سياسي وطبيب جراح ماليزي، تولى منصب رئيس الوزراء بين عامي 1981 و2003. وُصف بالنمر الآسيوي ورائد النهضة الماليزية، وخفف كثيرا من جراح الماليزيين الاجتماعية والاقتصادية. حفر اسمه في تاريخ ماليزيا بعد أن حولها خلال عقدين من دولة زراعية إلى دولة صناعية صاعدة.
المولد والنشأة
ولد مهاتير محمد يوم 20 يونيو/حزيران 1925 في ألور سيتار بولاية كيداه في ماليزيا، لأسرة والدها معلم مدرسة من أصول هندية، ووالدة ملايوية ربة بيت. اضطر لبيع فطائر الموز والوجبات الخفيفة لتوفير الدخل لأسرته إبان الحرب العالمية الثانية، وخلال الاحتلال الياباني لبلاده.
الدراسة والتكوين
تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدارس، ثم في كلية السلطان عبد الحميد بمسقط رأسه. التحق بعدها بكلية الملك إدوارد السابع الطبية في سنغافورة (جامعة سنغافورة الوطنية حاليا) وتخرج فيها عام 1953. ثم عاد إلى مقاعد الدراسة في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأميركية عام 1967 ليتخصص في الشؤون الدولية.
التوجه الفكري
تبني مهاتير التوجه الوطني الإسلامي، ورفض تأويلات الإسلام المعطلة لفعالية المسلمين وإنتاجيتهم وإبداعهم في الحياة، و رأى أن عمل المسلمين بتوجيهات القرآن الكريم من شأنه أن يجعلهم أغنى شعوب الأرض.
وقال “إذا كنا جميعا علماء دين فمن سيقوم بتصنيع الطائرات والصواريخ والسيارات وأدوات التكنولوجيا الحديثة؟”، مضيفا أنه “يجب أن يكن هناك علماء في التجارة وفي العلوم التقنية الحديثة وفي كل مجالات المعرفة، ولكن على أساس من التعاليم الإسلامية”.
رفض كذلك التشدد واستعمال العنف باسم الدين واستباحة تعاليمه لتحقيق مصالح شخصية، معتبرا أن الجماعات “الإسلامية” التي تعتمد العنف تفاقم صعوبات دول إسلامية وتشوه الدين. وآمن بضرورة مصاحبة التطور الاقتصادي والمادي لبلاده للتمسك بالقيم الأخلاقية والاجتماعية.
انتقد مهاتير نظام العولمة الغربي وما وصفه بـالدمار الأخلاقي، وحذر من أخطار تلك العولمةالمهددة للثقافات المحلية، لأن التجارة تؤثر في الثقافة. ودعا لصياغة نظام اقتصادي ومالي عالمي جديد.
قال عنه عادل الجوجرى صاحب كتاب “مهاتير محمد… النمر الآسيوي من شاب متمرد إلى بطل إسلامي”، إن النضال بالعلم والتكنولوجيا هو الإنجاز الأكبر في تجربة مهاتير محمد، موضحا أن الرجل بنى بلاده على القيم الإسلامية والحضارية بدون شعارات ودعاية سياسية.
الوظائف والمسؤوليات
بعد تخرجه عام 1953، عمل مهاتير في حكومة بلاده التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، وبعد استقلالها عام 1957 ترك الوظيفة وفتح عيادته الخاصة في مسقط رأيه ألور سيتار.
تولى عام 1968 منصب رئيس مجلس التعليم العالي، وعُين عضوا في المجلس الاستشاري التعليمي العالي عام 1972، ثم رئيسا لمجلس الجامعة الوطنية عام 1974، وفي العام الموالي عُين وزيرا للتعليم.
وفي 15 سبتمبر/أيلول 1978، عينه رئيس الوزراء حسين أون نائبا له ثم وزيرا للتجارة والصناعة. وعقب استقالة حسين أون، تولى مهاتير في 16 يوليو/تموز 1981 رئاسة الوزراء.
التجربة السياسية
اهتم مهاتير بحياة الناس الاجتماعية وكان أقرب إلى الفقراء، اختير لرئاسة جمعية الطلبة المسلمين في الكلية، ودخل عالم السياسة من بوابة حزب “منظمة الملايو الوطنية المتحدة”، لكن نجمه بدأ في اللمعان مع انتخابه عضوا في البرلمان الاتحادي عن دائرة كوتا سيتار سيلاتان عام 1964.
أثار جدلا كبيرا عام 1970 بإصداره كتاب “معضلة الملايو” انتقد فيه بصراحة وقوة شعبه، ودعاه للعمل وإحداث ثورة صناعية. عُين عام 1973 عضوا في مجلس الشيوخ، غير أنه تنازل عن العضوية بالمجلس للمشاركة في الانتخابات البرلمانية 1974 وفاز بها. وفي العام الموالي انتخب مساعدا لرئيس حزب “منظمة الملايو الوطنية المتحدة” ثم نائبا له 1978 قبل أن يصبح رئيسا للحزب 1981.
في 16 يوليو/تموز 1981، تولى مهاتير محمد منصب رئيس الوزراء بعدما استقال حسين أون لأسباب صحية، فبات صاحب قرار في البلاد يمكنه من تنزيل تصوره لتطوير بلاده، وما نادى به في كتابه.
أعطى الأولوية للتعليم والبحث العلمي في أجندته الحكومية فخصص له ميزانية كبيرة، واهتم بمحو الأمية وتعلم اللغات، وبالتدريب والتأهيل الحرفي والمهني، والبحث العلمي بإرسال نخبة من الطلبة الماليزيين للدراسة في الجامعات الأجنبية.
كما أدخلت الحكومة الماليزية في عهده الحاسب الآلي ووفرت شبكة الإنترنت في أغلب المدارس الماليزية، وأنشأت مدارس ذكية تتوفر على مواد دراسية تساعد طلابها على تطوير مهاراتهم بمواد متخصصة في شبكات الاتصال وأنظمة التصنيع، حيث تم إنشاء أكثر من أربعمائة معهد وكلية جامعية خاصة، وتقوية العلاقة بين مراكز البحوث والجامعات والقطاع الخاص.
أدخل مهاتير بلاده -بإصلاحاته في التعليم ومناهجه وأهدافه- مرحلة التصنيع في التسعينيات، فأثبتت وجودها وباتت قادرة على المنافسة بأكثر من 15 ألف مشروع صناعي، واستقطاب استثمارات أجنبية كبيرة.
واستطاع خلال 22 عاما أن يحقق مكانة مشرفة لبلاده بين الدول الصاعدة بعدما ارتفع الاحتياطي النقدي من ثلاثة مليارات إلى ٩٨ مليارا، ووصل حجم الصادرات إلى ٢٠٠ مليار دولار. وبات قطاعا الصناعة والخدمات يساهمان بقرابة 90% من الناتج المحلي الإجمالي.
أعلن طواعية في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2003 تنازله عن السلطة واعتزاله السياسة وهو في سن الـ76. وقال “وقتي انتهى، لن أتولى أي مسؤوليات رسمية بعد 31 أكتوبر/تشرين الأول 2003، لأنه من المهم أن يتولى قيادة ماليزيا جيل جديد بفكر جديد”.
وفي مايو/آيار 2018، فاز تحالف المعارضة بزعامة مهاتير بالانتخابات البرلمانية التي جرت في ماليزيا، بحصوله على 112 مقعدا في البرلمان من إجمالي 222، وهو ما يكفل له العودة إلى المنصب الذي سبق أن شغله على مدى 22 عاما.
يعتبر مهاتير أطول زعماء شرق آسيا المنتخبين بقاءً في السلطة وقد تعرض خلال حكمه لانتقادات كثيرة، أبرزها أنه نهج القمع السياسي والأسلوب القاسي والضغط على القضاة، وأن أسلوبه في الحكم حال دون ظهور من ينافسه، ووصل لدرجة الاعتقال حتى لزعماء حزبه فضلا عن تدمير مستقبل خصومه السياسيين، وأبرزهم أنور إبراهيم الذي كان نائبا له.
عُرف مهاتير بموقفه القوي من الاحتلال الإسرائيلي الذي يصفه بالكيان الإرهابي، وانتقد اللوبي اليهودي ودوره في القرار الدولي، واتهمه -في مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي عام 2004- بإشعال نيران الحرب ضد المسلمين. يُحسب له موقفه المتضامن مع المقاومة الفلسطينية ومعارضته لحصار قطاع غزة، ومشاركته في حملة دولية لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين.
الجوائز والأوسمة
حصل على أوسمة وألقاب عديدة، أبرزها لقب “تون” وهو أعلى تكريم لشخصية مدنية في ماليزيا.
المؤلفات
شارك مهاتير محمد في مئات الندوات والمحاضرات، وألف عددا من الكتب منها كتاب “معضلة الملايو”، و”التحدي”، و”تحديات الاضطراب”، و”العولمة والواقع الجديد”.
الجزيرة