أدرك مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، المعين أخيرا، جون بولتون، منذ البداية أن الرئيس دونالد ترامب عازم على تنفيذ وعوده الانتخابية. وكان تحرك ترامب السريع نحو فرض حظر على دخول مسلمين الولايات المتحدة، وانسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ واتفاقيات للتجارة الحرة مع دول المحيط الهادئ كافيا كرسالة واضحة لمعرفة خطوات الرئيس تجاه الاتفاق النووي مع إيران. وبادر بولتون، قبل نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، إلى عرض رؤية لكيفية الانسحاب من الاتفاق. وعلى صفحات مجلة ناشيونال ريفيو التي تعرف بقربها من التيار المتشدد المحافظ داخل الحزب الجمهوري، فصل بولتون الذي كان باحثا في معهد أميركان إنتربرايز، المعروف بأجندته المتشددة، خطة تخدم هدف الرئيس ترامب ووعده بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقع منتصف 2015 بين إيران والدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا.
وفي الوقت الذي شهدت فيه واشنطن سجالات كبيرة ورؤى متصارعة بين أركان إدارة ترامب بشأن مستقبل الاتفاق بين مؤيد كوزارتي الخارجية والدفاع، ومعارض كالرئيس ترامب نفسه ومدير الاستخبارات (سي أي أيه) حينذاك مايك بومبيو، ومتشددين كجمهوريي مجلس النواب، أو آخرين راغبين في تعديل الاتفاق، ليفرض ذلك مزيدا من القيود على إيران، مثل جمهوريي مجلس الشيوخ، خرج بولتون برؤية محكمة متكاملة، سهلت استدعاء ترامب له ليصبح مستشاره للأمن القومي، بعد إقالة الجنرال أتش أر ماكمستر الشهر الماضي. وكتب بولتون خطة قصيرة من خمس صفحات، وأكد على إمكانية عرضها بتفاصيل دقيقة في مائة صفحة عند اتخاذ قرار بالانسحاب من الاتفاق.
ويرى بولتون أن على الولايات المتحدة عبء القيام بإقناع الجماعة الدولية أن الانسحاب من
الاتفاق النووي يخدم السلام العالمي، ويهدف لتحقيق مزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط، من خلال:
التنسيق الهادئ والمبكر مع أهم الحلفاء، وكشف ممارسات إيران غير المقبولة وفضحها، ويتضمن ذلك تسريب معلومات وتقارير لوسائل الاعلام العالمية. ونبه بولتون على ضرورة التنسيق الكامل مع إسرائيل، وبعض الدول الخليجية ممن يجمعهما مخاوف أمنية كبيرة من الممارسات الإيرانية. ويجب أن تلحق بهذه الجهود مكالمات هاتفية من الرئيس الأميركي لنظرائه من الدول المعنية بهذا الاتفاق ليكونوا على استعداد للخطوة الأميركية. وينصح بولتون باستبعاد روسيا والصين من هذه المرحلة، نظرا لموقفهما المتشدد من فكرة الانسحاب من الاتفاق.
على واشنطن أن توثق بعناية لموقفها الاستراتيجي، بتنسيق البيت الأبيض مع كل الجهات الحكومية الأميركية المعنية بالملف الإيراني، من أجل بناء منطق يخرج في صورة “ورقة بيضاء”، تركز على منع إيران من الحصول على تكنولوجيا نووية عسكرية في المستقبل. وتركز كذلك على أن الاستمرار في الاتفاق يضر بمصالح واشنطن الاستراتيجية. ونصح بولتون أن تركز الورقة ليس فقط على انتهاكات إيران الاتفاق النووي وروحه، بل أيضا التشهير بسياسات طهران وتدخلاتها الإقليمية. وينصح بولتون باستغلال كل قدرات أجهزة الاستخبارات الأميركية والاستخبارات الصديقة كي يتم بناء منطق محكم للأهداف الأميركية، ولم يستبعد، بل شجع على استغلال ونشر بعض ما لدى أجهزة الاستخبارات من تفاصيل التعاون بين طهران وبيونغ يانغ. أهمية التركيز على الحملة الدبلوماسية، عقب الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق النووي. وهنا يجب أن يخطط مبكرا مجلس الأمن القومي، لحملة تهدف إلى بناء دعم كبير للقرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، كما يجب التركيز هنا على ما يمكن للدول الأخرى القيام به. ويجب أن يروج الانسحاب كل البعثات الدبلوماسية في الخارج، وأن يتفهم الدبلوماسيون الأميركيون بدقة تفاصيل عملية الانسحاب ومنطقها. وعلى الدبلوماسية الأميركية أن تتحدث بصوت واحد من خلال نقاط محددة، يتم إعدادها في واشنطن، بحيث لا يُسمح بالخروج عن الرؤية الرسمية للانسحاب من الاتفاق.
ولا يجب أن تقتصر الحملة الدبلوماسية على شقها الرسمي فقط، بل يجب أن تتسع وتضم
وسائل الدبلوماسية العامة كذلك من خلال التوجه للرأي العام العالمي في الوقت نفسه. وتوقع بولتون ألا تسعى إيران إلى التفاوض على اتفاق جديد عقب الانسحاب الأميركي، إلا أنه ذكر ضرورة أن تترك واشنطن الباب مفتوحا أمام مفاوضات جديدة بهدف إحراج إيران.
على إدارة ترامب أن تُعد خطة محكمة لكيفية إطلاع أعضاء الكونغرس على ما تقوم به، وعليها التركيز بداية على الأعضاء المعروف عنهم التشدد تجاه إيران والاتفاق النووي. وهنا تسعى الإدارة إلى هدف فرض الكونغرس مزيدا من العقوبات على إيران. ويعتقد بولتون أن دعم الكونغرس يعد إضافة مهمة لدعم موقف الإدارة وتقويته في مواجهة منتقدي الانسحاب من الاتفاق النووي. وينصح بولتون الكونغرس باتخاذ خطوات عقابية ضد إيران، تتعدّى ما ذكره قرار مجلس الأمن رقم 2231 المتعلق بعقوبات إيران.
في النهاية، قد تمثل قراءة ما سبق دليلا ليس فقط على نية إدارة ترامب تجاه الاتفاق النووي، بل على محورية سياسة العداء لإيران في خدمة سياسات ترامب وحلفائه في الشرق الأوسط، سواء تعلق ذلك باليمن أو سورية أو العراق، وبالطبع فلسطين.
محمد المنشاوي
العربي الجديد