مخيم اليرموك.. هل من عودة بعد الكارثة؟

مخيم اليرموك.. هل من عودة بعد الكارثة؟

اليرموك ما بعد الكارثة؛ هذا هو العنوان المفصلي الذي باتت قضيته الآن تقُضُّ مضاجع أبناء مخيم اليرموك من لاجئيفلسطين في سوريا، ومن عموم المواطنين السوريين الذين كانوا يُشكّلون نسبة عالية من سكان المخيم؛ بعد التدمير الهائل الذي لحق بالمخيم.

هذا المخيم -الذي يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني- كان في حقيقته مدينة كبيرة عامرة بأهلها وسكانها، وأسواقها المُتميزة حتى عن أسواق دمشق، وببنيتها التحتية المتطورة نسبياً، وبوجود مؤسسات خدمية متنوعة ومنتشرة.

وقد أصاب ذلك كلَّه الدمارُ شبه الشامل، بما فيه مؤسسات وكالة الأونروا كالمدارس التابعة لها والبالغ عددها 28 مدرسة، والمستوصفات ومراكز الدعم الشبابي والتأهيل المهني والاجتماعي.

مشاهد مخيم اليرموك مُرعبة؛ فحين تدوس أقدامُك أرضَه الآن، وحين تُشاهد الواقع الراهن في شوارعه وأزقته وساحاته، فكأنك تستحضر فورا صور ووقائع مدينة هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، ومدينة درسدن الألمانية التي دمرها الحلفاء فجعلوها أنقاضا بعضها فوق بعض.

“مشاهد مخيم اليرموك مُرعبة؛ فحين تدوس أقدامُك أرضَه الآن، وحين تُشاهد الواقع الراهن في شوارعه وأزقته وساحاته، فكأنك تستحضر فورا صور ووقائع مدينة هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، ومدينة درسدن الألمانية التي دمرها الحلفاء فجعلوها أنقاضا بعضها فوق بعض”

فكل ما بداخل مخيم اليرموك بات ركاماً فوق ركام، حيث الأبنية الإسمنتية الطابقية متهاوية ومئات المنازل سويت بالأرض، ونُهبت المحال التجارية والمؤسسات، وسُرِقت مقتنيات البيوت ثم أحرِقَت بعد ذلك، بما فيها مقرات جميع الفصائل الفلسطينية، وقد جرى كل ذلك وكأنه عقابٌ قاسٍ ومقصود لسكان اليرموك.

مشاهد مأساوية.. ضاع خلالها تعب وكدّ وشقاء سنين العمر، شقاء البحث عن المأوى ولقمة العيش التي سار على دربها البسطاء وعامة الناس، من لاجئ فلسطين في سوريا وأشقائهم السوريين من ساكني اليرموك.

وهكذا كادت نكبة اليرموك تكون أقسى على لاجئي فلسطين من النكبة الكبرى عام 1948، حين دخلوا إلى سوريا في رحلة اللجوء القسرية المؤقتة على أمل العودة السريعة إلى وطنهم الأصلي فلسطين التاريخية، في الجليل وعكا وحيفا ويافا وصفد وطبريا واللد والرملة والناصرة.

المُعطيات المُستقاة من أرض الواقع وبمشاهدات العيان، ومن التقديرات التي أطلقتها عدة جهات مسؤولة، بما فيها المراجع الفلسطينية؛ تُشير إلى أنَّ حجم الدمار في مخيم اليرموك بات يتعدى نسبة 50% من الأبنية الإسمنتية والدور والمؤسسات التي باتت بحاجةٍ لجرفٍ كلي وتام، والنسبة الباقية منها تحتاج لإسعافاتٍ وإصلاحاتٍ هائلة حتى يُمكن الاستفادة منها وإعادة استثمارها.

هذا عدا عن الدمار الهائل الذي لحِقِ بشبكات التيار الكهربائي والمياه والصرف الصحي والهاتف، والتي تحتاج بدورها إلى وقتٍ طويل إذا توفرت الإمكانيات المالية لإعادة بنائها.

وفي الواقع؛ لحِق الدمار الشامل بعدةِ مربعاتٍ داخل مخيم اليرموك، بدءاً بالحارة القديمة التي كانت نواة قيامه 1954 والمُسماة “حارة الفدائية”، فقد دُمِرَت بشكلٍ شبه كامل أوائل العام 2014، وصولاً للمربعات الجديدة التي تم تدميرها في جولات المعارك الأخيرة، وهي مربعات متوزعة على امتداد المخيم وفي مناطقه المختلفة.

والسؤال المطروح الآن هو: هل العودة إلى مخيم اليرموك مُمكنة الآن لأبنائه؟ وهو المخيم الذي عاشوا فيه ونمت أجيالهم اللاحقة بين حاراته، فوجدوا فيه فلسطين المُصغّرة، ومكان الإقامة المؤقتة -وإن طالت- انتظارا للعودة إلى فلسطين.

المُعطيات القائمة على الأرض تؤكد أن العودة مُمكنة لجزء من السكان فقط إذا وافقت السلطات السورية، مع القبول بالعيش في الواقع الراهن، حيث فقدان التيار الكهربائي وجزء جيد من الخدمات؛ أما عودة الجميع فتحتاج وقتا قد يكون طويلاً، لأسبابٍ لها علاقة بالدمار الكبير الموجود، وفقدان نحو نصف السكان لمنازلهم التي تمت تسويتها بالأرض.

إن عددا كبيرا من مواطني اليرموك المهجّرين والموجودين في مراكز الإيواء، والآخرين الذي أنهكتهم تكاليف استئجار المنازل بدمشق وغيرها، سيعودون فورا إذا صدر قرار السماح بعودة الناس.

فالإقامة -حتى ولو تحت ظل خيمة فوق الردم والدمار في مخيم اليرموك- أفضل من البقاء خارج اليرموك تحت رحمة مراكز الإيواء، ووسط نار غلاء إيجارات المنازل، حيث نَشط تجار الأزمات لاستغلال الواقع الكارثي للمهجّرين طوال سنوات المحنة السورية.

“المُعطيات القائمة على الأرض تؤكد أن العودة مُمكنة لجزء من السكان فقط إذا وافقت السلطات السورية، مع القبول بالعيش في الواقع الراهن، حيث فقدان التيار الكهربائي وجزء جيد من الخدمات؛ أما عودة الجميع فتحتاج وقتا قد يكون طويلاً، لأسبابٍ لها علاقة بالدمار الكبير الموجود، وفقدان نحو نصف السكان لمنازلهم التي تمت تسويتها بالأرض”

وبشأن المعالجات المطلوبة ودور الأونروا المرتقب؛ فإن كارثة اليرموك تتطلب تدخلا فوريا من الجهة الدولية المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين (وكالة الأونروا)، لإعادة بناء مؤسساتها الخدمية التي أصابها الدمار التام أو الكبير أو الجزئي، وتقديم يد العون للمواطنين الفلسطينيين، بما في ذلك طرح مسألة إعادة إعمار مخيم اليرموك بحدوده الإدارية المعروفة.

وعلى المستوى الدولي؛ يجب إطلاق نداء عاجل للمجتمع الدولي بهذا الصدد، من أجل حث الدول المانحة على تقديم دعمٍ إضافي لميزانية الوكالة لبلسمة جراح أبناء ولاجئي فلسطين في سوريا.

ففي تجارب سابقة استطاعت وكالة الأونروا تحشيد المجتمع الدولي بدعمٍ من الجامعة العربية، وذلك لدفع الدول المانحة لتبني العديد من المشاريع التي كان منها إعادة إعمار مخيم نهر البارد في لبنان، الذي تعرض لمحنة التدمير الشامل عام 2007.

لكن دور الأونروا -بالنسبة لفلسطينيي سوريا ولإعادة إعمار مخيم اليرموك- يحتاج إلى تفعيل الدعم العربي لها عَبرَ الأمم المتحدة، وعَبَر حث الدول المانحة للتبرع للوكالة، حيث تمرّ الوكالة حاليا بأزمةٍ ماليةٍ غير مسبوقة، في ظل محاولات الإدارة الأميركية السعي للتخلص من الوكالة باعتبارها الشاهد التاريخي القانوني على نكبة الشعب الفلسطيني.

كما يُفترض بمنظمة التحرير الفلسطينية -انطلاقاً من مسؤوليتها عن كل أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات- أن تُبادر لمدّ يد العون للاجئي مخيم اليرموك وعموم المخيمات والتجمعات الفلسطينية التي طالها الدمار في المحنة السورية.

فالمنظمة وعموم الفصائل مُقصرة جداً في هذا المجال، ولم تَقُم بدورها المطلوب طوال سنوات المحنة السورية تجاه مواطني فلسطين في سوريا، بل بدت جميعا وكأنها لا حول ولا قوة لها رغم وجود مقراتها وحضورها القيادي الكثيف في دمشق.

بقي أن نقول إنَّ هناك ملفاتٍ شائكة وكثيرة لها علاقة بجوانب إنسانية لا يُمكن تجاوزها، وتتطلب جهوداً مضنية وعلى أكثر من صعيد للتعامل معها، وهي تنتظر منظمة التحرير وعموم الفصائل؛ مثل ملفات الشهداء، والجرحى والمعاقين، والمفقودين، جراء محنة اليرموك وعموم مخيمات وتجمعات لاجئي فلسطين في سوريا.

علي بدوان

الجزيرة