إيران تحت الضغط.. ماذا عن النووي الإسرائيلي؟

إيران تحت الضغط.. ماذا عن النووي الإسرائيلي؟

فيما تثار الكثير من الزوابع عن المشروعين النوويين الإيراني والكوري الشمالي وفي وقت تم فيه التخلص من مشاريع عربية مشابهة في مهدها تبقى القدرات النووية الإسرائيلية -غير المعلنة رسميا- خارج السيطرة، في وقت تتلقى إسرائيلدعما مطلقا من واشنطن لتكريسها القوة النووية الوحيدة بالمنطقة.

وفي وقت قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي عرضا “مبهرا” عن البرنامج النووي الإيراني “السري” ومخاطره -الذي نفته طهران- تملص من الإجابة عن سؤال سي أن أن” بشأن إمكانيات بلاده النووية، وقال “إن إسرائيل لن تكون الأولى التي تقر بحيازتها النووي أو عدمه”.

من جهتها، أفادت صحيفة هآرتس بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد أن إسرائيل لن تطالب بنزع أسلحتها النووية التي تمتلكها بدون اعتراف كامل وشامل من جميع الدول في منطقة الشرق الأوسط بحقها في الوجود.

هذا التصريح يأتي ذلك قبيل مداولات تمهيدية تُجرى في جنيف للترتيب لمؤتمر خاص بميثاق منع انتشار الأسلحة النووية الذي سيلتئم عام 2020، وهو مؤتمر دولي مهم ينعقد مرة كل خمس سنوات.

وتثابر واشنطن على دعم إسرائيل في نظريتها للأمن والمتمثلة في ضمان التفوق النوعي على كل الدول العربية مجتمعة، وعملت بالتعاون مع إسرائيل على إحباط كل محاولات الدول العربية لاكتساب القوة -خاصة النووية منها- على الصعيدين السياسي والعسكري.

غموض القوة
ومنذ نشوئها تتبنى إسرائيل سياسة الضبابية والغموض بشأن برنامجها النووي وقدراتها في هذا المجال، ولا تعلق على التقارير المتعلقة بحجم ترسانتها النووية، وتترك المجال مفتوحا للتأويلات والتحليلات.

وأشارت تقارير كشفتها صحيفة هآرتس إلى أن إسرائيل تعهدت لواشنطن منذ عام 1969 بعدم كشف قدراتها وعدم إجراء تجربة نووية إلا في حالة الخطر الشديد، لتكون سياسة الغموض جزءا من الإستراتيجية المشتركة والتنسيق مع الإدارة الأميركية.

في أكتوبر/تشرين الأول 1986 كشف العالم النووي الإسرائيلي المنشق مردخاي فعنونو معلومات دقيقة نشرتها صحيفة صنداي تايمز مرفقة بصور عن مشروع نووي إسرائيلي متقدم جدا في مفاعل “ديمونة” -الذي كان يروج أنه مصنع نسيج- لإنتاج مئتي قنبلة نووية خلال عشرين سنة، وحكم عليه بالسجن 18 سنة قضى منها عشر سنوات.

وكشفت مجلة فورين بوليسي الأميركية مؤخرا وثيقة استخباراتية تفيد بأن إسرائيل تمتلك بضع مئات من الرؤوس النووية، إضافة إلى قنابل هيدروجينية، ومشروع لتطوير وإنتاج أسلحة كيميائية وبيولوجية بدأتها كإحدى نتائج حرب أكتوبر 1973.

ومثلت حيازة أسلحة الدمار الشامل -خصوصا السلاح النووي- إحدى أهم أولويات إسرائيل منذ تأسيسها، وكانت البداية مع فرنسا عام 1949عندما بدأ التعاون بين الوكالة الفرنسية للطاقة الذرية وشمل تبادل الباحثين والعلماء، وتم توقيع اتفاق استخراج اليورانيوم والماء الثقيل عام 1953 ثم سلمت باريس تل أبيب مفاعل ديمونة عام 1957 ليأتي التعاون بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا لاحقا.

ورغم أن إسرائيل عضوة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ 1957 لكنها لم تنضم إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية للعام 1968 ولم توقع على البروتوكولات الإضافية للوكالة الدولية للطاقة الذرية المتعلقة بحظر استعمال وإنتاج وتطوير الأسلحة البيولوجية للعام 1972.

وتلتزم إسرائيل الصمت على كل ما يتعلق بمشروعها النووي، لكن معلومات متقاطعة تشير إلى أن مواقع عدة في الأراضي المحتلة تتضمن أنشطة نووية يقع معظمها قرب البلدات والتجمعات السكنية العربية، أهمها “ديمونة” في صحراء النقب، و”سوريك ناحل” غربي بئر سبع، و”الكيشون” شمال خليج حيفا و”كفار زخاريا” شمال غرب مدينة الخليل و”عيلبون” في قرية نمرين بالجليل.

الاحتكار والتفوق
مقابل الترسانة النووية الإسرائيلية الغامضة لم تسمح إسرائيل والولايات المتحدة لأي دولة من دول المنطقة بتطوير سلاح نووي، فبعد أن وقعت مصر معاهدة الحد من الأسلحة النووية في يوليو/تموز 1968 عالجت تل أبيب بقية الملفات المطروحة أمامها بالخيار العسكري أو وسائل استخباراتية واغتيالات.

ضمن عملية أطلق عليها “أوبرا” دمرت طائرات إسرائيلية يوم 7 يونيو/حزيران 1981 مفاعل تموز العراقي (أوزيراك) الواقع جنوبي بغداد والذي أنشئ بتعاون فرنسي عراقي، كما دمر مفاعل أوزيراك 2 في فرنسا قبل أن يشحن إلى العراق، وقبل ذلك يوم 14 يونيو/حزيران 1980 بعد أن اغتال جهاز الموساد العالم المصري الذي يعمل بالمشروع النووي العراقي يحيى المشد في باريس إثر عملية استخباراتية سميت “عملية أبو الهول”.

وتعطل المشروع النووي العراقي الذي كان من المتوقع أن ينتج قنبلة بدائية عام 1983، وتكفلت الحروب الأميركية لاحقا والحظر ولجان التفتيش الدولية بما بقي منه.

ووفق بعض التقارير، اغتال الموساد أكثر من 350 عالما نوويا عراقيا، من بين الآلاف من العلماء الذين تمت تصفيتهم.

وغير بعيد كان المشروع النووي الإيراني -الذي بدأ عام 1957 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي الموالي للغرب وصديق إسرائيل- تحت أعين الموساد، لكن نجاح الثورة الإسلامية أعطاه بعدا آخر ليصبح خطرا أساسيا بالنسبة لإسرائيل.

ورغم فتح إيران منشآتها الأساسية أمام وكالة الطاقة الذرية وإبرامها الاتفاق النووي مع الغرب عام 2015 تؤكد تل أبيب أن طهران تمتلك برنامجا سريا لإنتاج سلاح نووي مزعوم كشفه بنيامين نتنياهو قبل أيام لجر إدارة ترامب إلى إنهائه بشكل أو بآخر.

ومؤخرا اعترفت إسرائيل بتدميرها المفاعل النووي السوري في دير الزور عام 2007 ضمن ما سمتها “عملية البستان”، وأشارت تقارير إلى أن اكتشاف الموقع تم صدفة وبعد ست سنوات من بنائه، فيما تم التأكد منه بعد اختراق الموساد حاسوب رئيس لجنة الطاقة الذرية السورية إبراهيم عثمان أثناء زيارة إلى لندن في ديسمبر/كانون الأول 2006، حيث عثر على صور عديدة ووثائق للمفاعل.

وفي محاولاتها لإجهاض أي توجه عربي نحو الطاقة النووية -حتى بشقها السلمي- لم تكن أعين الموساد بعيدة عما يحصل في ليبيا، غير أن تقديرات الجهاز بشأن تقدم المشروع كانت خاطئة، وفوجئ عام 2004 بتخلي العقيد الراحل معمر القذافي عن برنامج اقترب عمليا من مرحلة إنتاج سلاح نووي مقابل التقارب مع الغرب.

وضمن الإستراتيجية الإسرائيلية إذا سقط الحل العسكري لمحاذير دولية أو غيرها تكون الولايات المتحدة ظهيرا لإسرائيل لمنع أي دولة في الإقليم من تحقيق توازن نووي معها.

وتعمل الإدارة الأميركية عبر الضغوط الدبلوماسية أو التهديد بالقوة العسكرية لنزع ما يهدد “الوجود الإسرائيلي” كما حصل في النموذج الليبي أو الإيراني حاليا، حيث تسعى واشنطن لإلغاء الاتفاق النووي مع طهران أو ربما إجهاض المشروع الإيراني بالقوة العسكرية.

الجزيرة