قام الرئيس الأميركي دونالد جيه ترامب يوم 8 أيار (مايو) بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وقال إن الاتفاق لم يكن مرضيا من حيث التعامل مع قدرة الجمهورية الإسلامية على بناء قنبلة نووية أو الحد من “نشاطها الخبيث”. كما وقع أيضا مذكرة تقضي بإعادة فرض العقوبات على إيران.
من المرجح أن يؤدي قرار ترامب إلى توتير علاقات واشنطن مع حلفائها الأوروبيين الذين كانوا قد حثوه على إبقاء بلاده في الصفقة.
وقال ترامب في البيت الأبيض: “الحقيقة هي أن هذه كانت صفقة فظيعة ومن جانب واحد، والتي ما كان ينبغي أن تبرم أبدا. إنها لم تجلب الهدوء، ولم تجلب السلام، ولن تفعل أبدا”. وأضاف الرئيس: “اليوم، لدينا دليل قاطع على أن الوعد الإيراني كان كذبة”.
مع ذلك، كانت الهيئة الرقابية على النشاطات النووية في الأمم المتحدة، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحكومات الغربية، بل وحتى كبار مسؤولي إدارة ترامب، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو ومدير الاستخبارات الوطنية، دانيل كوتس، قد قالوا أن إيران تمتثل للاتفاق وتفي بالتزاماتها بموجبه.
في معرض انتقاده لما تدعى بنود “غروب الشمس” في الاتفاق، والتي تنتهي بموجبها القيود المفروضة على قدرة إيران على إنتاج الوقود النووي للاستخدامات المدنية بعد خمسة عشر عاما، قال ترامب: “حتى لو التزمت إيران بشكل كامل (بالاتفاق)، فإنه ما يزال بإمكان النظام أن يظل على عتبة تحقيق اختراق نووي في مجرد فترة قصيرة من الزمن”.
وأضاف ترامب: “لو أنني سمحت لهذه الصفقة بأن تبقى، فسوف يكون هناك سباق تسلح نووي قريبا في الشرق الأوسط. سوف يريد الجميع امتلاك أسلحتهم بمجرد أن تصبح لدى إيران أسلحتها”.
لكن المنتقدين يرون أن التخلي عن الصفقة هو بالضبط ما يمكن أن يضع إيران على طريق إنتاج سلاح نووي وأن يشعل سباقا للتسلح النووي في الشرق الأوسط.
بينما يعرض نقده للصفقة، قال ترامب أن المواد المتعلقة بالتفتيش تفتقر إلى الآليات المناسبة “لمنع، وكشف، ومعاقبة الغش”.
وأضاف: “إننا لا نستطيع أن نمنع إنتاج قنبلة نووية إيرانية على أساس البنية المتعفنة والبالية للاتفاق الحالي. إن الصفقة الإيرانية معيبة في جوهرها. وإذا لم نفعل شيئا فإننا نعرف بالضبط ما سيحدث: في مجرد برهة قصية من الزمن، سوف تكون الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب في العالم على وشك امتلاك أخطر سلاح في العالم”.
وكان قد وقع على الاتفاق الإيراني، المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا والصين وإيران في العام 2015.
يقول المنتقدون للاتفاق أنه لا يعالج مسألة برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو نشاطات إيران الخبيثة في منطقة الجوار، وأن الاتفاق لا يقيد البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم. وقد ردد ترامب أصداء هذه الانتقادات في ملاحظاته التي أدلى بها يوم 8 أيار (مايو).
من المرجح أن يؤدي قرار ترامب إلى عزل الولايات المتحدة. وقد تعهد كافة الموقعين الآخرين على خطة العمل الشاملة المشتركة، بمن فيهم إيران، بمواصلة الالتزام بشروطها. والأهم من ذلك بالنسبة للولايات المتحدة، هو أن قادة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا كانوا قد حثوا ترامب على عدم التخلي عن الاتفاق. ومن المرجح أن يؤدي تجاهل ترامب مطالبهم إلى توتير علاقات الولايات المتحدة مع شركائها الأوروبيين.
فيما شكل عرضا استباقيا لردة فعل إيران على انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 6 أيار (مايو) من أنه في حال غادرت الولايات المتحدة الاتفاق، فإنها سوف تواجه “الندم بأبعاد تاريخية”.
ما يزال من غير الواضح أي أثر سيتركه قرار ترامب على الاتفاق نفسه. لكن الواضح هو أن التهديد بفرض عقوبات أميركية سوف يردع الشركات غير الأميركية عن القيام بأعمال في إيران. ويمكن أن يؤدي ذلك في حد ذاته إلى تعريض الاتفاق للخطر.
في حين عارضت إيران إعادة التفاوض على الاتفاق النووي، عرض ترامب إمكانية البدء من جديد. وقال: “الحقيقة أنهم سوف يريدون إبرام اتفاق جديد دائم. وعندما يفعلون، سوف أكون مستعدا، وراغبا، وقادرا”.
جاء قرار ترامب التخلي عن الصفقة النووية الإيرانية قبل أيام من انعقاد قمته مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون. وسوف يكون نزع سلاح كوريا الشمالية النووي على رأس أجندة تلك القمة. وربما يلقي قرار ترامب حول الاتفاق النووي بظلاله على مقاربة الكوريين الشماليين لذلك الاجتماع.
تعقيبا على الحدث، قام محللو مجلس الأطلسي بإبداء آرائهم في قرار الرئيس ترامب. وفيما يلي ما قالوه:
• باري بافل، نائب أول للرئيس، وأستاذ كرسي آرنولد كانتر، ومدير مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن بمجلس الأطلسي:
“ليس هذا واحدا من أفضل قرارات إدارة ترامب. سوف يكون من شأن انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد، مثل تلك الانسحابات السابقة من اتفاقية باريس للمناخ واتفاقية الشراكة عبر الأطلسي، أن يؤدي فقط إلى عزل الولايات المتحدة عن اللاعبين الرئيسيين في المجتمع العالمي في مسألة منع انتشار الأسلحة النووية، ولن يساعد جهود الإدارة للتفاوض على صفقة جديدة مع كوريا الشمالية.
“في حين أن الاتفاق لا يتسم بالكمال (وليس هناك اتفاق كذلك)، فإنه يوفر قيودا مهمة، والتي تخدم بشكل كبير في الحد من قدرة إيران على متابعة برنامج لامتلاك الأسلحة النووية. ولاشك أن العالم سيكون في حال أفضل كثيرا، والشرق الأوسط أكثر أمنا، بوجود الولايات المتحدة في الصفقة وليس خارجها”.
• راشيل براندينبرغ، مديرة مبادرة أمن الشرق الأوسط في مجلس الأطلسي:
“لم يكن مفاجئا أن يقرر ترامب إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران وسحب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، فإنه فعل ذلك من دون تقديم أي بديل لمنع إيران من إعادة إحياء برنامجها النووي، أو خطة للضغط على إيران من أجل وقف انتشار صواريخها البالستية أو وقف نشاطاتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار.
“اعترف ترامب بأن الولايات المتحدة سوف تحتاج إلى العمل مع حلفائنا الآخرين من أجل تطوير برنامج شامل لمتابعة التهديدات المتبادلة من إيران. لكنه قام في نفس البيان بتقويض مصداقية الولايات المتحدة مع هؤلاء الحلفاء، وتجاهل جهود شركائنا الأوروبيين للتوصل إلى اتفاق لا يعالج فقط نقاط الضعف في خطة العمل الشاملة المشتركة، وإنما يتعداها إلى معالجة التهديدات الأخرى.
فيما قد يعرض مثالا على ما يتوقع الشركاء الإقليميون أنه سيتلو، وضعت إسرائيل مناطقها الشمالية في حالة تأهب قصوى تحسبا لرد فعل إيراني. ولسوء الحظ، يبدو أننا قد ابتعدنا عن الأدوات التي كانت في أيدينا لمراقبة ومنع النشاط النووي الإيراني، ومن دون وضع أي أدوات أخرى في مكانها”.
• بهارات جوبالاسوامي، مدير مركز جنوب آسيا في مجلس الأطلسي.
“إن قرار الولايات المتحدة مغادرة خطة العمل الشاملة المشتركة يقوض مصداقية الولايات المتحدة بين حلفائها والمجتمع الدولي في وقت حرج، والذي تسعى فيه إلى التفاوض على اتفاق مع كوريا الشمالية في إطار محاولة الحد من برنامج الأسلحة النووية لتلك الدولة.
“لقد تمتع الاتفاق النووي الإيراني بدعم مستمر وواسع النطاق من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، حيث وضع نظاما للتفتيش لمدة خمسة وعشرين عاما، وبما يفوق متطلبات الحماية العادية التي تطبقها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
“مع هذا القرار، لم يقم الرئيس ترامب بعزل الولايات المتحدة عن الإجماع العالمي فحسب، وإنما عزز عدم الاستقرار في منطقة خالية من اليقين وغاصة بالتحديات الأمنية.
“على الرغم من أنها تلقت ضربة قاسية، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة ما تزال سليمة، وهناك الكثير الذي يمكن فعله خارج واشنطن لهذا الغرض”.
• أمير هاندجاني، الزميل الرفيع في مركز جنوب آسيا في مجلس الأطلسي، وعضو مجلس إدارة مجلس الأطلسي:
“سوف تكون لما فعله الرئيس ترامب اليوم تداعيات طويلة الأمد على السياسة الخارجية الأميركية. أولا، قام بإحداث صدع في العلاقة عبر-الأطلسية. وكان حلفاؤنا الأوروبيون داعمين للاتفاق وأرادوا بناء جبهة موحدة حول موضوع إيران تحاول التوصل إلى اتفاق متابعة تكميلي لمعالجة بعض العيوب في خطة العمل الشاملة المشتركة. وقد ذهب ذلك الآن.
“ثانيا، عرض الرئيس ترامب الزيف مجسدا في خطابه. إن إيران لا تنتهك الاتفاق. وهذا هو تقدير رؤساء استخبارات ترامب، ووزارة الخارجية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما فقد الرئيس ترامب أي نفوذ ضئيل كان له على إيران. وقد حد من الفضاء الذي يمكن أن يتواصل فيه المفاوضون الإيرانيون المستقبليون مع الدبلوماسيين الأميركيين، باعتبار أن الولايات المتحدة انتهكت التزاماتها الخاصة بموجب الاتفاق. وقد أعطى الرئيس ترامب للمتشددين الإيرانيين انتصارا كبيرا وقام بتحييد أولئك في إيران من الذين يريدون قدرا أكبر من الانخراط مع الغرب.
“قرار ترامب يجعل أميركا وحلفاؤها في المنطقة أقل أمنا، وليس أكثر أمناً. وتستطيع إيران نظريا أن تعيد تشغيل عناصر كانت قد أوقفتها من برنامجها النووي. وفي الوقت الحالي، لدى الولايات المتحدة وحلفاؤها وصول غير مسبوق من خلال مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية إلى البنية التحتية النووية الإيرانية. وسوف يكون ما يفعله الإيرانيون تالياً في نطاق تخمين أي شخص. لكن هذا القرار يجعل المواجهة بين إيران والولايات المتحدة أكثر -وليس أقل- احتمالاً”.
• نبيل خوري: الزميل الرفيع غير المقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في مجلس الأطلسي:
“قرار ترامب الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة ليس منطقياً، لا بالمعاني الاستراتيجية ولا الاقتصادية. إن إيران لا تعمل الآن على التسلح النووي. وتتفق أجهزت المخابرات الأميركية، والأوروبية، والإسرائيلية على ذلك. وحتى لو أنها تفعل، فإن من الزيف القول بأن الولايات المتحدة نفسها يمكن أن تتعرض لاستهداف من أسلحة نووية إيرانية محتملة. ولن تلحق استعادة فرض العقوبات ضررا بإيران لأن الموقعين الخمسة الآخرين على الاتفاق لن يتماشوا مع هذا. وبالإضافة إلى ذلك، لن يكون استكمال الصفقات المحتملة للشركات الأميركية، مثل بوينغ، ممكناً بعد الآن. وليس هناك حافز هنا لأي من إيران أو كوريا الشمالية لاحترام أي اتفاق مع هذه الإدارة. بخطابه العدواني ووجود مستشار جديد للأمن القومي، فإنه يحتمل كثيراً أن ننزلق إلى الحرب مع إيران، والتي يمكن أن تكون حرباً طويلة وشاقة”.
• ماثيو كروينيغ: نائب مدير مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن:
“لقد قوض الاتفاق النووي الإيراني الكثير من مصالح الولايات المتحدة ووضع إيران على الطريق نحو امتلاك القنبلة. ويجب أن يعقب قرار ترامب الجريء إنهاء الاتفاق اليوم وضع استراتيجية شاملة، والتي تبني على كافة عناصر القوة الوطنية والتعاون مع الحلفاء والشركاء، من أجل القضاء على برنامج الأسلحة النووية الإيراني وليس تأجيله فقط”.
• باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران:
“لقد نفذ ترامب الآن وعد حملته الانتخابية بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني التاريخي. وبينما وعد أيضاً بالتفاوض على اتفاق جديد مع إيران، فإن من المرجح أن يواجه طاولة فارغة.
“على الرغم من الجهود الحثيثة، بل وحتى المحمومة، التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها للتوصل إلى اتفاقيات جانبية مع الولايات المتحدة حول سياسات إيران غير النووية، فإن ذلك لم يكن مرضياً لترامب. وفي خطابه، تجاهل ترامب الحلفاء وركز على طائفة من الاتهامات التي وجهها ضد طهران. وفي حين قال ترامب أن الولايات المتحدة وحلفاءها “متحدون في فهمنا للتهديد (الإيراني)”، فإنه ليس هناك أي اتحاد، أو وضوح، إزاء ما سيأتي تالياً.
“كما فعل مرارا منذ أصبح رئيسا، أظهر ترامب قدرته على تدمير إنجازات أسلافه بينما لا يضع شيئاً في مكانها. وقد أصبح الأمر متروكاً الآن لأوروبا لكي تحاول إقناع إيران بأن تبقى في الاتفاق على الرغم من العقوبات الأميركية. وسوف ترتدي كل من الصين وروسيا أيضا عباءة القيادة الدولية في الوقت الذي تتخلى فيه الولايات المتحدة أكثر عن دورها التقليدي. وليس ثمة ما يوشك أن يصبح أسهل بالنسبة للشرق الأوسط والعالم بأسره. وبالإضافة إلى ذلك، في كوريا الشمالية، سوف يلاحظ كيم جونغ-أون ما يجري وسوف يطالب بالمزيد من الامتيازات قبل أن يوافق على تقديم أي تنازلات”.
• آرون شتاين: زميل رفيع مقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في مجلس الأطلسي:
“تفرض خطة العمل الشاملة المشتركة عمليات تفتيش استثنائية على ناشر معروف للأسلحة النووية حتى العام 2041. ويعني الانهيار المحتمل لخطة العمل الشاملة المشتركة ببساطة أن العالم سيعود إلى الحالة التي سادت قبل العام 2015، والتي كانت قد سمحت لإيران بتركيب العدد الذي تريده من أجهزة الطرد المركزي، وتخصيب القدر الذي شعرت أنه يكفي من اليورانيوم.
“كما أن انتهاك الولايات المتحدة للاتفاق يضعف أوروبا. وكان الفرنسيون، على وجه الخصوص، مفاوضين صعبي المراس وقاموا بتحسين خطة العمل الشاملة المشتركة. الفكرة القائلة بأن أوروبا متساهلة مع إيران لأنها ترغب في الحصول على المال والقيام بالمزيد من الأعمال، هي فكرة سخيفة. إن أوروبا تدعم خطة العمل الشاملة المشتركة لأنها اتفاق جيد. لقد أصبحت الولايات المتحدة وحدها تماما هنا”.
“لن تكسب الولايات المتحدة المزيد من النفوذ من هذا القرار. وبدلا من ذلك، تقوم الولايات المتحدة بتمكين إيران، وسوف تندم على هذا القرار عندما تحاول إدارة مستقبلية إعادة تجميع القطع معا”.