أصبح واضحا للجميع ملامح العملية السياسية القادمة في العراق وأوجه الكتل والاحزاب السياسية الفاعلة فيها ودورها في قيادة القرار السياسي في العراق لأربع سنوات قادمة في خامس حكومة بعد الغزو الامريكي للعراق ،وبعد اعلان مفوضية الانتخابات تقدم تحالف (سائرون ) على جميع المشاركين من الاحزاب والكتل السياسية في الانتخابات بحيث أصبح لزاما على جميع الساعين لدور سياسي قادم أن يبدأوا مشاوراتهم ولقاءاتهم للبدأ بتكوين تحالفات سياسية واسعة توصلهم للكتلة الاكبر في مجلس النواب ليكون لديها الافضلية في الترشيح لرئاسة الوزارة في العراق وتقسيم فعالية العمل القادم في الوزارات والمؤسسات الحكومية .
المشهد السياسي العراقي أصبح معقدا بتقارب عدد المقاعد الانتخابية التي تمكنت كل كتلة من الحصول عليها ،فنحن أمام تحالفات ثنائية أو ثلاثية ولكل منها وجهتها وعلاقاتها العربية والاقليمية والدولية وجميعها تسعى لجني ثمار سعيها ونشاطها السياسي في اعتلاء منصة القرار السياسي العراقي بعد أشهر من التحالفات واللقاءات والنشاطات الانتخابية التي أسست لمرحلة جديدة في العراق ومن الممكن أن يكون لها انعكاساتها الميدانية على طبيعة الاحداث الجارية في العراق والمنطقة العربية ومسايرتها للواقع الميداني الذي يعيشه أبناء المنطقة .
بدأت ملامح الائتلافات والتحالفات تدخل حيز التنفيذ بلقاءات بين قادة الكتل وأحاديث واشارات هنا وهناك عن طبيعة الكتلة الكبيرة القادمة تقودها (سائرون) التي يسعى الجميع للتحالف معها أو الابتعاد عنها لتشكيل محور مضاد ضد تطلعاتها وانجازاتها الانتخابية .
هناك صراعا سياسيا واضحا ابتدأ قبل الانتخابات بين كتلتي (سائرون والفتح) ولكل منهما توجهاتها وأرتباطاتها وأهدافها وأصبح الامر أكثر وضوحا بعد نتائج الانتخابات وسعي كل منهما لأيجاد أئتلاف كبير يساعده على التحكم بالقرار السياسي في العراق .
وهنا برز التأثير والتدخل والنفوذ الدولي والاقليمي متمثلا بالادارة الامريكية والنظام الايراني لأهمية العراق بالنسبة للطرفين في أدامة مصالحهما ومشاريعهما السياسية والحفاظ على توازنهما في المنطقة فلكل من واشنطن وطهران أهداف تسعى لها وتحاول الحفاظ عليها وأدامتها بما يشكل لها عمقا أستراتيجيا تتحكم فيه بالآحداث القادمة في المنطقة في ظل التصاعد والخلاف السياسي بين أمريكا وايران .
توجح مبعوث الرئيس الامريكي (بريت ماكغورك) الى بغداد يوم 13 مايو /آيار الحالي أي بعد يوم واحد من انتهاء عملية الانتخابات وظهور ملامح النتائج الآولية لها ومعرفة الادارة الامريكية بتراجع تحالف (النصر) الذي يحظى باهتمامها وبدأ نشاط (ماكغورك) بعدد من اللقاءات والمشاورات مع رؤوساء الاحزاب والكتل السياسية العراقية ومحاولة رسم ملامح المرحلة السياسية القادمة وايجاد تحالفات سياسية تفضي الى دعم وأسناد العبادي في ولاية ثانية وهنا كانت الادوات الايرانية تراقب وتتابع عن كثب هذه المحاولات الامريكية وتعلم حقيقتها وأهدافها فكان القرار الايراني بتوجه (قاسم سليماني ) الى بغداد يوم 15 آيار/مايو الحالي ليبدأ مرحلة جديدة وحاسمة من اللقاءات مع العديد من الكتل والاسماء المدعومة من طهران وأجهزتها ومؤسساتها وكانت باكورة هذه اللقاءات مع نوري المالكي الخاسر الاكبر في نتائج الانتخابات ولكنه يعتبر الحليف الاستراتيجي لأيران في العراق لتقويم عملية الانتخابات ونتائجها ومحاولة ايجاد عامل مشترك يجمع جميع الاحزاب والكتل السياسية الشيعية للوصول الى هدف تسعى اليها ايران باستمرار سيطرتها ونفوذها في العراق بتكوين الكتلة الاكبر في المرحلة السياسية القادمة ولتبقي رئاسة الوزارة العراقية تحت هيمنتها وتأثيراتها .
أن التدخلات الايرانية هي واقع حال لما أفرزه الغزو الامريكي للعراق وأطلاق العنان والتغاضي عن عملية التمدد والزحف الايراني تجاه العراق وأعتباره ممرا أساسيا لتحقيق المشروع الايراني في المنطقة العربية ،نحن أمام صراع سياسي ميداني أمريكي-ايراني في العراق وكلاهما يبحث ويسعى للحفاظ على مصالحه فيه والتمركز بشكل واسع لتحقيق مشاريعه السياسية .
وتبقى العملية السياسية في العراق رهينة التجاذبات الدولية والاقليمية وعلى الجميع أن يدرك هذه الحقيقة .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية