نسمع ذلك كثيراً عن الموضوع الكوري. ومن ذلك شيء من قبيل أن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون هو بقاء نظامه، وأهم شيء بالنسبة إليه هو ترسانته النووية. لكن بيونغ يانغ أظهرت، من خلال عقد اللقاء التاريخي مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي يوم الجمعة قبل الماضي، ما هو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إليها. إن الأسلحة النووية هي الآن، وسوف تكون دائماً، شأناً ثانوياً قياساً بسلامة النظام.
أخبر كيم شعبه، الذين يتمتع بمكانة شبه إلهية عندهم، بأربعة أشياء:
1) لقد خدم برنامج الأسلحة النووية الغرض منه، وسوف نتوقف عن العمل عليه الآن.
2) سوف تركز جميع الجهود على جعلكم أغنياء، مثل الصينيين والكوريين الجنوبيين.
3) لقد بدأت حقبة جديدة من التاريخ الكوري من خلال التواصل مع الجنوب.
4) لقد نجحت أسلحتنا النووية في ترويض اليانكيز (الأميركان)، والآن سأقوم بمقايضتها مقابل تحقيق الأمن الدائم والرافعة المالية لجعلكم أغنياء.
يستطيع كيم الآن أن يقول: “عفواً، لقد أخطأت في قراءة الموقف -دعونا نعُد إلى كوننا فقراء، ولكننا نفتخر بامتلاكنا الأسلحة النووية!”، ويبدو أنه قد اعتلى نمراً ولا يستطيع أن ينزل عن ظهره من دون أن يؤكل. ولذلك عليه أن يركبه كل الطريق إلى وجهته.
دعونا نسند الفضل فيما حصل إلى من يستحقه. أولاً، إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب على انخراطه، والذي لم تكن لتعقد أي صفقة أبداً من دونه، ولممارسته أكبر قدر من الضغط. وقد هدفت هذه الحملة إلى دفع بيونغ يانغ إلى الزاوية بحيث يترتب عليها أن تختار بين بقاء النظام وبين القنابل النووية، بحيث تُجبر بالتالي على الاستسلام باختيارها بقاء النظام.
ثانياً، يستحق الرئيس مون الفضل في إدراك أنه إذا أراد أن يكون “نيكسون بالنسبة للصين”، فعليه أولاً أن يكون نيكسون من خلال دعم جناحه اليميني محلياً، وأن يثبت لحليفه في البيت الأبيض أنه كان أيضاً من المدافعين عن ممارسة أقصى قدر من الضغط، بينما يشير إلى كيم بشكل حاذق خلال كل ذلك الوقت بأنه إذا كان يريد عقد صفقة، فإن وقتها قد حان.
وأخيراً، دعونا ننسب الفضل إلى كيم. كان يعمل من موقف الضعف. فبلده أصغر البلدان وأكثرها فقراً وأقلها تمتعاً بحب الآخرين في شمال شرق آسيا، وبما لا يُقاس. وهو يواجه أربعة تهديدات وجودية لوجود نظامه، من: الولايات المتحدة (عسكرياً)؛ وكوريا الجنوبية (ثقافياً، مع أغنية جنية البحر التي تغوي بالاستيعاب)؛ وداخلياً (حيث يمكن أن ينبثق انقلاب من طبقة جديدة من رجال الأعمال إذا سارت الأمور ببطء شديد، أو من الجماهير في الأسفل إذا انحسر الاقتصاد)؛ ومن الصين (حيث يعود تعالي الصين والحقد الكوري وراءً إلى آلاف السنين).
فيما يتعلق بالصين، فإن الأشخاص الذين يفهمون كوريا الشمالية حقاً سوف يشيرون إلى القول الآتي: “عندما يكون الباب مفتوحاً، يلعنون أميركا. وعندما يكون الباب مغلقاً، يلعنون الصين”. ولا يختلف الأمر اليوم عما كان عليه في الماضي. فقد عنت ممارسة الضغط الأقصى أن الصينيين ناوروا ووضعوا أنفسهم في موضع شريان الحياة الوحيد لكوريا الشمالية -وهو وضع كريه بالنسبة لبيونغ يانغ بقدر ما هو خطير. وكان كيم قد أعدم عمه بسبب اشتباه في وجود نوع من التواطؤ مع الصين. وتم تسميم أخيه غير الشقيق حتى الموت في ماليزيا لأنه كان حاكماً بديلاً محتملاً بعد أي انقلاب مستلهَمٍ من الصين.
ما هو المطلوب لمواجهة كل هذه التهديدات الوجودية الأربعة؟ كبداية، إبرام معاهدة سلام لمنع أي مغامرة عسكرية أميركية. ثانياً، إقامة علاقة مع الجنوب تتجنب الامتصاص لصالح تقارب على المدى الطويل والحصول على المساعدة الاقتصادية. ثالثا، إصلاح اقتصادي على النمط الصيني، والذي يضمن سيطرة كيم على النظام ويضع التطور السريع كمصدر لشرعيته بدلاً من المقاومة ضد عدوانية الولايات المتحدة. وأخيراً، والأهم من كل ذلك، إنهاء العقوبات الدولية والشروع في التنويع الاقتصادي، لتقليل الاعتماد على الصين وتجنب التحول إلى مقاطعة صينية بحكم الواقع.
عندما ابتكر سياسة “byungjin” (التنمية المتوازية) المتمثلة في السعي إلى إنجاز كل من مشروعي الصواريخ النووية والتنمية الاقتصادية في وقت واحد، هل توقع كيم أنه يحتاج إلى الصواريخ إذا كان ليمتلك ما يكفي من أوراق المساومة للتوصل إلى حل لجميع تهديداته الأربعة؟ إذا كان الأمر كذلك، فإنه رجل ذكي. وإذا لم يكن كذلك، فإنه محظوظ. ولكن، سواء كان ذلك مخططاً أم لا، فإنني أسند إليه الفضل على رؤية هذه الفرصة بما هي عليه.
ولا تنسوا، في هذه “الحقبة الجديدة” من تاريخ الشمال والجنوب، سوف يكون كيم، الشاب الذي لا يواجه أي انتخابات، مسؤولاً في الشمال لعقود من الزمن، بينما يتعامل مع سلسلة من الرؤساء المستقبليين في كوريا الجنوبية. ولديه الفرصة، أكثر من أي شخص آخر، لتشكيل مستقبل كوريا.
ربما تكون التفاصيل الدقيقة والتوقيت شيطانيين، وقد تكون هناك بعض التقلبات المؤقتة على الطريق، لكن كيم سوف يقايض بأسلحته النووية ويتخلى عنها في نهاية المطاف.
سبنسر كيم
الغد