مستقبل الغذاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط

مستقبل الغذاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط

الانظمة الغذائية الفعالة ضرورية من أجل تحقيق السلام والاستقرار والنمو الشامل في بلدان جنوب وشرق المتوسط.

في الخامس والسادس من شهر أيار / مايو، تستضيف برشلونة لقاءً دولياً يتناول مسألة  دعم القطاع الخاص للأمن الغذائي في بلدان جنوب وشرق المتوسط، ينظمه كل من البنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية، ومنظمة الأغذية والزراعة للامم المتحدة، والاتحاد من أجل المتوسط. سيحضر اللقاء مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى ومنظمات دولية وممثلو القطاع الخاص بما في ذلك المنظمات المهنية والمؤسسات الاكاديمية والبحثية، وذلك بهدف وضع اقتراحات من أجل تحسين الأمن الغذائي والانتاج والتجارة الزراعية في دول المنطقة من خلال توفير دعم أفضل للمزارعين والشركات الغذائية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.

ان الأمن الغذائي أمر ضروري من اجل ضمان السلام والاستقرار في بلدان جنوب وشرق المتوسط. تثبت الكثير من الأدلة الوافية، ان ارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية ونقص الغذاء ساهمتا في خلق اضطرابات اجتماعية  عانت منها عدداً من بلدان المنطقة وتعدّ جزءاً لا يتجزأ من مطالب سياسية أكبر. كما كانت انطلاقة “الربيع العربي” في المناطق الريفية المهمشة والمحرومة قبل ان تنتقل التحركات الى المدن. ويعتبر انعدام الأمن الغذائي وارتفاع معدلات البطالة –خاصة بين الشباب- نتائجاً لسياسات كانت قد اعتمدت في السابق والتي أهملت الاستثمار في المجال الزراعي والتنمية الريفية.

اليوم، يمكن للزارعة وسلسلة القيمة الزراعية والغذائية ككل أن يشكلا جزءاً من الحل، اذ يوفران مصدراً رئيسياً للدخل ولفرص العمل ولكن بشرط توفير بيئة ملائمة وحوافز مناسبة.

إن سبب طرح وجهة النظر هذه بسيط جداً. من المتوقع أن يزداد عدد سكان منطقة جنوب وشرق المتوسط من 280 مليون نسمة حالياً، الى 350 مليون نسمة في العام 2030 والى 400 مليون نسمة في العام 2050. كما سيزداد الطلب على الغذاء ذات الجودة العالية مع ازدياد الدخل وتحسّن مستوى التعليم في المجتمعات الحضرية. وبعبارة اخرى ستستمر الاسواق الغذائية المحلية بالتوسع مما سيخلق المزيد من الفرص الاقتصادية والتجارية في جميع مراحل الانتاج والتسويق والتصنيع في السلسلة الغذائية.

تواجه عدة بلدان في جنوب وشرق المتوسط تحدياً يتعلق بالامن الغذائي والتغذية بسبب الفقر، وارتفاع معدلات سوء التغذية والسمنة. إن الفقر، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ عام 2008، يهدد الأمن الغذائي والتغذية للفئات الأضعف، وقد يؤدي الى عدم استقرار اجتماعي وسياسي.  في مصر، يعاني 31 % من الأطفال دون سن الخامسة  من تأخر في النمو، بينما في الأردن وتونس والمغرب،  تبلغ هذه المعدلات 8% و10% و 15 %. كما وصلت معدلات السمنة في جميع الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية الى مستويات مثيرة للقلق، مع تضاعف معدل السمنة  بين الاطفال في عشر سنوات.

تعاني جميع البلدان في المنطقة، باستثناء تركيا، من عجز كبير ومتزايد في ميزانية التجارة الزراعية الغذائية، مع العلم أن مصر والجزائر من بين أكبر مستوردي الحبوب في العالم. ويجعلها العجز عرضة للتقلبات في أسعار السلع الغذائية العالمية.

في حين أن بعض هذه الدول لديها ميزة نسبية لإنتاج الحبوب، فقد يكون لديها ميزة نسبية أعلى لإنتاج الفاكهة والخضروات والسلع المصنعة. في هذا السياق، فإن ادماج التجارة البينية مع نظم أكثر فعالية للاستيراد ، قد يعزز الامن الغذائي على المستويين الوطني والإقليمي.

ان الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية، وخاصة التربة والمياه، يجب أن يوجّه الاستثمارات في الزراعة المحلية. على مدى السنوات الـ 40 الماضية انخفضت موارد المياه العذبة الشحيحة للفرد الواحد في المنطقة بمقدار الثلثين ، ومن المتوقع أن تنخفض أكثر من 50 في المئة بحلول عام 2050. وتستهلك المنطقة نسبة 85% من اجمالي المياه العذبة المتوفرة. وتشكل المناطق القاحلة جزءاً كبيراً من المنطقة ، وتعتبر نسبة 45% منها اراضٍ متدهورة . تعدّ الاستثمارات من اجل الحد من الفاقد   و الهدر الغذائي و تحسين إدارة استخدام المياه في سياق تغير المناخ، ضرورية  لتحقيق الأمن الغذائي والاستدامة البيئية.

في بلدان منطقة شرق وجنوب المتوسط، تضم الزراعة حوالى 25% من نسبة القوى العاملة، ويقطن نصف السكان في المناطق الريفية. أكثر من 60 % من السكان تقل اعمارهم عن 30 عاماً، وتتجاوز نسبة البطالة بين الشباب نسبة 25%. لدى نظم الغذاء والزراعة المحلية فرصة كبيرة للتطور والنمو وتوفير فرص عمل للشباب بإدارة واشراف المزارع العائلية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل حصة الأسد من خلق فرص العمل، ولا تُخفى روح المبادرة من السكان على احد.

وعليه، على البلدان أن تعزز السياسات المناسبة وتقدم الحوافز الملائمة للقطاع الخاص (سواء مزارع عائلية، شركات خاصة، مؤسسات صغيرة او متوسطة او شركات غذائية) من أجل دعم قدرتها للوصول الى المعلومات، والتكنولوجيا والأسواق. في المقابل، سيزيد القطاع الخاص استثماراته، وبالتالي يعزز النمو ويزيد فرص العمل. ومن أجل زيادة فرص العمل للشباب، من المهم جعل الحياة الريفية أكثر استقطاباً، ولذلك لا بد من تحسين الانتاجية لزيادة مستوى الدخل، ومن خلال زيادة الاستثمار العام في البنى التحتية والخدمات الاجتماعية.

وأخيراً، على الحكومات وأعضاء البرلمانات فتح قنوات حوار مع أصحاب الشأن الخاص (وخاصة المزارعين والمنظمات التي تمثلهم) من أجل وضع سياسات مناسبة وخلق بيئة مؤاتية للاستثمارات الخاصة. ويمكن تنظيم هذا الحوار ليتمحور حول سلاسل غذائية وزراعية محددة ولاكتشاف المزيد من السبل للاستثمار وتحسينه بهدف توليد المزيد من الدخل وخلق فرص العمل وتحسين الأمن الغذائي والتغذية لصالح كل من المستهلكين والمنتجين.

ان التحدي الذي تواجهه بلدان جنوب وشرق المتوسط هو زيادة انتاج المواد الغذائية وتحسينه، وزيادة فعالية الاستيراد والتصدير على اساس المزايا النسبية، وتقليص الفاقد، وتحسين فعالية استخدام الموارد الطبيعية، وخاصة المياه. يمكن للاستثمار في نظم الغذاء والزراعة أن يساهم الى حد كبير في الاستجابة لهذه التحديات. تستمر منظمة الاغذية والزارعة الى جانب البنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية ومنظمات دولية ومحلية، بالوقوف الى جانب الحكومات من أجل مساعدتها في استكشاف واطلاق العنان لطاقات وامكانيات المزارعين والشركات الخاصة الذين يحملون بين أيديهم مفاتيح مستقبل الامن الغذائي والتغذية السليمة لكل من في منطقة جنوب وشرق المتوسط.

منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”