلك يفضل الحديث إلى ترمب بدل عزله.
ماكرون البالغ من العمر 41 عاما والذي لم يشغل منصبا انتخابيا قبل فوزه بالرئاسة، دافع عن مقاربته إزاء ترمب في مقابلة بثتها فوكس نيوز الأحد.
جاء في المقابلة “لست بصدد إصدار حكم على من يجب أن يكون رئيسكم، أو استحضار ذلك. بسبب هذه الخلافات والتحقيقيات سيكون رئيسكم أقل مصداقية”.
ولدى ماكرون الكثير مما يكسبه من هذه الزيارة التي تدوم ثلاثة أيام، حيث يريد أن يقدم صورته كوجه لأوروبا المعاصرة وأنه المدافع الأول عن النظام الليبرالي العالمي.
كذلك يريد ماكرون البرهنة على محورية الدور الفرنسي في حل المشاكل العالمية، من قبيل طموحات إيران النووية والحرب التجارية العالمية.
الخيلاء الفرنسية
وتبدو طموحات ماكرون شبيهة بالخيلاء الفرنسية والتفكير الرغبوي، ولكنها تتناغم أيضا مع “عودة فرنسا للعالمية” وهي الإستراتجية التي يتبناها الرئيس الشاب.
يتحدث ماكرون بانتظام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومع قادة آخرين مثيرين للجدل، ولديه أيضا مناورات دبلوماسية في الشرق الأوسط بهدف الدفاع عن المصالح الفرنسية، وللتأكد من أن لأوروبا دورا في مستقبل المنطقة.
ورغم علاقاتهما الحميمية، فإن ماكرون وترمب يختلفان في بعض القضايا الجوهرية، مثلا:
في مجال الاحتباس الحراري، سخر ماكرون من شعار حملة ترمب (لنجعل أميركا عظيمة من جديد)، ونشر فيديو على تويتر يقول فيه “اجعل كوكبنا عظيما من جديد”.
وقد وضع الفيديو على تويتر بعد لحظات من إعلان ترمب العام الماضي أنه يريد الانسحاب من معاهدة باريس للمناخ.
إيران أيضا محور خلاف بين الجانبين، فبينما تبرز فرنسا مدافعا قويا عن الاتفاق النووي الموقع في 2015 لكبح طموحات طهران النووية، يهدد ترمب بإلغاء الاتفاق الشهر المقبل.
ويأمل ماكرون في إحراز تقدم هذا الأسبوع وإقناع ترمب بعدم الانسحاب من الاتفاق.
وثمة أيضا التجارة، فماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل -التي تعزم على زيارة واشنطن الأربعاء- عارضا بشدة التعاريف الجمركية التي وضعها ترمب على الصُّلب، ورفضا أيضا رؤيته (أميركا أولا) كونها تهدد السوق الأوروبية الموحدة.
الرمزية والاستيعاب
ووفق ما هو مخطط، فإن زيارة ماكرون ستكون رمزية أكثر من كونها جوهرية ولا يتوقع أن تحقق اختراقات كبيرة. ولكن على المدى الطويل، يأمل الرئيس الفرنسي أن تساعد علاقته بنظيره الأميركي في تقليص خلافاتهما السياسية.
ويتمسك مكتب ماكرون بأن التنسيق الفرنسي الأميركي في شن غارات صاروخية على سوريا هذا الشهر، يمثل نموذجا لمستقبل العمل المشترك بين واشنطن وباريس.
ولكن كيف تمكّن ماكرون من تجنب إزعاج ترمب المعروف بحساسيته إزاء التجاهل أو الازدراء؟
يقول الباحث في مركز دراسات المجلس الأطلنطي بواشنطن نيكولاس دونغان إن ماكرون تعامل بحرَفية عالية مع ترمب.
وبينما دفع زعماء العالم والمخضرمون السياسيون ترمب للشعور بأنه دخيل أو غير مرغوب فيه، فإن ماكرون يتقبّله ويحترمه أكثر من كونه يزدريه، وفق دونغان الذي يضيف “أنها إستراتيجية تأثير فعالة، من خلال احترامه ومعاملته بطريقة رسمية”.
ابتذال ترمب
ويرى الباحث أن ماكرون يبدو حاليا محصنا من وصمه بابتذال وسوقية ترمب، ولكنه لا يزال معرضا لهذا الخطر.
ولعل تحدّث ماكرون الإنجليزية بطلاقة ساعده على بناء علاقته بترمب، وكذلك قدرته على إجادة “لعبة الرجل القوي” التي يطرب لها الرئيس الأميركي.
ورغم كونه الأصغر حجما وسنا، فإن ماكرون بدا قادرا على كسب إعجاب ترمب بدل استيائه، ابتداء من لقائهما الأول في قمة الناتو عندما صافحه وأمسك بيده وقتا طويلا.
وإزاء سياسة ترمب الصدامية، يبدو ماكرون كسهم مستقيم وعلى استعداد للقتال، وفق مستشار الحكومة الفرنسية السابق فرانسوا هايزبورغ الذي يرى أن من شأن زيارة واشنطن أن تسلط الضوء على قابلية ماكرون -الغريبة إلى حدما- على التلاقي مع الزعماء المتطرفين.
ويضيف “أنه على ما يبدو الوحيد الذي يمكنه التحدث معهم بشكل جوهري في الوقت الذي لا يظهر فيه وكأنه يهجر مبادئه”.
أهداف أخرى
ومن خلال رحلته لواشنطن، يأمل ماكرون في تعزيز مكانته في محاور أخرى، من قبيل الاتحاد الأوروبي وسوريا وصناعة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وهذه الرحلة ستصرف الأنظار عن متاعب ماكرون الداخلية، حيث تقلع طائرته في اليوم الذي يتوقع فيه تنفيذ إضراب عمالي سيؤدي إلى توقف معظم القطارات الفرنسية عن العمل، وإلغاء ربع رحلات الخطوط الجوية الفرنسية.
وبينما يستعد ماكرون لحضور عشاءين رسميين فاخرين وإلقاء كلمة أمام الكونغرس، يشدد البيت البيض والإليزيه على تطابق وجهات نظرهما بدل إثارة القضايا الخلافية.
كما أن كلا الرئيسين وافد جديد على السياسة وله خلفية في مجال الأعمال، وتعتبر فرنسا الحليف الأول للأميركيين في مساعدتهم على الانتصار في حرب الاستقلال.
وسيحتفل ماكرون بهذا التحالف الطويل الأمد عبر إهداء ترمب شتلة شجرة بلوط، جلبت من موقع معركة بيلو وود في الحرب العالمية الأولى، والتي شارك فيها الجنود الأميركيون.
هذه الهدية ترمز لتقدير ماكرون لتضحيات الأميركيين من أجل فرنسا، وهي إشارة أيضا لمخاوفه إزاء البيئة، لذلك يريد زراعة الشتلة في حدائق البيت الأبيض.
المصدر : أسوشيتد برس