صحيح أن أسعار النفط ترتفع لكن الأخبار الجيدة هي أنه لن يكون هناك أزمة نقص في الإمدادات – أو هذا ما يقوله لنا حلفاؤنا السعوديون. فالإمدادات وافرة رغم “التقلبات التي يشهدها السوق في الآونة الأخيرة”.
لا شك في أن عدم وجود أعداد كبيرة من السيارات في محطات الوقود يحمل بعض المواساة، لكن لماذا على الأمريكيين أن يدفعوا ثمناً مرتفعاً؟ هناك العديد من الأسباب، وستتناهى إلى مسامعهم على الأرجح خلال فصل الصيف المقبل حين تبلغ قيادة السيارات ذروتها، في وقت يحاول فيه المدافعون عن شركات النفط وأعضاء “أوبك” والسيارات الكهربائية وغيرهم تشكيل السردية كما يريدون.
وفي ظل إجراء الانتخابات النصفية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر، سينضم إلى الكورس آلاف السياسيين القلقين بشأن مستقبلهم، أو يسعون للاستفادة من أصحاب المناصب الذين يشعرون بالتهديد من الناخبين القلقين من الوقائع الجديدة في حسابات ميزانيتهم المنزلية.
لا تتوقعوا سماع الكثير من المصطلحات الاقتصادية. وليس من المستغرب أن المفهوم القائل بأن الإمدادات النفطية غير مرنة يذكّر الكثيرين بالأسباب التي جعلتهم يتجنبون دراسة مبادئ الاقتصاد الجزئي في الجامعة. ومع ذلك، هذا هو السبب البسيط. فتزايد الطلب وتقليص الإمدادات يتسببان بارتفاع الأسعار، لكن طرح إمدادات جديدة يستغرق وقتاً.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر هذا الأمر على العالم أجمع وليس فقط على الولايات المتحدة. أجل ويا للصدمة إن النفط “سلعة أساسية عالمية”، أياً كان معنى ذلك. إن الولايات المتحدة ليست “مستقلة بعد على صعيد الطاقة”، رغم أنها تسير في هذا الاتجاه أكثر فأكثر. وحتى لو كانت كذلك، لن يكون الانسحاب وإطلاق العبارات البذيئة بحق باقي دول العالم فكرة عظيمة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية.
ما العمل إذاً؟ من الناحية السياسية، هناك العديد من العوامل التي أدت إلى عدم اليقين في السوق، الأمر الذي تسبب بزيادة الضغط على أسعار النفط. ومن الناحية الاقتصادية، ثمة اختلالات على المدى القصير، ولكن الخبر الجيد أنها ليست كثيرة في المستقبل. ومن وجهة نظر المستهلك الأمريكي، قد تساعد الخطوات التالية:
إخبار الحلفاء السعوديين للولايات المتحدة بزيادة الإنتاج لتعويض أي نقص في الإمدادات الإيرانية، بدلاً من التآمر مع روسيا للحفاظ على التراجعات التي أدّت إلى انخفاض حاد في مستويات المخزون في الأشهر الأخيرة. (يُذكر أن الوزير السعودي سيلتقي نظيره الروسي في سانت بطرسبرغ هذا الأسبوع. كما أن رئيسه، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يحتاج مؤقتاً إلى أسعار مرتفعة بسبب ضغوط الموازنة، رغم رؤيته لمملكة لا تعتمد على النفط في المستقبل).
تعليق الآمال والدعاء من أجل حصول تغيير سياسي فعلي في فنزويلا حيث أعادت انتخابات يوم الأحد الرئيس مادورو إلى الحكم، على الرغم من أنه يمثّل كارثة اقتصادية وسياسية. (فمن ناحية، تختزن البلاد أكبر احتياطيات نفطية في العالم، لكن الإنتاج يتراجع بشكل كبير بسبب انعدام الكفاءة والاعتقاد المستمر للكثيرين بأن النظام الاشتراكي هو الحل الأفضل).
تخصيص بعض الصلوات من أجل حصول تغيير مماثل في إيران، حيث أن النظام الديني لا يتمتع أيضاً بالكفاءة ولا يكترث بشعبه، وهو ما تبيّنه المظاهرات الأخيرة والمستمرة في الشوارع. (كما خمنتم ربما، أنا لا أعتبر أن حكم الملالي في إيران هو نظام الحكم الطبيعي الوحيد الممكن في الجمهورية الإسلامية. وفي حين تختزن إيران أكبر احتياطيات الغاز في العالم ورابع أكبر احتياطيات النفط، إلا أنّها لا ينبغي أن تكون بحاجة إلى قوة نووية).
وعلى الصعيد المحلي، تشجيع زيادة إنتاج النفط الصخري من خلال السماح بمزيد من التكسير وتوسعة شبكة خطوط الأنابيب المحلية التي تنقل النفط إلى مصافي التكرير. ويمكن القول إن النفط (والغاز) الصخري شكّل أفضل الأخبار الاقتصادية الجيدة منذ عقود، ولكن يجب السماح له بالنجاح. (هذا لا يعني أنه لا يجب أن يكون التنقيب عنه وإنتاجه منظمين بشكل مناسب).
يجب عدم التفكير في وضع قيود على صادرات النفط والغاز الأمريكية وسط تراجع مكانة البلاد التاريخية كدولة مستوردة للنفط. فالولايات المتحدة تشكل جزءاً من سوق عالمي حيث الاقتصاد العالمي أفضل له – وهذا لا يعني أنه يجب استغلالها من قبل الصينيين. وبالفعل، يمكن القول إن مأساة المستهلكين تطابقها الفائدة الحالية لشركات النفط والغاز الأمريكية.
ماذا ستكون عليه أسعار النفط في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر؟ كان الارتفاع الأخير إلى ما يزيد قليلاً عن 80 دولاراً للبرميل ليُحرج الذين اعتبروا أن هذه الأسعار لن تتجاوز أبداً الستين دولاراً. وتبقى عبرة واحدة من العقود الماضية سارية: من غير المجدي توقّع سعر النفط في المستقبل.
أخيراً، إن رهاني واضح: سيرغب الناخب الأمريكي العادي بسعر يشير إلى أن عتبة 80 دولاراً كانت خطوة شاذة. لكن الأمر قد يتطلب عالماً أكثر هدوءاً من الذي نعيش فيه حالياً.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن