في بادرة تزيد من تعقيدات الوضع العراقي، وتنتهك أبسط قواعد القانون الدولي، من المقرر أن تكون لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي، قد ناقشت امس الأربعاء، مسودة مشروع قانون، يتضمن السماح بتمويل أمريكي مباشر لكل من البيشمركة وقوات أمنية سنية، على أن تعامل كل من هذه القوات كـ «دولة» لتفي باشتراطات منح التمويل الأمريكي المباشر المنصوص عليها دستوريا.
ولعلها سابقة أن تقرر دولة التدخل في بلد، يفترض أنه ذو سيادة، بتقديم مساعدات الى مجموعات معينة فيه متجاهلة حكومته. ويبقى هكذا تدخل غريبا حتى وإن أتى من الولايات المتحدة التي كانت احتلت العراق دون مسوغ شرعي، إلا إذا كان الهدف هذه المرة تقسيمه او ربما تفجيره، نظرا لما يعنيه من استفزاز لمكونات طائفية اخرى.
وبالفعل فقد هدد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بضرب المصالح الأمريكية داخل العراق وخارجه في حال صدور القرار، مؤكدا أن «ذلك بداية لتقسيم العراق».
وعلى الرغم من أن السفارة الأمريكية في العراق قللت من أهمية مشروع الكونغرس، مؤكدة أن واشنطن تدعم عراقا موحدا، الا ان الواقع هو ان القانون سيمنح مجالاً واسعاً للولايات المتحدة لتوجيه الدعم العسكري مباشرة إلى السنة والاكراد وتدريب قواتهم، مستغلة خروج مناطق شاسعة عن سيطرة بغداد، ودون احتياج لاذن من الحكومة العراقية.
وقد انتقد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحرك الكونغرس على استحياء قائلا «ليس هناك من تعامل بازدواجية مع الحكومة من قبل الأطراف الخارجية، ونؤكد أن أي تسليح لن يتم إلا عن طريق الحكومة العراقية، وفقاً لما تضعه من خطط عسكرية». إلا أن الواقع هو ان موقف العبادي يختص في حقيقته بالسنة العرب فقط، بالنظر الى ان ما يعرف بـ «كردستان العراق» اصبح يحصل فعليا على مساعدات عسكرية مباشرة من عواصم غربية عدة، متجاوزا حكومة بغداد.
أما السؤال البديهي فهو لماذا سمح العبادي لقوات الحشد الشعبي (الشيعية) بالحصول على دعم مباشر وعلني من طهران، فيما يرفض دعما مماثلا من واشنطن لمكونات اخرى من الشعب العراقي.
وليس المقصود هنا تبرير اي تدخل في العراق من اي جهة كانت، لكن توضيح ان ازدواجية المعايير التي يتحدث عنها العبادي ربما بدأت في بغداد نفسها قبل اي مكان آخر. وبكلمات اخرى، فان الحكومة التي تقاعست عن تسليح ابناء القبائل في الانبار، ربما اضطرتهم للمطالبة بتدخل عربي او حتى امريكي ليخلصهم من تنظيم «الدولة».
والواقع ان القانون الامريكي في حال صدوره، انما يجسد توجها قديما للكونغرس اعلن عنه منذ الغزو في العام 2003، عندما اقترح بعض نوابه علنا تقسيم العراق الى ثلاث دول: كردية وشيعية وسنية، في سبيل التغلب على المشاكل الخاصة بتوزيع السلطات والمناصب.
وبالنسبة إلى إدارة الرئيس باراك اوباما التي تتحدث عن «عراق موحد» بينما تعرف جيدا انه لم يعد موجودا، بل وربما اصبح جزءا من التاريخ، فانها قد تتصور ان القانون يسمح بحل معضلتها الحالية في العراق.
وتدرك واشنطن ان دعوة العبادي لزيارتها لم تكن كافية لاضعاف تحالفه مع طهران، كما اصبح واضحا ان غاراتها فشلت في تغيير الموازين على الارض، خاصة بعد اعتراف مسؤولين في الجيش العراقي نفسه بعجزهم عن مواجهة تنظيم «الدولة» من غير دعم من الحشد الشعبي المرفوض امريكيا لما يمثله من نفوذ ايراني، وكذلك من اغلب اهالي الانبار خشية تكرار الانتهاكات التي ارتكبها في تكريت.
أما المحصلة، فان اغلاق باب التدخلات الخارجية يقتضي اعادة النظر في سياسات الحكومة العراقية اولا، والمسارعة الى نجدة اهالي الانبار بما يحتاجون اليه من دعم، حتى لا يجدوا حاجة الى طلب او تلقي مساعدة من الخارج. أما استمرار الأوضاع الحالية فلا يمكن الا ان ينذر بتفجير العراق مذهبيا، وليس تقسيمه فحسب، وهو ما قد لا تبقى آثاره الخطيرة محصورة داخل حدوده فقط.
رأي القدس