المشهد من طهران

المشهد من طهران

في حين يتنظر العالم قرار الرئيس ترامب بشأن الاتفاق النووي مع إيران، وبينما يزور قادة أوروبيون البيت الأبيض بتعاقب سريع، فإننا لا نقرأ الكثير عما يفكر به الإيرانيون العاديون إزاء الاتفاق حتى الآن.
كان الإيرانيون قد أيدوا بحماس إجراء المحادثات عندما أصبح حسن روحاني رئيساً في العام 2013، سعياً وراء التحسينات الاقتصادية باعتبارها نتيجة أساسية لأي اتفاق نووي. وحتى الاحتجاجات الشعبية التي جرت هذا العام، كان هدفها هو تجنب التوترات الداخلية أو المواجهة مع النظام. وكان روحاني قد وعد الأمة بفتح فصل جديد من العلاقات بين إيران والغرب تحت رئاسته. وقال إن الاتفاق سوف يعزز الاقتصاد من خلال رفع العقوبات، وخلق الوظائف والفرص مع قدوم المستثمرين الأجانب لملايين العاطلين عن العمل من الشباب المتعلم. وكان يفترض أن يضع كل هذا نهاية لعقود من العزلة الإيرانية.
ولكن، بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً منذ تموز (يوليو) 2015، أصبح الاتفاق بلا معنى بالنسبة لمعظم الإيرانيين. لم يكن هناك أي تعزيز حقيقي لاقتصاد إيران، وما يزال الفساد مستمراً. وبينما فقد الاتفاق الإيراني جاذبيته، فكذلك فعلت ثقة الإيرانيين بروحاني وبالنظام بأكمله.
فوق كل ذلك، شعر الإيرانيون بسخط عميق وهم يشاهدون على شاشة تلفاز الدولة كيف يدافع النظام عن الرئيس بشار الأسد، ويرون مساعدات إيران المالية واللوجستية وهي تذهب إلى حزب الله على الأرض في لبنان.
يشعر الكثير من الإيرانيين بأن الطموحات الإقليمية للنظام وذراعه العسكرية؛ الحرس الثوري الإيراني، وضعت مواردهم المالية، وكرامتهم -بل وحتى أمنهم نفسه- تحت الخطر. بل إنهم أصبحوا يشعرون بأن الاتفاق النووي شكل ذريعة لحرب النظام الإقليمية بالوكالة أكثر مما ساعد اقتصاد إيران المدمَّر. وفي الأسابيع الأخيرة، عانى البلد من أزمة نقدية حادة، والتي شهدت قيمة الريال وهي تنهار في مقابل الدولار الأميركي -في تداعٍ غير متوقع لانعدام ثقة السوق المحلي بالاتفاق النووي.
هدد الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق إذا لم تتم معالجة بعض مخاوفه من أجزاء معينة في الاتفاق بحلول الموعد النهائي المحدد في 12 أيار (مايو). وقد ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى واشنطن مدججاً بالحجج القوية (وبعده أنجيلا ميركل)، فهل ينجح هجومه الساحر بتمديد الاتفاق؟
في الوطن، يعتقد الإيرانيون بأن تركيز النظام على برنامج الصواريخ البالستية يدخل في باب الاستعراض أكثر من كونه تهديداً أصيلاً. ويواصل قادتهم التركيز على الصراع في سورية ودعمهم لحزب الله لأنهم يعتقدون بأن الانخراط في سورية هو شأن ضروري من أجل بقاء النظام: فمن دون تواجد إيراني إقليمي، ربما تفقد الحكومة الإيرانية شرعيتها.
بينما تتزايد الكلف السياسية والبشرية لسياسات النظام فيما تواصل الحرب السورية زخمها المميت، يظهر أن النظام فقد الثقة في مستقبله: إنه لم يركز على، أو حتى يضع في اعتباره، خسارته الثقة الشعبية بينما تصاعدت المعارضة في شوارع المدن الإيرانية في كانون الثاني (يناير) الماضي في إطار يمتد من المطالبة بالإصلاحات الاقتصادية إلى استشراف المرحلة المقبلة، تغيير النظام.
على الرغم من استثمار النظام الهائل في الدعاية التلفزيونية التي تهدف إلى تأمين تعاطف الجمهور مع نظام الأسد (الذي يتم تصويره على أنه ضحية للهجمات الإرهابية) ومع حزب الله والفلسطينيين، فإن التأثير كان معاكساً. وعلى نحو غير متوقع، أخلى التعاطف مكانه لمشاعر الاستياء. وسواء كان ذلك عن صواب أو خطأ، يبدو أن الكثير من الإيرانيين أصبحوا يتعبرونهم كلهم “إرهابيين” (بمن فيهم زعيم حزب الله حسن نصر الله). ويلقي الإيرانيون الآن بالمسؤولية على هؤلاء جميعاً في التسبب بعزلة بلدهم الدولية، ويشعرون بأنهم يغرقون في الفقر بسبب إنفاق موارد البلد في الخارج. وكانت هذه العاطفة قوية بشكل خاص خلال احتجاجات الريف في أوائل كانون الثاني (يناير) الماضي عندما نزل الإيرانيون إلى الشوارع ليهتفوا برفضهم لإنفاق الأموال الإيرانية في لبنان وسورية.
الآن، مع الصدامات المحتملة بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية (حيث هاجم الإسرائيليون القاعدة العسكرية “تي-4” التي يستخدمها الإيرانيون وقتلوا سبعة من عناصر الحرس الثوري الإيراني)، أصبحت مخاوف الإيرانيين في ازدياد. هل تدخل المنطقة صراعاً آخر إذا ما انهار الاتفاق النووي الإيراني؟ أصبحت الجمهورية الإسلامية عالقة بين إحباطات مواطنيها، الذين لم يعودوا يحتملون المصاعب والرقابة المتزايدة، وبين حلفائها الإقليميين، الذين يمكن أن ينهار نظامها كاملاً من دونهم.

كاميليا إنتخابيفارد

الغد