ذات مرة في أنقرة، التقى سلطان تركيا وقيصر روسيا، واتفقا على خطة سهلة جداً لتقاسم المشاكل وحلها، والتي من شأنها أن تزرع الروع في كل قلب. وكانت تلك ضربة معلم في الحسم، وأنقى تجسيد لفن الممكن.
قرر السلطان والقيصر أن يلغيا الاعتراف بالمشاكل، لأنها بهذه الطريقة سوف تذهب فحسب. وإذا كانت المشاكل غير موجودة، كما قالا، فإنه ليس هناك شيء يتطلب الحل. مَن يهتم إذا كان لدى النهابين البغيضين في الغرب الوقاحة ليصفونا بأننا مشكلة، بل إننا لا نعرف كلمة مشكلة من الأساس.
“حصل”، قال القيصر بهدوء. وكان قد عمل، في تجسُّدٍ سابق جاسوساً لبلده ونادراً ما تحدث بصوت عالٍ أكثر مما يجب أو بشكل غير دقيق.
“اتفقنا”، صرخ السلطان، الذي كان أقل انضباطاً بكثير، بما أنه لم يكن في أي وقت أي شيء سوى سياسي موهوب في التبجح الخطابي.
وهكذا، تقررت الأمور على هذا النحو، وعاد كل من الرجلين إلى قصره، متشبثاً بالاتفاق وكأنه جوهرة، متيقناً من أنه كل ما يلزم للعيش بسعادة إلى الأبد.
* * *
دعونا ننتقل إلى الواقع، حتى مع أنها كانت هناك سمات مقصودة بلا ريب للقصة الخيالية في الاجتماع الذي انعقد بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة يومي 3 و4 نيسان (أبريل) الحالي. وقد تشبث الأوتوقراطيان، اللذان يكرههما الغرب وينتقدهما الغرب باطراد، ببعضهما بعضا، في عناق حاضر العزلة ومولود من العزلة؛ حيث يلعب الرئيس الإيراني حسن روحاني دور “العزول” غير المرغوب فيه، إن لم يكون دور الأم الخيالية بالمعمودية.
هل يمكن لهذا أن يدوم؟ هل يمكن أن ينتهي تقارب السلطان التركي والقيصر الروسي بتلك العبارة القطعية المغالية التي تنتهي بها معظم القصص الخيالية: وعاشاً معاً بسعادة إلى الأبد؟
كلا، لأن المسألة أقرب إلى كونها “تحالف مصلحة” من كونها علاقة جميلة، بكلمات جنيفير كافاريلا، الخبيرة في الشأن السوري في معهد دراسات الحرب في واشنطن. وتقول كافاريلا إن إردوغان يجد أن من الحكمة السياسية الآن وضع إيمانه في بوتين وروحاني. وتضيف: “سوف يظل متحالفاً معهما طالما ظل يرى أن من الضروري متابعة تحقيق أهدافه ضد ميليشيا وحدات حماية الشعب، المكونة في معظمها من الأكراد”.
وهذا عادل بما يكفي. ولكن، من المستحيل أن نعرف، بطبيعة الحال، كم من الوقت سيتطلب تركيا لتحقيق أهدافها ضد الأكراد في شمال سورية.
ومع ذلك، وكما هو الحال مع أي قصة خيالية جيدة، يبدو أن ملاك السحر قد أعمل سحره على أبطال الحكاية الرئيسيين. ثمة تركيا وروسيا وإيران، وهي ثلاث من أكثر اللاعبين العسكريين الأجانب نفوذاً في سورية، والتي تحاول جميعاً إدارة خلافاتها والملاحة من خلالها، وهي خلافات كثيرة في واقع الأمر. فروسيا وتركيا تدعمان نظام بشار الأسد، وتركيا تقف ضده. وتريد تركيا سحق الأكراد، لكن روسيا وإيران نظرتا إليهم –حتى وقت قريب- بطريقة أكثر إيجابية.
وحتى مع ذلك، أبرم القيصر والسطان الصفقة حول الأكراد في كانون الثاني (يناير). وقد اختار بوتين أردوغان على الأكراد، وانتقل المراقبون العسكريون الروس علناً مبتعدين عن شمال غرب سورية تماماً عندما أعلنت الحكومة التركية أنها عاكفة على دخول الجيب الذي يسيطر عليه الأكراد في عفرين.
بعد ذلك، سدد أردوغان معروف بوتين بمعروف من عنده، عندما قصر ردة فعله على هجوم النظام في الغوطة الشرقية على النقد الشرس، وإنما لا شيء أكثر من ذلك.
وفي الأثناء، بدأت إيران في رؤية فضيلة العمل إلى جانب تركيا في سبيل إضعاف وحدات حماية الشعب الكردية. ويشرح منصور أكغون، رئيس دائرة العلاقات العامة في جامعة كولتور في اسطنبول، منطق طهران على النحو الآتي: “كان المقاتلون المرتبطون بحزب العمال الكردستاني ناشطين في إيران أيضاً، ولو ليس بقدر تركيا. ولذلك، لا تريد إيران -مثلها مثل تركيا- وجوداً قوياً لوحدات حماية الشعب الكردية، والذي ربما يفضي إلى قيام دولة مستقلة هناك”.
كما في معظم القصص الخيالية، تظل التنانين تحوم فوق الرؤوس. وقد أغضب إيران تعهد تركيا بالاستيلاء على مدينة تل رفعت السورية والاندفاع أبعد إلى الشرق.
تريد أنقرة، كما يقول مسؤول تركي رفيع، من موسكو أن “تمارس مزيداً من السيطرة على نظام (الأسد)”، بحيث يتم ضمان وصول إنساني أكثر إلى الغوطة الشرقية وكبح الغارات الجوية التي يشنها النظام ضد المناطق التي يسيطر عليها الثوار في سورية.
على المدى البعيد، يبدو من الصعب تخيل تحالف دائم وقابل للحياة بين هذه البلدان الثلاثة التي لديها أولويات مختلفة للغاية، والتي تتنافس على النفوذ في منطقة البحر الأسود.
سوف يكون مثل ذلك، في الحقيقة، من نوع محتوى القصص الخيالية.
راشمي روشان لال
صحيفة الغد