واشنطن – اعتبرت مصادر دبلوماسية عربية في العاصمة الأميركية أن اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والآخر الذي سيجمعه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الجمعة، يظهران بوضوح حرص دول الاتحاد الأوروبي كما روسيا والصين قبل ذلك على الدفاع عن المصالح الإيرانية في العالم وخصوصا لدى الإدارة الأميركية.
وأشارت هذه المصادر إلى أن المواقف الملتبسة للدول الكبرى يجب أن تأخذها الدول الإقليمية المتضررة من سياسة التخريب الطائفي لإيران في المنطقة بعين الاعتبار، وخاصة السعودية باعتبارها دولة محورية إقليميا ودوليا، وأن توظف الأوراق التي تمتلكها لدفع الدول المعنية إلى تعديل مواقفها على قاعدة تبادل المصالح وعدم الاكتفاء بالرهان على موقف واشنطن التي قد تسعى بدورها إلى الحصول على ضمانات تراعي مصالحها وتراعي كذلك أمن إسرائيل.
ولا يخفي متابعون للشأن الخليجي أن دول المنطقة تحتاج إلى أن تطوّر أداءها وتسعى إلى تلافي ثغرات في العمل الدبلوماسي والاستراتيجي الذي تعتمده لبناء علاقاتها الدولية.
وكان ترامب وماكرون عبرا، الثلاثاء، خلال قمتهما في واشنطن عن رغبتهما في التوصل إلى اتفاق “جديد” مع إيران، يحل مكان الاتفاق النووي الموقع عام 2015، من دون الإفصاح عن معالم ونطاق هذه المفاوضات الجديدة التي يرغبان فيها. إلا أن إيران سرعان ما رفضت فكرة الاتفاق الجديد، ورد الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء، مشككا في شرعية مساعي التوصل إلى اتفاق جديد.
ويستغل ماكرون زيارة الدولة التي يقوم بها على مدار ثلاثة أيام للولايات المتحدة لإنقاذ الاتفاق مع إيران، والذي يعتبره الغرب أفضل أمل لمنع إيران من حيازة قنبلة نووية والحيلولة دون سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
ويقضي مقترح ماكرون بأن تتفق الولايات المتحدة وأوروبا على عرقلة أي نشاط نووي إيراني حتى 2025 وما بعدها، والتصدي لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وتهيئة الظروف لحل سياسي لاحتواء إيران في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
وألمح ماكرون إلى استعداده لإجراء محادثات حول اتفاق نووي جديد مع إيران.
وقال الرئيس الفرنسي في أعقاب محادثاته مع نظيره الأميركي إنه ينبغي تمهيد الطريق من أجل اتفاق جديد، وأن يتم في هذه المحادثات إشراك القوى السياسية في الإقليم مثل روسيا وتركيا.
وأضاف أنه يجب أن يكون الهدف هو ضمان الاستقرار المستدام في الشرق الأوسط، قائلا “لسنا ساذجين بشأن ما يخص إيران”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه يكن احتراما كبيرا للشعب الإيراني.
وقالت مصادر دبلوماسية خليجية إن سعي ماكرون لإقناع نظيره الأميركي بالذهاب نحو مفاوضات جديدة مع إيران للتوصل إلى اتفاق جديد يشمل البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي والنفوذ الإيراني يراعي مصالح أوروبا كما مصالح الغرب عامة، ويراعي في الوقت عينه إيران نفسها في ما تنشده من موقع ودور تريده أن يحظى باعتراف الدول الكبرى، وأنه لا يراعي مصالح دول المنطقة الأخرى وخاصة مطالب السعودية.
ومع اقتراب مهلة نهائية بشأن عقوبات اقتصادية أميركية على إيران تنقضي في 12 مايو، هدد ترامب الثلاثاء “بمشكلات أكبر” إذا استأنفت إيران برنامجها النووي، واتهم طهران بأنها صانعة للمشكلات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقال “حيثما تذهب في الشرق الأوسط، يبدو أن إيران تقف وراء كل مشكلة”.
وتوقع المحلل السياسي تشارلز برمنر ألا تحقق زيارة ماكرون أي تغيير يذكر، بل ينظر إليها حلفاء ماكرون كاختبار لخطط الرئيس الفرنسي وإطراءاته تجاه رئيس لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ويكبره بـ31 عاما.
وكتب برمنر في صحيفة التايمز البريطانية “ماكرون يهدف إلى توصيل رسالة إلى ترامب بألا يكون ساذجا تجاه نظيره الروسي فلاديمير بوتين المهووس بالتأثير على ديمقراطيتنا، لذا أعتقد أنك لا يجب أن تكون ضعيفا مع بوتين”.
ورأى خبراء أميركيون في شؤون الشرق الأوسط أن إيران باتت تملك جماعات ضغط داخل الدول الغربية الرئيسية وأن لهذه الدول مصالح مأمولة في إيران، خصوصا إذا ما تم تطبيع العلاقات مع طهران، من خلال اتفاق جديد ورفع العقوبات عنها.
وأضاف هؤلاء أن دولا كبرى باتت تتطوّع للعب دور المحامي للدفاع عن إيران أمام ترامب.
من جهته شكك الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء، في شرعية المطالب للتوصل إلى اتفاق جديد حول الملف النووي.
وقال روحاني في خطاب في تبريز (شمال إيران) “معا برفقة رئيس دولة أوروبية يقول نريد أن نقرر حول اتفاق تتوصل إليه الأطراف السبعة، للقيام بماذا؟ وبأي حق؟” في إشارة ضمنية إلى خطاب ترامب وماكرون.
وانتقد روحاني الرئيس الأميركي من دون تسميته قائلا “لستَ سوى رجل أعمال، لا تملك أي خبرة في السياسة ولا في مجال القانون أو الاتفاقات الدولية”.
ورأت مراجع خليجية أن مقاربة العالم بشأن خطر إيران في المنطقة لا يجب أن تتم من خلال البوابة الأميركية فقط، وأن هناك لا شك ثغرات في العمل الدبلوماسي والاستراتيجي على النحو الذي يجعل المسألة الإيرانية متقدمة داخل العواصم الكبرى على الرغم من الجهود التي تبذلها دول خليجية لتطوير العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية مع الدول الغربية.
ولفتت مصادر دبلوماسية عربية إلى أن واشنطن وشركاءها عملوا على إنتاج الاتفاق النووي عام 2015 دون مراعاة لمصالح ومخاوف الدول العربية، وأن المداولات التي تجري حاليا لإنقاذ هذا الاتفاق من خلال اتفاق آخر، تستمر على ما يبدو في سعيها دون الأخذ بالاعتبار وجهة النظر العربية عامة والخليجية خاصة.
وفيما تدعو أوساط دبلوماسية خليجية إلى إعادة النظر في الأداء الدبلوماسي والسياسي المتعلق بهذه المسألة، ترى هذه الأوساط وجوب أن تكون وجهة النظر العربية حاضرة بقوة داخل أي خطط لتعديل الاتفاق النووي وتوسيع نطاقه ليشمل ملفات خلافية أخرى، ووجوب أن يستمع المجتمع الدولي إلى لهجة عربية جديدة تقنعه بأن المنطقة تملك إمكانات لتعطيل أي تفاهمات دولية مع إيران لا تأخذ جديا بعين الاعتبار وجهة النظر العربية المطالبة بوقف السياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة ووقف تدخل طهران في شؤون المنطقة.
وكانت إيران دعت، الثلاثاء، الدول الخليجية إلى حوار حول الأمن الإقليمي معلنة أمام الأمم المتحدة أنه حان الوقت للتخلص عن “أوهام الهيمنة” التي أدت إلى حروب مدمرة.
واقترح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال اجتماع للأمم المتحدة حول سلام مستدام إنشاء “منتدى للحوار الإقليمي”.
العرب