عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني يوم الثلاثاء، فإنه امتلك الجرأة ليقول إنه يفعل ذلك من أجل الشعب الإيراني. وبما أنني عشت في إيران سبع سنوات، فإن لدي فكرة جيدة جداً عما يمكن أن يكون قد دار في خلد الإيرانيين عندما سمعوا ذلك: “شكراً، سيدي الرئيس، ولكن لا تفعل لنا أي معروف إضافي لطفاً”.
لعل إحدى المفارقات المحزنة لصراعات أميركا الأيديولوجية مع الأمم الأخرى هي أن الناس العاديين هم الذين يعانون دائماً تقريباً. وينطبق هذا بشكل خاص كلما قامت واشنطن باستخدام الأداة الخرقاء والكليلة المتمثلة في العقوبات الاقتصادية.
مرة أخرى، يجد الإيرانيون أنفسهم عالقين بين نظام استبدادي لديه القليل من العناية برفاههم، وبين قيادة أميركية تبدو عاكفة على جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إليهم عند كل منعطف.
عندما يواجه النظام الإيراني ضغطاً متصاعداً من العالم الخارجي، فإنه يستجيب دائماً وبلا استثناء بسلوك مستأسد، عن طريق مضاعفة الضغط على الناس الذين يحكمهم. هذا هو ما تفعله الأنظمة الشمولية غالباً. ويمكننا أن نتوقع الأمر نفسه الآن.
لن تكون الولايات المتحدة هي التي ستتحمل نتائج ألم إحباط الحكومة الإيرانية وغضبها. ولن تُشن أي هجمات على إسرائيل أو الجنود الأميركيين بقنابل من صناعة إيرانية. ولن يكون هناك أي مفجرين انتحاريين إيرانيين، ولن يقوم إيرانيون باختطاف أي طائرات تجارية. إن حكام إيران ليسوا مجانين، ولا هم يسعون إلى خوض صراع مع قوى أكثر قوة منهم بكثير.
بدلاً من ذلك، من المرجح أن يقوم الملالي بتشديد القيود المفروضة على الإنترنت، واعتراض موجات البث التلفزيوني للأقمار الاصطناعية، واعتقال المزيد من مزدوجي الجنسية كطرق لتذكير لرعاياهم بأنهم ما يزالون هم المسؤولون.
سوف يزداد المناخ الاقتصادي القاتم والسيئ في إيران سوءا. وقد انخفضت يوم الأربعاء الماضي قيمة العملة الإيرانية، الريال، إلى أضعف موقف لها مقابل الدولار الأميركي في التاريخ. ومن المؤكد تقريباً أنها ستستمر في انزلاقها الملحمي -وسوف تتدهور معها القوة الشرائية للإيرانيين العاديين الذين ليس لديهم وصول موثوق إلى الدولارات. وسوف يؤدي الخوف من فرض عقوبات جديدة إلى تفاقم هذا الاتجاه فحسب.
في السنوات الأخيرة، عرض الرئيس حسن روحاني نهجاً مختلفاً، واحداً يزعم أنه يأخذ في الاعتبار رغبات الجمهور في فتخح آفاق أفضل، ويدفع إلى إجراء إصلاحات اقتصادية، ويدعو ظاهرياً إلى ضمان حريات أكبر للشعب الإيراني. ولم يحتضن روحاني هذه الأجندة لأسباب نبيلة. والحقيقة هي أنه وحكومته، مع العديد من الوزراء الذين تعلموا في الغرب، يفهمون أن حكم الجماهير المتعلمة والمتصلة في القرن الواحد والعشرين يتطلب تحسين حياة المواطنين. وخلال ما يزيد عن أربع سنوات قضاها في الرئاسة، فشل روحاني في القيام بذلك، لأسباب متنوعة، وتراجعت فرص نجاح مشروعه إلى حد كبير.
سوف يكون هناك رد فعل عنيف من أولئك المسؤولين الإيرانيين الذين يعتقدون أن قبضتهم الحديدية العارية ستكون أداة أكثر فاعلية لإبقاء الجماهير خاضعة من قفاز روحاني المخملي. ومن المرجح أن يواصل روحاني المضي قدماً في تنفيذ جدول أعماله، لكنه سيكون متأكداً من إلقاء اللوم على منافسيه المحليين والقوى الأجنبية عندما يتعلق الأمر بأي أخبار سيئة ستأتي على الطريق.
لا شك أن العديد من الإيرانيين العاديين يشعرون بالاستياء من القيادة الدينية التي تحكمهم. وقد شهدنا ذلك في مناسبات عدة منذ العام 2009، عندما خاطر ملايين الإيرانيين بكل شيء وخرجوا في أكثر من مرة للاحتجاج. والآن، سوف يحرمهم عمل ترامب من القدرة على الوصول إلى الاقتصاد العالمي، ويحد من قدرتهم على السفر إلى شواطئ أكثر حرية. فلا عجب إذن في أن ينظروا إلى تحركه على أنه موجه ضدهم هم في المقام الأول.
لن تصبح أغلبية الإيرانيين فجأة أكثر دعماً للنظام في طهران. هذا لن يحدث. ولكن، وكما شاهدت خلال فترة الجولة الأخيرة من العقوبات التي أدت إلى في النهاية إلى بدء المفاوضات النووية، عندما يتم الضغط على الناس اقتصادياً، فإن حاجاتهم وتطلعاتهم تصبح متصلة بالبقاء على قيد الحياة أكثر بكثير مما تتصل بالعمل نحو التغيير. وسوف يتطلع الإيرانيون إلى قيادتهم لتقديم المساعدة إليهم في شكل إعانات وهبات. وإلى الحد الذي يستطيعه، سوف يقوم النظام بتوفيرها، وسوف تستمر العملية المتهادية كلها في المسير -في الوقت الحالي على الأقل.
إن إيران بلد يمتلك موارد هائلة. وحتى عندما أدت العقوبات إلى انخفاض حاد في الصادرات -كما كان الحال في السنوات التي سبقت إبرام الاتفاق النووي- فقد تمكن البلد من البقاء واقفاً على قدميه. ولا يوجد الآن أي مؤشر يُذكر على أن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة.
لقد وعد ترامب بتطبيق أشد العقوبات الممكنة على إيران. وكانت النسخة السابقة من هذه السياسة قد أدت إلى خلق تفاوت هائل في توزيع الثروة في المجتمع الإيراني، والتي ازدادت سوءاً بينما يملأ الأعضاء الانتهازيون في النظام جيوبهم بالأرباح التي حققوها من الواردات المهربة.
هذا هو الوضع الذي يخلقه ترامب الآن، والذي أصبح الشعب الإيراني يستعد للتكيف معه بالفعل.
جيسون رضايان
الغد