تشعر إيران بضيق حلقة الضغط الأميركية عليها تدريجيا، في وقت تحاول واشنطن الوصول إلى صيغة جديدة تضبط الطموح النووي والسياسي الإيراني في المنطقة، وترسم ملامح جيوسياسية جديدة اعتمادا على الاستثمار في تقليص نفوذ طهران.
ويقسم الغرب استراتيجية التعامل مع إيران إلى 3 مراحل، هي تعديل الاتفاق النووي، ومحاولة الوصول إلى صيغة للاتفاق مع إيران على تحديد مدى صواريخها الباليستية بحيث لا تتحول إلى تهديد للدول الأوروبية، والوصول إلى اتفاق حول دور إيران الإقليمي وسلوكها تجاه جيرانها العرب.
لكن مصادر في واشنطن قالت إن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين ليست لديهم أي خطط حول محاصرة نفوذ إيران.
ويدرك الدبلوماسيون الإيرانيون ذلك، ويحاولون استغلال هذه المعضلة التي تواجه الغرب، لتقويض استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر التصعيد.
وأظهرت جولة وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو إلى الشرق الأوسط، التي شملت السعودية وإسرائيل والأردن، تصميم الإدارة الأميركية على التعامل بحزم مع الحالة الإيرانية.
وأصر بومبيو على إرسال رسائل تهدف إلى تبديد أي أوهام لدى طهران من إمكانية تبدل موقف ترامب بعد لقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الأميركية أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي، دون الحصول على تبدل كامل في السلوك الإيراني في الملف النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية ونفوذ طهران في المنطقة.
وأجرى بومبيو، الذي وصل العاصمة الأردنية مساء الأحد، محادثات الاثنين مع نظيره الأردني أيمن الصفدي تتناول أوضاع المنطقة قبل أن يلتقي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن المرشد علي خامنئي اتهامه للولايات المتحدة بمحاولة تعميق “أزمة إقليمية” بتحريض السعودية، منافس طهران في المنطقة، على مواجهة الجمهورية الإسلامية.
وقال خامنئي “إحدى طرق مواجهة إيران هي تحريض حكام لا يتمتعون بالخبرة في (…) يحاول الأميركيون تحريض السعودية ضد طهران… هدفهم تعميق الأزمة الإقليمية… ودفع المسلمين إلى محاربة المسلمين”.
وسرعان ما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، الاثنين، إن “تصريحات وزير الخارجية الأميركي حول تواجد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بعض دول المنطقة والدور الذي تؤديه هي تكرار لاتهامات عبثية لا أساس لها”.
وقال قاسمي إن تواجد إيران في سوريا والعراق يأتي استجابة لمطالب حكومتي البلدين ويندرج في إطار “المعركة ضد الإرهاب في المنطقة”.
وتابع “هذه المساعدة ستستمر ما دامت الحكومتان بحاجة إلى مساعدة في هذه المعركة”.
وأكدت مصادر دبلوماسية أميركية مواكبة لجولة بومبيو أن واشنطن بعد استماعها إلى شركائها الأوروبيين تتشاور مع شركائها في المنطقة لاتخاذ قرار فعال لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
وأضافت هذه المصادر أن رسائل بومبيو وصلت إلى طهران وأن ردود الفعل الإيرانية تعبر عن قلق حقيقي جراء جدية المسار الذي تجمع عليه المؤسسات الأميركية تجاه إيران.
وقال مراقبون للشؤون الإيرانية إن طهران تشعر بتصاعد الموقف الأميركي بعد تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي ومايك بومبيو وزيرا للخارجية، وأن رد الفعل الإيراني أتى مدروسا على مستوى وزارة الخارجية، وشعبويا كالمعتاد على مستوى المرشد علي خامنئي.
ويكشف حديث إيران عن شراكة أميركية سعودية القراءة الجديدة لطهران للمشهد الجيواستراتيجي الذي سينسحب على ميادين النفوذ الإيراني في المنطقة.
وتستعد طهران للتموضع وفق هذه الحقيقة، غير أن ما تظهره من مواقف يكشف أن أدواتها الدبلوماسية كما مناوراتها الإقليمية والدولية باتت محدودة، خصوصا إذا ما تم تفاهم ما بين الولايات المتحدة وروسيا قد يصار إلى التوصل إليه في لقاء القمة المرتقب بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأصبح الإيرانيون على قناعة بأن إدارة ترامب تريد التخلص من الاتفاق النووي، الذي يرى فيه مسؤولون أميركيون أنه، تحول إلى عقبة في طريق إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها النووي.
ويعتقد مساعدون كبار لترامب أنه طالما سمح الاتفاق لإيران بالاحتفاظ ببرنامجها النووي ومكنها من القدرة على تخصيب اليورانيوم بعد مرور عشرة أعوام على توقيعه صيف 2015، فلن يكون هناك مجال للتوصل إلى اتفاق مع بيونغ يانغ يتم بموجبه نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.
ونقل التلفزيون الرسمي عن علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قوله، إن إيران تستطيع من الناحية الفنية تخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى مما كانت عليه قبل التوصل إلى الاتفاق النووي.
وحذر صالحي ترامب من هذه الخطوة قائلا “إيران لا تناور… فنيا نحن مستعدون تماما لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى مما كان عليه قبل التوصل إلى الاتفاق النووي… أتمنى أن يعود ترامب إلى صوابه وألا ينسحب من الاتفاق”.
وعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤتمرا صحافيا عرض خلاله ما قال إنه معلومات استخباراتية حصلت عليها إسرائيل تثبت أن إيران لم تتخل عن برنامجها النووي، حتى بعد توقيع الاتفاق مع القوى الكبرى، في مسعى منه لتشجيع ترامب على الانسحاب من الاتفاق.
وأعطى نتنياهو تفاصيل غير مسبوقة عن برنامج إيران، شمل ما قال إنه 100 ألف وثيقة و183 قرصا مدمجا تحوي معلومات عن الملف. وأكد أن إيران “كذبت على العالم”، وأن “البرنامج النووي فظيع وبني على الأكاذيب”.